معاناة سكان المخا اليمنية: لا خدمات ولا مصادر دخل

06 فبراير 2021
معاناة مستمرة منذ خمس سنوات (عبد الناصر الصديق/ الأناضول)
+ الخط -

تعاني مدينة المخا اليمنية الواقعة في الساحل الغربي المطل على البحر الأحمر من عزلة تامة عن محيطها الجغرافي، إذ تتبع محافظة تعز جنوب غربي اليمن، إضافة إلى تردٍّ معيشي وتوسع الفقر والبطالة وانعدام الخدمات العامة. ويشكو عمال وصيادون ومزارعون من معاناة يتعرضون لها من جراء توقف أعمالهم، ما دفعهم إلى النزوح والانتقال إلى محافظات أخرى للبحث عن فرص للعيش.

عاصم محسن الذي كان يمتهن الصيد في المخا الغنية شواطئها وسواحلها بالسمك، من الذين دفعتهم الأوضاع المتردية إلى النزوح والتشرد عن بيئته وعمله وبدء حياة جديدة يصفها بالشاقة. محسن لم يستطع الاستقرار منذ انتقاله إلى صنعاء قبل نحو عام ونصف.

يقول لـ"العربي الجديد" إن الطوق العسكري المفروض على طول الشريط الساحلي لمدينة المخا بسبب الحرب والصراع الدائر في البلاد والمواجهات العسكرية والتوترات التي عاشتها وتعيشها مناطق الساحل الغربي لليمن أدّى إلى منعهم من ممارسة عملهم في الصيد. حاول محسن إيجاد مشروع خاص يقتات منه، لكن تردي الأوضاع وانعدام الخدمات في هذه المنطقة اليمنية التي كانت من المناطق التجارية الحيوية يخلق صعوبة بالغة لممارسة الأعمال، وهو ما أدى إلى بدء رحلة نزوح شاقة وقاسية.

ويؤكد مواطنون وتجار على تردي الخدمات العامة، مثل الكهرباء التي تنقطع طوال ساعات اليوم، الأمر الذي يؤثر بشكل بالغ على أعمالهم ومشاريعهم ومصالحهم اليومية التي يقتاتون منها، إلى جانب ما يواجه المواطنون هناك من صعوبة في الحصول على رغيف الخبز وبعض المواد الغذائية الأساسية مع تقلص نشاط المنظمات الإنسانية الأممية والدولية والمحلية العاملة في مجال الإغاثة الإنسانية.

وأطلقت منظمات أممية تحذيرات من تردي الأوضاع المعيشية وانعدام الخدمات وتفاقم معدلات الجوع بصورة كارثية تطاول جميع المناطق اليمنية. وتتزايد الأزمات مع المستويات القياسية المسجلة من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وتسببت الحرب والصراع الدائر في اليمن منذ عام 2015 في تعطيل ميناء المخا الاستراتيجي كغيره من الموانئ اليمنية الواقعة على البحر الأحمر، وبالتالي حرمان خزينة الدولة من الاستفادة من عائداته لتوفير الخدمات العامة وتحسين الأوضاع المعيشية، إذ لا يتوقف الأمر عند هذا الميناء، بل يشمل مختلف موانئ اليمن الخارجة عن السيطرة الحكومية الرسمية. وتشير مصادر "العربي الجديد" إلى أن تعطيل هذه المواقع، مثل ميناء المخا وذوباب ومضيق باب المندب، يحرم الحكومة اليمنية ومحافظة تعز التي تتبعها هذه الرقعة الجغرافية من إيرادات تقدر بمليارات الريالات، إذ تعتمد المحافظة الواقعة جنوب غربي اليمن بدرجة كبيرة على بعض القنوات الإيرادية مثل الجمارك والتي تعتمد بدورها على ميناء المخا وهذه الممرات المائية والبضائع والواردات التي تأتي عبرها.

