معارك الجنوب تكبّد لبنان خسائر باهظة في مختلف القطاعات

22 فبراير 2024
لبناني وسط أنقاض مبانٍ مدمّرة في أعقاب غارات للاحتلال على بلدة الناقورة (فرانس برس)
+ الخط -

بدأت تأثيرات الحرب الدائرة على الحدود الجنوبية اللبنانية مع فلسطين المحتلة منذ 8 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي تتّسع رقعتها اقتصادياً وتكبُر عواقبها مع مرور الوقتِ، لتشمل قطاعات رئيسيّة في البلاد، ولا سيّما منها السياحية، والزراعية، والعقارية، وذلك في وقتٍ تعلو التحذيرات الدولية من أن الانزلاق نحو الحرب سيكون مدمراً.

وعلى وقع العدوان على غزة، تشهد الجبهة الجنوبية في لبنان مناوشات نارية بين "حزب الله" وجيش الاحتلال، أسفرت عن استشهاد ما لا يقلّ عن 36 مدنياً بفعل القصف الإسرائيلي، واستشهاد أكثر من 210 عناصر في "محور المقاومة"، غالبيتهم من "حزب الله"، علماً أنه لا توجد أرقام رسمية بعدد الشهداء.
وحسب خبراء اقتصاد، سُجِّلت أضرارٌ مادية بمليارات الدولارات، في ظلّ الدمار الهائل الذي ألحقته الاعتداءات الإسرائيلية بالمنازل والمحال التجارية والأسواق والمعامل والمصانع والأراضي الزراعية والحقول والمدارس، والمنشآت، في القرى والبلدات الحدودية، ومناطق جنوبية.

وعلى الرغم من أنّ المواجهات الدائرة والمتقطعة محصورة نسبياً في القرى الحدودية بشكلٍ خاص، مع بعض الخروقات الإسرائيلية، باستهداف الضاحية الجنوبية لبيروت، والنبطية، وجدرا، في إقليم الخروب، والغازية في قضاء صيدا، بيد أنّ تداعياتها امتدت إلى السوق اللبناني، ولا سيما في ظلّ القلق الجدّي من اندلاع عدوان شامل على الأراضي اللبنانية، ما ينعكس سلباً على سمعة البلاد، ويجمّد العديد من المشاريع والاستثمارات والرحلات.

ومنذ بدء تبادل إطلاق النار على الجبهة الجنوبية، تم الإبلاغ عن خسائر كبيرة في قطاع الزراعة في المنطقة المتضرّرة من الصراع، وهو مصدر رزق أساسي في المناطق الحدودية جنوبي لبنان، مع تلف الأراضي، وتلوث كيميائي وتلوث من بقايا المتفجرات، مما أدى إلى فقدان خصوبة التربة.
وتسبب الصراع حسب تقرير أولي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بخسائر كبيرة في الماشية والدواجن وتربية الأحياء المائية، وأدى القصف بقذائف الفوسفور إلى زيادة تلوث المحاصيل ومصادر المياه، مما يشكل تهديداً للماشية وصحة الانسان. كما عانت محاصيل رئيسية مثل الزيتون والخروب والحبوب والمحاصيل الشتوية بشكل كبير، كما أدى العنف إلى تقييد وصول الصيادين المحليين إلى مناطق الصيد.
وتضرّرت القطاعات الاقتصادية الرئيسية، السياحة، والخدمات والزراعة، أكثر من غيرها، وهي التي توفّر فرص العمل والدخل لنسبة كبيرة من سكان لبنان، كما أن احتمال انكماش الاقتصاد بات مرتفعاً بحسب التقرير نفسه.
وشهد قطاعا السياحة والخدمات، اللذان يساهمان بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي وخلق فرص العمل، تراجعاً ملحوظاً منذ بداية الصراع، كما يتّضح من تضاؤل أعداد المسافرين والطلب على خدمات الضيافة مثل الفنادق والمطاعم.

أضرار زراعية
في الإطار، يقول رئيس جمعية المزارعين في لبنان، أنطوان حويك، لـ"العربي الجديد"، إنّه "لا يمكن إحصاء الأضرار على صعيد القطاع الزراعي الجنوبي في ظلّ استمرار الحرب الدائرة على الحدود، وعدم قدرة العديد من المزارعين على الدخول إلى حقولهم، وعدم تمكن السلطات المعنية من الوصول إلى القرى والاراضي لمسح الأضرار، لكن طبعاً هناك زراعات كثيرة تأثرت منذ 8 أكتوبر لغاية اليوم على رأسها الزيتون، سواء بالقصف والقذائف أو القنابل الفوسفورية، إلى جانب الخضار، مثل البطيخ والشمام، مع تضرر سهلي مرجعيون والوزاني والخيم البلاستيكية، وهناك أضرار في الثروة الحيوانية".

وأشار حويك إلى أن "هناك دماراً لحق الأشجار المثمرة والعديد من المشاريع المتطوّرة التي أصبحت مُهمَلة اليوم ولا يمكن الوصول إليها بفعل قربها من الحدود والقرى الساخنة التي تتعرّض لقصف الاحتلال الإسرائيلي"، لافتاً إلى أنّ "المياه الجوفية تأثرت بدورها جراء الاعتداءات الإسرائيلية، عدا عن الأضرار البيئية الخطيرة التي تسبّبت بها الذخائر الفوسفورية المُحرَّم استخدامها دولياً". 

