تتسع دائرة الإضرابات العمالية المطالبة بزيادة الأجور وتحسين الأوضاع المعيشية المتدهورة، لكن ليس في الدول الفقيرة فحسب، بل امتدت هذه الموجة في الآونة الأخيرة، لتشمل الاقتصادات الكبرى، من الولايات المتحدة إلى أوروبا وآسيا. فما الجديد على هذا الصعيد؟
الإضراب التاريخي الذي بدأه قبل أيام، عمال قطاع السيارات في الولايات المتحدة يرى مراقبون أنه يحدث حالة من عدم اليقين، في ظل غياب التأثير المادي الفوري على مجموعات السيارات "الثلاث الكبرى" وعدم تجاوب إداراتها، وهي "جنرال موتورز" و"فورد" و"ستيلانتيس"، مع تصريحات علنية من كلا الطرفَين تُظهر أنهما لا يزالان متباعدَين في المواقف.
ومساء الاثنين الفائت، حددت نقابة "عمال السيارات المتحدين" مهلة حتى الجمعة المقبل للشركات لإحراز تقدم ملموس في المحادثات. وقال رئيسها شون فين: "إذا لم نحرز تقدماً جدياً بحلول ظهر الجمعة في 22 سبتمبر/أيلول، ستدعو النقابة مزيداً من العمال للانضمام إلى الإضراب".
مطالب عمال شركات السيارات الأميركية تشمل زيادة الأجور 40% للسنوات الأربع المقبلة، إلا أن الإدارات تعرض حالياً زيادة نسبتها 20% فقط
ولفت فين عبر قناة "إم إس أن بي سي" يوم الاثنين، إلى أن الطرفَين ما زالا "متباعدَين"، فيما يقول مراقبون إن الإضراب قد يستمر لأسابيع أو أكثر، ويعود ذلك جزئياً إلى أن التكاليف التي تكبدها الطرفان لا تزال محدودة.
وأدى الإضراب الذي بدأته نقابة "عمال السيارات المتحدين" إلى توقف الإنتاج في مصنع واحد فقط في كل شركة، ولا يزال نطاقه محدوداً. لذلك، فإن تكتيك الإضراب الموجه "لا يمارس ضغطاً فورياً محسوساً على أي من الشركات، لكنه يخلق حالة من عدم اليقين"، حسبما يرى الأستاذ في كلية العلاقات الصناعية والعمالية في جامعة كورنيل، هاري كاتز الذي يعتقد أن الإضراب قد يستمر 6 أو 8 أسابيع أو حتى أكثر، وفقاً لما نقلت عنه وكالة "فرانس برس".
وتُنتج المصانع الثلاثة التي توقفت عن الإنتاج بفعل الإضراب شاحنات متوسطة الحجم تدر أرباحاً للشركات، لكن التوقف عن إنتاجها لا يلحق بالشركات حتى الآن أقصى قدر من الخسائر الممكنة، لذلك لا يزال التأثير محدوداً.
وسيتراوح تأثير تراجع المبيعات بين 41 مليون دولار و64 مليون دولار في الأرباح التشغيلية الأسبوعية، وفق مذكرة من "دويتشه بنك"، علماً أن الإضراب يشارك فيه نحو 12700 من 150 ألف عامل تقريباً تمثلهم النقابة.
وفي الوقت الذي تنفق الحكومة مليارات الدولارات في الولايات المتحدة، لتسريع الانتقال إلى المركبات الكهربائية وتحفيز مزيد من مصنعي هذه السيارات على إقامة مصانع لهم داخل البلاد، تضغط النقابة من خلال الإضرابات لتؤكد أن العمال - وليس الشركات فقط - يشعرون أيضاً بفائدة من تلك الأموال الفيدرالية.
وترى شبكة "سي إن بي سي" الأميركية أن مثل هذه الإضرابات يمكن أن يكون لها تأثير ضار على الاقتصاد الأميركي بصورة لم يشهدها منذ عقود، كما أوردت وكالة "قنا" التي أوضحت أن مطالب العمال تشمل زيادة الأجور 40% للسنوات الأربع المقبلة، إلا أن شركات السيارات تعرض حالياً زيادة نسبتها 20% فقط.