ويؤكد مسؤول في السلطة المحلية بمحافظة تعز لـ"العربي الجديد" استمرار خروج ميناء المخا عن الخدمة منذ نحو خمس سنوات، وبالتالي حرمان خزينة الدولة من إيرادات هذا الميناء في ظل أوضاع مالية صعبة يمر بها اليمن، إذ أدى تعطيل هذا الميناء إلى حرمان اليمن من مبلغ يزيد على 600 مليار ريال، إجمالي الإيرادات المقدرة من هذا الميناء للخمس السنوات الماضية.

ويعتبر ميناء المخا من أقدم الموانئ، ليس في اليمن فحسب وإنما على مستوى شبه الجزيرة والخليج، وتأتي أهمية هذا الميناء نتيجة قربه من الممر الدولي بمسافة ستة كيلومترات وموقعه الاستراتيجي غربي اليمن.

وكان ميناء المخا يعتبر من أشهر الموانئ في العالم، ومن أهم المراكز التجارية الواقعة على البحر الأحمر، ويعود الفضل إلى ميناء المخا في التعريف باليمن وبالبن اليمني الذي كان يصدر عبره، والذي كان ذا جودة عالية تميزه عن غيره، فقد عرف وما زال يعرف باسمها "موكا" حتى اليوم.

ويقول مصدر لـ "العربي الجديد" إن ميناء المخا يعتبر أشهر المراكز التجارية على البحر الأحمر، وهو ميناء كبير المساحة مفتوح من جميع الجوانب، إضافة إلى موقعة الجغرافي المتميز بالنسبة للمناطق الجنوبية والمناطق الوسطى في اليمن وقربه من مضيق باب المندب ودول القرن الأفريقي والبحر العربي.

في هذا الإطار، يتحدث الناشط الاجتماعي في مدينة المخا بلال غالب لـ"العربي الجديد" عن معاناة السكان في المدينة من تردٍّ معيشي كبير، إذ "أصبحت هذه المدينة الاستراتيجية غير صالحة للحياة وتفتقد لأبسط الخدمات العامة من كهرباء ومياه وشبكات اتصالات وذلك بشكل متعمد" بحسب غالب، "بهدف جعلها منطقة طاردة للأعمال والحياة البشرية، وسط تدهور مختلف المهن والأعمال وتوسع رقعة الفقر والبطالة بشكل كبير في هذه المنطقة والمناطق التابعة لها أو المجاورة، مثل ذوباب وباب المندب وكذلك الخوخة والبرح".

وتخضع المدينة الاستراتيجية في جنوب غربي اليمن لسيطرة فصائل عسكرية موالية للحكومة اليمنية والتحالف العربي، وهي في حالة صراع ومواجهات عسكرية متقطعة وتوترات متواصلة مع القوات العسكرية التابعة للحوثيين، إذ أدى توقيع اتفاق استوكهولم قبل عامين إلى توقف المواجهات العسكرية التي كانت ضارية بين الطرفين على امتداد مناطق الساحل الغربي من اليمن.

الاتفاق الذي مر عامان عليه تضمن بنوداً عديدة لخفض التوترات وتحسين الخدمات والمعيشية لسكان هذه المناطق الذين نزح الكثير منهم إلى المناطق والمحافظات الآمنة من الحرب، مثل صنعاء وإب ولحج والضالع أو التي تراجعت فيها حدة المواجهات العسكرية، مثل مدينة تعز.

لكن وبعد مرور عامين على توقيع الاتفاق الذي أصبح مهدداً مع ارتفاع وتيرة التوترات والحشد العسكري مؤخراً، لم يلمس سكان هذه المناطق أي تحسن في أوضاعهم المعيشية، مع تفاقم أكبر لتدهور الخدمات العامة وبقاء الكثير من الصيادين عاطلين عن العمل، وبقاء غيرهم بعيدين عن أعمالهم التي فقدوها بسبب الحرب وتحول مناطقهم إلى ساحات مفتوحة للمواجهات العسكرية.

المساهمون