معركة "أرجل الفراخ" في مصر

26 ديسمبر 2022
المعهد القومي للتغذية التابع للدولة روج لفوائد تناول أرجل الدجاج (العربي الجديد)
+ الخط -

فجأة بات الهم الأكبر لدى بعض المسؤولين ووسائل الإعلام في مصر هو محاولة إقناع السواد الأعظم من المواطنين بفوائد ومزايا تناول أرجل الفراخ (الدجاج).

بل والتأكيد على أنّ تلك الأرجل الضعيفة النحيفة، بسبب سوء التغذية واختفاء الأعلاف وقفزات الدولار، لها مزايا صحية وغذائية كثيرة سواء للذين يعانون من آلام مزمنة في العظام والظهر أو الأنيميا الحادة أو اضطرابات في القلب.

يصاحب عرض تلك المزايا شرح مفصل لطريقة طبخ الأرجل، وأن أفضل طريقة لتناول أرجل الدجاج هي تقديمها مشوية مع قليل من الزعتر، والفلفل الأسود المطحون قبل التقديم، وقليل من زيت الزيتون.

هل هذا التكثيف الإعلامي للحديث عن مزايا أرجل الفراخ تمهيد لزيادة جديدة للأسعار، وفرض مزيد من الإجراءات التقشفية التي يطالب بها صندوق النقد؟

ونسي هؤلاء أن يؤكدوا للمصريين أنّ تناول تلك الأرجل أفضل من الكافيار والجمبري والعدس الذي تضاعف سعره خلال أيام، وأنّ تناول اللحوم الحمراء ضار صحياً، إذ يسبب العديد من الأمراض ويزيد من خطر الإصابة بالنقرس. وأنّ اللحوم تحتوي على نسبة عالية من الدهون المُشبعة، وأنّ الإكثار منها يرفع مستوى الكوليسترول في الدم، وهو ما يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب، والأوعية الدموية.

بل خرج علينا أحد المواقع ليؤكد أن تناول اللحوم الحمراء يزيد من خطر الإصابة بمرض السكري وأمراض القلب والسرطان.

وقبل أيام خرج علينا رئيس قطاع التجارة الداخلية بوزارة التموين عبد المنعم خليل قائلاً في برنامج تلفزيوني: "بتجربتي ممكن أقول إن أرجل الفراخ بها مادة جيلاتينية قوية جدًا لعلاج آلام الظهر، وهي من ضمن الأطباق مرتفعة السعر، وإنها من أفضل وأفخم الأطباق في الصين لما تحتويه من مادة غنية بالبروتينات وغير ممنوع تداولها، ولذا فإن مصر تقوم بتصدير كميات كبيرة من أرجل الفراخ بالفعل إلى الصين".

ويخلص المسؤول إلى القول: إنّه ليس هناك أي مشكلة في تناول أرجل الفراخ المصرية، بل إنّ تناولها مفيد صحياً.

ونشرت وسائل الإعلام وعلى نطاق واسع وفي وقت متزامن دراسات وتقارير تتحدث عن مزايا تناول أرجل الفراخ رخيصة السعر، وفي الوقت نفسه الغنية بالبروتين الذي لا يقل في فوائده الغذائية عن تناول اللحوم، وأنّ هذه المزايا لا تقتصر فقط على النواحي الصحية، بل لها مزايا اقتصادية ومالية.

فالأرجل، وفق وسائل الإعلام، باتت أحد أبرز الحلول السحرية للأسر المصرية للتغلب على مشكلة التضخم وغلاء الأسعار وتفادي الدخول في غياهب الديون والسجون في حال التعثر عن السداد.

المعهد القومي للتغذية انضم إلى قائمة المبشرين بمزايا "أرجل الفراخ"، ونشر، قائمة بالبدائل الغذائية الغنية بالبروتين، وتحقق وفراً بالميزانية

المعهد القومي للتغذية التابع للدولة انضم أيضاً إلى قائمة المبشرين بمزايا "أرجل الفراخ"، ونشر على صفحته الرسمية على موقع فيسبوك، قائمة بالبدائل الغذائية الغنية بالبروتين، وتحقق وفراً بالميزانية، وأكد أنّ من أبرز تلك البدائل "أرجل الدجاج" التي تحتوي على سعرات حرارية مفيدة للجسم.

كما تحتوي أرجل الفراخ، وفق موقع الهيئة، على "الفيتامينات والمعادن اللازمة لإصلاح أنسجة الجلد ونمو العضلات، وغنية بالكولاجين الضروري لتجديد خلايا البشرة وتأخير علامات الشيخوخة والحفاظ على صحة الشعر والأظافر، ومنح الغضاريف المرونة التي تساعد المفاصل المتصلة بها على الحركة، وهذا يساعد على تخفيف آلام المفاصل". إضافة إلى أنها مصدر مهم للڤيتامينات والمعادن التي يحتاجها محتاجها الجسم مثل الفسفور والسلينيوم الذي له دور مهم في الحفاظ على الهرمونات المسؤولة عن الغدة الدرقية.

موقف
التحديثات الحية

بغض النظر عن هذه "الهرتلة" والمسخرة والتي لا تليق بشعب عظيم، ومزاعم أنّ أرجل الدجاج مفيدة للبشرة والحوامل وأصحاب الأمراض المزمنة فإنّ السؤال، هل هؤلاء المسؤولون والإعلاميون الذين يتحدثون عن تلك الفوائد الجمة يتناولون وأسرهم أرجل الفراخ في بيوتهم وفي المطاعم الفخمة التي يذهبون إليها؟

وهل هذا التكثيف الإعلامي للحديث عن مزيا أرجل الفراخ هو تمهيد لزيادة جديدة للأسعار، وفرض مزيد من الإجراءات التقشفية التي يطالب بها صندوق النقد الدولي مقابل تمرير قرض بقيمة 3 مليارات دولار؟

هل هؤلاء المسؤولون والإعلاميون الذين يتحدثون عن تلك الفوائد الجمة يتناولون أرجل الفراخ في بيوتهم وفي المطاعم الفخمة التي يذهبون إليها؟

وهل يمكن خداع المواطن ومكافحة غلاء الأسعار بمعركة الأرجل وغيرها من الوسائل البدائية والرسائل الفجة التي باتت لا تنطلي على طفل لم يتجاوز الخامسة؟

الصحافة مسؤولية والكلمة أمانة، وبدلاً من ممارسة وسائل الإعلام دورها الطبيعي في محاسبة المتسبب بقفزات الأسعار وتآكل القدرة الشرائية للمواطن وتهاوي العملة، راحت تنشر على الناس مخدرات فكرية وسخافات في محاولة لغسل الأدمغة وتغييب المواطن. فهل تنجح في مهمتها "المقدسة"؟

المساهمون