كما تشمل المطالب مخصصات لصغار الموظفين لتقليص الفجوة بينهم وبين أولئك الأكثر خبرة والذين يتلقون حاليا نحو 32 دولاراً في الساعة.
المملكة المتحدة
وفي لندن، حذر رؤساء مستشفيات الأربعاء، من مخاطر الإضراب الأخير للأطباء على سلامة المرضى مع توقف الاستشاريين والمبتدئين عن العمل بشكل متزامن لأول مرة في إنكلترا. ووصل الأطباء إلى طريق مسدود مع الحكومة بشأن المطالب المرتبطة بالأجور في ظل أكبر أزمة مرتبطة بتكاليف المعيشة منذ جيل.
وأدت الإضرابات للاحتجاج على ثقل أعباء العمل وزيادات الأجور التي لا تواكب حجم التضخم إلى تأجيل آلاف المواعيد والعمليات الجراحية لتفاقم الضغط على هيئة الخدمات الصحية الوطنية الحكومية NHS التي ما زالت تعاني من تداعيات كورونا، حسبما أوردت "فرانس برس".
وسبق للاستشاريين والأطباء المبتدئين أن أضربوا في السابق لكن في أوقات مختلفة ما سمح لهم بأن يغطوا مكان بعضهم البعض. وقال الرئيس التنفيذي لاتحاد هيئة الخدمات الصحية الوطنية التي تمثل منظمات NHS ماثيو تيلر إن "إضراب الاستشاريين والأطباء المبتدئين في الوقت ذاته هو سيناريو مروع لطالما تخوف منه كبار المسؤولين في قطاع الصحة".
يطالب الاستشاريون البريطانيون برفع أجورهم بما يتجاوز التضخم هذا العام، علماً أن معدل التضخم ناهز 11% في إبريل/نيسان، بينما طلب الأطباء المبتدئون زيادة نسبتها 35%
وذكر تيلر أن الإضراب يمكن أن يتسبب بإلغاء 100 ألف عملية جراحية وموعد، ليصبح المجموع "أكثر من مليون بكثير" منذ بدء سلسلة الإضرابات. وقال: "سيكون القادة استخدموا بذلك كل وسيلة متاحة للتخفيف من أثر هذا الإضراب، لكن تعرض سلامة المرضى إلى الخطر أمر لا مفر منه"، مشيرا إلى أن مستوى الخطر حاليا "يعد الأعلى الذي شهدناه منذ مدة طويلة".
وبدأ الاستشاريون إضرابا لمدة يومين الثلاثاء وانضم إليهم الأطباء المبتدئون في إضراب مدته 3 أيام اعتبارا من الأربعاء. ومن المقرر أن تنظم المزيد من الإضرابات المشتركة في أكتوبر/تشرين الأول. ويطالب الاستشاريون برفع أجورهم بما يتجاوز التضخم هذا العام علما بأن معدل التضخم بلغ حوالى 11% في إبريل/نيسان، بينما طلب الأطباء المبتدئون زيادة نسبتها 35%.
وأفاد الطبيب المضرب أرجان سينغ "فرانس برس" بأن الحكومة تتحمل المسؤولية "لرفضها التفاوض معنا بحسن نية. كل ما نطلبه هو أن يتم دفع 20 جنيها إسترلينيا (31 دولارا أو 29 يورو) في الساعة.. لشخص سيبدأ علاج أحبائنا بشكل ينقذ حياتهم".
وبينما رأت الطبيبة المتقاعدة لوريتا ماكهيو أنهم "يستحقون المزيد من المال"، حذرت "هذه ليست الطريقة المثلى للتحقيق ذلك. إنهم يخسرون ثقة الناس".
وطلب رئيس الوزراء ريشي سوناك من الأطباء إلغاء الإضرابات وحذر من أن الحكومة ستتوقف عن التفاوض على زيادة المعاشات. وأفاد بأن الحكومة قبلت توصيات من هيئات مستقلة لمراجعة عمليات الدفع بزيادة الأجور بما بين 5 و7% في القطاع العام.
