عندما تسأل بائع الخضر والفواكه، سعيد السرغيني، عن السبب وراء ارتفاع أسعار الطماطم في الفترة الأخيرة، يفترض أنّ تأخر الأمطار في هذا الموسم أثّر بالإنتاج. يقول إنّ تلك فرضية، قبل أن يضيف: "المهم السعر مرتفع من موقع الإنتاج".
غير أنه ينبه إلى أنّ الارتفاع لا يطاول الطماطم فقط، بل امتد إلى سلع أخرى، معتبراً أن ذلك لا يخدم مصلحة التاجر، الذي يضطر المتعاملون معه من الأسر إلى تقليص المشتريات، في ظل الغلاء وقلة الإيرادات.
ويفيد بحث الظرفية للمندوبية السامية للتخطيط أن 96.2% من الأسر، تعتبر أن أسعار السلع الغذائية ارتفعت في العام الماضي، بينما تتوقع 78.6 في المائة استمرار ذلك الارتفاع في العام الحالي.
الحكومة تتوعد المضاربين
وكثفت اللجان الإقليمية المختلطة المخوّل لها مراقبة أسعار السلع الغذائية وجودتها، في الفترة الأخيرة، زيارة الأسواق بهدف الوقوف على حثّ التجار على احترام شروط السلامة الغذائية والأسعار، التي يفترض بجميع التجار الكشف عن قائمتها حتى يطّلع عليها المستهلك.
وتسعى تلك اللجان المكونة من ممثلي وزارة الداخلية والسلطات المحلية ووزارتي الصناعة والتجارة والصحة، في سياق الزيادات التي تعرفها الأسعار، للحيلولة دون تحكّم المضاربين في السوق.
وأكدت الحكومة توجهها لمحاربة المضاربة في الأسعار، خوفاً من تواصل ارتفاعها في أفق شهر رمضان الذي يرتفع فيه الطلب.
وذهب الوزير المنتدب المكلف وضع الموازنة، فوزي لقجع، في تصريح صحافي إلى أنّ المضاربين يلحقون الضرر بالمنتج والمستهلك على حد سواء، حيث يستحوذون على معظم القيمة المضافة.
سؤال ملحّ وزيادات لا تتوقف
وقد حاصر سؤال ارتفاع الأسعار الحكومة المغربية حتى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث دأبت على تفسير ذلك بتداعيات السوق الدولية، مؤكدة مواصلة دعم بعض السلع عبر صندوق المقاصة.
ولم تسلم العديد من السلع من الزيادات في الأشهر الأخيرة، فقد بدأت بالزيوت، قبل أن تنتقل إلى القمح، وتطاول، بشكل ملحوظ الوقود، لتمتد إلى اللحوم والطماطم والبصل والبيض والقطاني في الفترة الأخيرة.
ولم تكفّ الحكومة في الفترة الأخيرة عن تحميل السوق الدولية مسؤولية ارتفاع الأسعار في السوق المحلية، مؤكدة أن تلك التي زادت مرتبطة بالمواد الأولية المستوردة من الخارج، بينما تشدد على أن أسعار السلع المحلية مستقرة.
السولار والمصفاة
ودأبت الحكومة منذ بدأ سعر السولار والبنزين في الارتفاع إلى مستوى مقلق، على التأكيد أن ذلك يُعزى إلى السوق الدولية، ما دام المغرب مستورداً خالصاً للمحروقات.
وكان الفاعلون في النقل الطرقي قد عبّروا عن ضيقهم بأسعار السولار في السوق المحلية، التي وصلت إلى مستوى غير مسبوق، حيث أضرب بعضهم في الفترة الأخيرة.
وينتظر أن تبدأ الحكومة مباحثات مع الاتحادات الممثلة للنقل الطرقي للسلع والمسافرين، من أجل الوصول إلى صيغة تمكن من تخفيف تأثيرات السولار في تكلفة النقل.