ولفت حويك إلى أن العديد من أصحاب الأراضي لم يتمكّنوا من زراعة حقولهم للموسم الشتوي، وقطف محصولهم باكراً، وقد تأثروا كثيراً خصوصاً بعدما زادت العمليات العسكرية وتضرّرت ممتلكاتهم وأصبحوا عاجزين عن الوصول إليها"، مشدداً على أنّ "الزراعة تعدّ مصدراً أساسياً لسكان الجنوب بنسبة تتخطى الستين في المائة، وللأسف الدولة غائبة تماماً عن حقوق المزارعين ولا تهتم لأوضاعهم".
من ناحية ثانية، يشير رئيس جمعية المزارعين في لبنان، إلى أن المشكلة تكمن في التصدير وذلك ربطاً بالتطورات العسكرية في منطقة بحر الأحمر، والتي أثرت بشكل أساسي على صعيد الحمضيات، لكن المشكلة ستكبر وتتسع لتشمل أصنافاً أخرى في حال امتدت الأزمة لمرحلة مقبلة.

تراجع تدفقات الدولار
من جهته، يقول مدير الأبحاث في "مبادرة سياسات الغد"، سامي زغيب، لـ"العربي الجديد"، إنّه على الرغم من أنّ الصراع الجاري تدور رحاه في الجنوب، بيد أن تأثيره ينعكس على البلاد كافة من نواحٍ عدّة، إذ أنّ الحرب الدائرة قد تؤدي إلى تراجع ملحوظ في تدفقات العملات الأجنبية الواردة بشكل أساسي من السياحة والاستثمارات الأجنبية والحوالات المالية والصادرات، مع العلم أن لبنان بحاجة ماسّة إلى هذه التدفقات لسداد تكلفة وارداته الضخمة، كما أنه يعتمد على العملات الورقية والنقدية التي ترده مقابل صادراته لصرف الحوالات المالية الواردة إليه.

ويلفت زغيب إلى أن "مدة الاشتباكات ونطاقها الجغرافي سيكون لهما تأثيراً مضاعفاً على تدفقات العملات الأجنبية إلى البلاد، وذلك في ظل الخشية المستمرة أيضاً من توسّعها ونشوب حرب شاملة على الأراضي اللبنانية".
ويشير زغيب إلى أن "متوسّط إنفاق السائح قد بلغ 1500 دولار في كل زيارة إلى لبنان بحسب بيانات عام 2022، ولاحظنا تراجعاً مثلاً في أعداد الوافدين بشهر أكتوبر بنسبة 23%، والتي في حال سجلت نفسها للأشهر الأخرى يعني أن الخسائر الاقتصادية في إيرادات السياحة تقدر بحوالي 450 مليون دولار".
من ناحية ثانية، يتوقّف زغيب أيضاً عند تأثير الحرب على قطاع الاستثمار، وسط شيوع حالة من التردّد بين المستثمرين، من دون أن ننسى أن سوق الجنوب عقاري بامتياز، خصوصاً للبنانيين المقيمين في الخارج، لافتاً إلى أن قيمة الخسائر الناجمة عن تراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة تقدر بنسبة 40% على مدى ستة أشهر أي بنحو 105 ملايين دولار.

يشير رئيس جمعية المزارعين في لبنان، إلى أن المشكلة تكمن في التصدير وذلك ربطاً بالتطورات العسكرية في منطقة بحر الأحمر


وقال: على سبيل المثال سجل شهر أكتوبر انخفاضاً سنوياً في الصفقات العقارية بنسبة 60% على مستوى البلاد، وتراجعاً بنسبة 40% مقارنة بمتوسط السنوات الاثنتي عشرة السابقة.
وأوضح أنه "قد يصل إجمالي الخسائر التي سيتكبدها لبنان في التدفقات الداخلية الواردة من قطاعي السياحة والاستثمار العقاري، فقط إلى حوالي 550 مليون دولار".

مخاوف إطالة الحرب
تبعاً لذلك، يرى زغيب أنه "كلما طال أمد النزاع كلما عانى قطاعا السياحة والاستثمار العقاري، ويعني حرمان البلاد من المزيد من التدفقات النقدية"، لافتاً إلى أنه يتوقع أن ينخفض عدد السياح الوافدين إلى لبنان بمعدّل 900 ألفا بين أكتوبر/ تشرين الأول وسبتمبر/أيلول المقبل، يعني تكبّد البلاد خسارة في عائدات السياحة تقدر بحوالي 1.35 مليار دولار، والأمر نفسه على صعيد قطاع العقارات الذي قد تصل خسائره إلى 210 ملايين دولار خلال عام واحد.

من ناحية ثالثة، يشير زغيب إلى تأثير الحرب على القطاع الزراعي وتالياً على صادرات البلاد، باعتبار أن الجنوب اللبناني له حصة كبيرة في إنتاج الزيتون والتبغ واللوز والقمح والشعير والحمضيات والموز والحليب وزيت الزيتون وغيرها، ما سيؤثر على إجمالي صادرات هذه المنتجات التي تقدّر قيمتها بـ94 مليون دولار سنوياً، من هنا يتوقع أن يصل إجمالي الخسائر في تدفقات العمليات الأجنبية إلى ما لا يقل عن 1.6 مليار دولار.

انطلاقاً من هذا كله، وفي ظلّ الانهيار الاقتصادي النقدي الذي يعاني منه لبنان، يرى زغيب أن لبنان في حال نشوب حرب شاملة، سيعاني من خسائر أكثر فداحة مما كان عليه الوضع في حرب يوليو/ تموز 2006، خصوصاً مع خروج الشركات الدولية وانتقال تلك المحلية إلى خارج البلاد. ولفت إلى "إننا نتوقّع بهذه الحالة حدوث انكماش بنسبة 50% في رواتب الموظفين بين مارس/ آذار وأكتوبر 2024 سيمتد على الأرجح لفترة أطول".

المساهمون