مطالبة برفع تجميد أموال الليبيين في تونس

26 مايو 2021
البلدان يسعيان إلى رفع المبادلات التجارية إلى ملياري دولار (ياسين قائدي/الأناضول)
+ الخط -

جاء مطلب رفع التجميد عن حسابات الليبيين المجمدة في تونس كشرط أساسي من حكومة عبد الحميد الدبيبة لبناء مستقبل اقتصادي مشترك، في وقت تحوّلت الجارة الجنوبية لتونس إلى ساحة سباق واسعة للشركات التي تسعى للمشاركة في إعمار البلد المنهك من الحرب والتوتر الأمني الذي دام نحو عشر سنوات.
ووضعت حكومة ليبيا ملف رفع التجميد عن أموال مواطنيها في تونس واستعادة حساباتهم على رأس جدول أعمال الزيارة الرسمية لرئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي إلى طرابلس، على رأس وفد رفيع المستوى، السبت الماضي، التي دامت يومين.
وطلب رئيس الحكومة الليبية، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره التونسي، استعادة الليبيين لحساباتهم المالية في تونس ومناقشة رفع التجميد عن الحسابات المالية المرصودة في بنوك تونسية. ودعا الدبيبة نظيره التونسي "للتدخل لصالح عدد من مواطنيه الذين حجزت أموالهم في فترة عدم الاستقرار وهجرتهم لتونس ومعاناتهم". وقال الدبيبة إنّه يتعيّن على الحكومتين تسهيل حركة انسياب الأشخاص والسلع وحركة الأموال، وإنّ التجار الليبيين لا يحتاجون دائماً إلى الاعتمادات المستندية لتسيير تجارتهم.
ورغم أنّ السلطات المالية الرسمية لا تكشف عن حجم الحسابات الليبية المجمدة والأصول المودعة في البنوك، إلّا أنّ لجنة التحاليل المالية في البنك المركزي أعلنت منذ عام 2016، أنّ الساحة المالية التونسية شبه غارقة في التدفقات المالية المتأتية من ليبيا عبر اعتمادات مستندية مفتعلة. وجاء في الدراسة التي أنجزتها لجنة التحاليل المالية حول مخرجات التحليل الاستراتيجي للوضع المالي التونسي - الليبي حينها، أنّ التدفّقات المالية المتأتّية من ليبيا عبر اعتمادات مستندية مفتعلة للتغطية على عمليات معقّدة ومركّبة الهدف منها المضاربة وتبييض الأموال.

وقال الخبير المالي التونسي خالد النوري إنّه لا يوجد جرد رسمي للحسابات الليبية المجمدة في تونس أو الأموال الليبية المحجوزة، مؤكداً أنّ قيمة هذه الأموال غير محددة. وبيّن النوري في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ أغلب الحسابات الليبية المجمدة أو المحجوزة بمقتضى قرار قضائي أو جمركي تم رصدها من قبل المصارف التونسية التي كانت مكلفة من قبل البنك المركزي بتعقّب الحسابات المشبوهة وتحويل الأموال غير المؤيدة باعتمادات مستندية، مؤكداً أنّ البنوك التونسية لم تكن شفافة بالقدر الكافي في التعامل مع هذا الملف.
وأفاد الخبير المالي، في السياق نفسه، بأنّ طفرة تحويل الأموال الليبية نحو تونس جرت في الفترة المتراوحة بين عامي 2014 و2015، وهو ما ساهم بشكل واضح حينها في ارتفاع موجودات البنك المركزي من العملة الصعبة، غير أنّ إدراج تونس ضمن البلدان المتهمة بتبييض الأموال، جعل البلاد تواجه ضغوطاً من قبل المؤسسات الأجنبية المراقبة. وفسّر النوري أنّ أغلب الأموال المجمدة كانت موجهة لأنشطة تجارية عبر نظام المقاصة الذي كان معتمداً قبل 2011 واستمر لما بعد ثورة البلدين، غير أنّه تم التضييق على هذا النشاط بسبب مخاوف من تحوّل تونس إلى مغسلة للأموال الليبية. وأضاف أنّ البنوك التونسية كانت تحيل إلى لجنة التحاليل المالية التصاريح بالشبهات، وهو ما يقتضي تجميد الحسابات وإحالتها إلى القضاء المالي تطبيقا لبنود قانون الصرف التونسي.

وقال رئيس مجلس الأعمال التونسي الليبي عبد الحفيظ السكروفي إنّ عودة العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين تقتضي إزالة كلّ العراقيل بما في ذلك المتعلقة بحركة الأموال بين البلدين، مشدداً على ضرورة رفع القيود على حركة الأموال للأنشطة التجارية التي تتم عبر الحدود البرية. وأضاف في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ تسهيل المبادلات التجارية يتطلب إلغاء العمل بالاعتمادات المستندية من الجانبين لاستعادة مستويات التبادل التجاري إلى ما قبل 2010 وتطويرها.
والاعتماد المستندي هو إجراء أساسي لتنفيذ عمليات التجارة الدولية، وهو بمثابة رسالة تعهّد صادرة عن البنك فاتح الاعتماد بناء على طلب أحد زبائنه المستوردين يتعهّد فيه البنك بدفع مبلغ أو قبول سحوبات لصالح المستفيد.
ويسيّر الليبيون عملياتهم التجارية في الغالب عبر البنوك ذات رأس المال المشترك التونسي الليبي أو البنوك غير المقيمة، ومنها مصرف شمال أفريقيا الدولي، والبنك التونسي الليبي. وفي تصريح لـ"العربي الجديد"، قال المسؤول بإدارة الاعتمادات بمصرف شمال أفريقيا الدولي (مصرف ليبي غير مقيم ينشط في تونس)، إنّ فتح الاعتمادات المستندية لشركات ليبية غير مقيمة في تونس كانت تطرح إشكالاً منذ عام 2016 باعتبار أنّ المركزي التونسي لا يسمح إلا باعتماد الدينار التونسي، مؤكداً أنّ الشركات التي ليست لها حسابات بالدينار كانت تواجه صعوبات في إجراء التحويلات وخلاص المزودين، ما تسبب في تراجع كبير في العمليات التجارية.
وتتطلع سلطات البلدين إلى الارتقاء بالمبادلات التجارية إلى ملياري دولار سنوياً على المدى القريب، من خلال تكثيف التعاون بين الغرف الاقتصادية المشتركة والرفع التام للقيود.

المساهمون