ودعا رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، الوزارات المعنية إلى فتح حوار مع مهنيي النقل، بهدف إعانتهم، من أجل التحكم في تكاليف النقل بعد ارتفاع أسعار السولار، بما لا ينعكس على القدرة الشرائية للأسر.
غير أن الحسين اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول والغاز، ومنسق الجبهة الوطنية للدفاع عن مصفاة "سامير" المتوقفة منذ سبع سنوات، يعتبر أنه لو تمّ الحفاظ على المصفاة، لما بلغت أسعار المحروقات المستويات الحالية، حيث كانت تلك التي تهمّ السولار ستقلّ بنحو 1.20 درهم.
وأكد اليماني في تصريحات إعلامية أنه كان يجب على الحكومة التجاوب مع المطالب الرامية إلى "العودة الطبيعية لتكرير وتخزين النفط بالمصفاة المغربية، ومن جهة أخرى إعادة تنظيم أسعار المحروقات وتوفير الاحتياطات الضرورية والحد من الأسعار الفاحشة".
الطماطم والقمح
وتصدرت الطماطم في الفترة الأخيرة زيادات الخضر والفواكه، حيث شغلت الأسر وأقلقت الحكومة، وخاصة مع اقتراب شهر رمضان، الذي يرتفع فيه الطلب.
وعندما طُرحت مسألة ارتفاع أسعار الطماطم في السوق في الفترة الأخيرة، أجاب الناطق الرسمي باسم الحكومة، بأنه استغرب بلوغ أسعار الطماطم المستوى الحالي، رغم وفرة الإنتاج الذي يراه كافياً، مؤكداً أنّ المنطق يفترض ألا ترتفع في هذه الفترة، عازياً ذلك إلى التصدير الكبير الذي بلغ 1.5 يورو للكيلوغرام.
غير أن الناطق باسم الحكومة، اعتبر أن أسعار الطماطم تتضاعف بين مدينة إنزكان الواقعة جنوبيّ المملكة، والدار البيضاء والرباط الواقعتين في شمالها، محملاً المسؤولية للوسطاء، وهم أشخاص جرت العادة على تحميلهم مسؤولية الزيادة في أسعار بعض المواد في السوق.
ويتصور مهنيون أن ارتفاع الصادرات لا يبرر الزيادات التي تعرفها الأسعار في السوق المحلية، معتبرين أن المستويات الحالية للأسعار لها علاقة بجيش الوسطاء الذين يتدخلون من أجل المضاربة.
من جانبه، يرى محمد العربي، نائب الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، أن السوق غير منظمة كفاية من أجل الحيلولة دون الممارسات التي تخلّ بقانون حرية الأسعار والمنافسة، مشيراً إلى أنه كان يفترض تبني نظام يسهل تزويد المستهلكين بالسلع، بما يخفف من الزيادات.
وشدد لـ"العربي الجديد" على أنه يفترض في السلطات الحيلولة دون الاتفاقات الضمنية والصريحة حول الأسعار والسوق، سواء بين المنتجين والموردين، حتى يجري تفادي الزيادات الفاحشة في الأسعار.
ويرى محمد الهاكش، الخبير في القطاع الزراعي، أن حالة القمح دالة على عدم التركيز على السيادة الغذائية، حيث اتجهت السياسة الفلاحية نحو تشجيع التصدير، على حساب ما يشكل الطلب اليومي للأسر، الذي يتمحور حول الخبز والزيوت واللحوم.
وأكد لـ"العربي الجديد" أنه رغم زيادة الإنتاج عبر السياسة الفلاحية، إلا أن الأزمات التي تعرفها السوق الدولة والجفاف محلياً، تفضح ضعف المخزون من السلع الأساسية المنتجة محلياً، ما يدفع إلى الاستيراد، وبالتالي ارتفاع الأسعار محلياً.
(الدولار= 9.74 دراهم)