وتُعد الإضرابات السادسة للأطباء المبتدئين منذ مارس/آذار. وأما الاستشاريون، فأضربوا 3 مرات منذ يوليو/تموز. وأضرب العاملون في قطاعات عدة في المملكة المتحدة مؤخرا بينهم سائقو القطارات والمحامون في ظل ارتفاع معدل التضخم الذي تسبب بزيادات كبيرة في أسعار المواد الغذائية والسكن وغير ذلك. وأضرب الممرضون والمسعفون قبل أن يقبلوا أخيرا بزيادة نسبتها 5% في مايو/أيار.
فرنسا
وفي باريس، دعت نقابات تمثل العاملين في متاجر شركة آبل في فرنسا إلى تنظيم إضراب يومي الجمعة والسبت وذلك قبيل طرح آيفون 15 للبيع، للمطالبة بتحسين الأجور وظروف العمل، حسبما أوردت "رويترز".
وقالت نقابة عمال الاتحاد العام للعمل- متاجر تجزئة آبل (سي.جي.تي آبل ريتيل) في بيان لجبهة النقابات على منصة التواصل الاجتماعي "إكس"، اليوم الأربعاء: "بعد قرار الإدارة تجاهل مطالبنا ومخاوفنا المشروعة بالكامل، تدعو النقابات الأربع (الممثلة للعاملين في) آبل ريتيل في فرنسا.. إلى تنظيم إضراب يومي 22 و23 سبتمبر/أيلول".
ودعت النقابات أيضا إلى التظاهر صباح يوم الجمعة أمام أوبرا باريس غارنييه قرب أحد المتاجر الرئيسية لآبل في باريس. وتعرضت شركة آبل الأسبوع الماضي لصدمة بعد أن أصدرت الحكومة الفرنسية قرارا بتعليق بيع آيفون-12 بعد إجراء اختبارات قالت إنها كشفت عن تخطيه لمستويات الإشعاع المسموح بها.
أستراليا
وسبق ذلك في أستراليا إعلان مصنع للغاز الطبيعي المسال تابع لشركة "شيفرون" انقطاع الإنتاج الخميس الفائت، مع تصعيد العمال لإضرابهم ضد المنشأة التي توفر أكثر من 5% من إمدادات الغاز الطبيعي المسال في العالم.
وقالت شركة الطاقة الأميركية العملاقة في بيان إنها تعمل على استئناف الإنتاج الكامل في منشأتها في ويتستون: "بعد تعثر أثر على نحو 25% من إنتاج الغاز الطبيعي المسال".
ويُنتج مصنعا ويتستون وغورغون التابعان لشركة "شيفرون" في ولاية أستراليا الغربية أكثر من 5% من إمدادات الغاز الطبيعي المسال العالمية، فيما لم تربط الشركة تعطل الإنتاج بالتصعيد الذي حدث الخميس في الإضرابات التي حدثت في المصنعين.
وكان نحو 500 عامل في المصنعين التابعين لشيفرون قد بدأوا إضرابات محدودة منذ 8 سبتمبر/أيلول بسبب خلاف حول الأجور وظروف العمل، بحسب "أسوشييتد برس".
كوريا الجنوبية
وفي كوريا الجنوبية، بدأ عمال السكك الحديدية إضراباً عاماً لمدة 4 أيام بدءاً من اليوم، بما سيؤدي إلى خفض خدمات قطارات الركاب والبضائع بنسبة تصل إلى 60%، فيما تطالب نقابة عمال السكك الحديدية الكورية، بظروف عمل أفضل وتوسيع خدمات القطارات فائقة السرعة "كيه تي إكس".
ومن المتوقع أن يستمر الإضراب حتى الاثنين القادم، وهو الأول من نوعه منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2019، بينما تخطط شركة كوريا للسكك الحديدية المشغلة الوطنية للسكك الحديدية لتقليل عمليات قطارات الركاب، بما يشمل خدمات كيه تي إكس وقطارات الشحن بنحو 20 إلى 60%، في أعقاب الإضراب، بحسب "قنا".
وتطالب النقابة بظروف عمل أفضل، مثل التنفيذ الكامل لنظام نوبتين وأربعة فرق، الذي وافقت الشركة على تقديمه، لضمان عدم عمل عمال السكك الحديدية في النوبة الليلية لمدة يومين متتاليين.