مضاعفة الأجور في سورية... ترحيب بتحسين المعيشة ومخاوف من التضخم

19 ديسمبر 2024
بائع خضار في أحد أسواق دمشق، 16 ديسمبر 2024 (عمرو عبد الله دلش/رويترز)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أعلنت الحكومة السورية الانتقالية عن زيادة مرتقبة في الأجور بنسبة 400%، مما يهدف إلى تحريك الأسواق وتسريع عجلة الاقتصاد، وسط تأكيدات بوجود سيولة كافية لدفع الرواتب.
- تثار مخاوف من تأثير زيادة الأجور على التضخم وارتفاع الأسعار، مما قد يفاقم من مشكلة التضخم ويؤدي إلى تآكل القوة الشرائية، مع دعوات لدعم القطاع الخاص وتثبيت سعر الصرف.
- يرى الخبراء أن تحسين الوضع المعيشي يتطلب خفض الأسعار ودعم القطاعات الاقتصادية، مع ضرورة اتخاذ إجراءات لضبط التضخم ودعم سعر الصرف لتحقيق استقرار اقتصادي مستدام.

 

لم يلق خبر من الترحيب والانتشار في أوساط السوريين، بعد خبر إسقاط نظام بشار الأسد، مثل التحضير لزيادة الأجور والرواتب بنسبة 400%، والذي جاء تالياً لتأكيد وزير الاقتصاد في الحكومة السورية الانتقالية، باسل عبدالعزيز، الالتزام بدفع الرواتب في موعدها للشهر المقبل، بعد طمأنته السوريين بوجود كتلة مالية تكفي الرواتب.
وبعد الترحيب وفرحة السوريين بالزيادة المرتقبة، ثارت جملة من الأسئلة، تمحورت حول أثر تلك الزيادة على دخل السوريين ونقلهم من تحت خط الفقر، بعد أن تعدّت نسبته 90% في زمن الرئيس المخلوع بشار الأسد، ودور تلك الزيادة في تحريك الأسواق وتسريع عجلة الاقتصاد.
ولم تبتعد التساؤلات عن هواجس أو مخاوف أثر الزيادة الكبيرة للرواتب على التضخم في سورية، والتي تضاعفت بين عامي 2011 و2023 نحو 161 مرة، فضلا عن مخاوف تطرقت إلى أثر التضخم في إعاقة تحسّن سعر صرف الليرة الذي سجلته العملة السورية خلال الأيام العشرة بعد التحرير وهروب بشار الأسد.

ترحيب من الشارع

يقول العامل في قطاع الكهرباء، أحمد علاوي (52 عاماً) من دمشق، إن ارتفاع الأسعار وقلة الدخل، حوّلا أكثر من 95% من السوريين إلى فقراء، إن قارنّا بين الدخل والإنفاق، فأقل تكلفة معيشة الأسرة لا تقل عن 12 مليون ليرة، في حين أن الأجور بمعدل 300 ألف، داعيا إلى زيادة الأجور بسرعة، ليعود الأمل والكفاية للسوريين.
ومن مدينة حلب، أكدت المعلمة نجلاء بكور على ضرورة رفع الأجور لما يوازي ارتفاع الأسعار، ولو على مراحل، لأن دخل المعلمين وقطاع التربية والتعليم العالي بشكل عام، لا يكفي لمصاريف 10 أيام.

ولم يبتعد العامل في مرفأ اللاذقية منذر حسون عن سابقيه، مشيراً إلى توقّف رواتب معظم عمال المرفأ وتسريح كثيرين خلال السنوات الماضية، معتبراً أن عودة الموظفين، كما أعلنت القيادة الجديدة، أمر مهم، كما أن الزيادة ضرورة ملحّة.

ومن مدينة إدلب، يلفت العامل السابق في معمل الغزل والنسيج، إبراهيم محمد، إلى أمر وصفه بالمهم، وهو تسريح العمالة التي سرّحها نظام الأسد بتهمة تأييد الثورة، فهو لم يتقاض أجرا منذ 10 سنوات بعد التسريح التعسفي، متسائلاً عن مصير المسرّحين وإمكانية منحهم تعويضات ورواتب السنين السابقة وإعادتهم للعمل.
ومن دير الزور، يشير العامل السابق في القطاع الثقافي أحمد المرهش إلى ما خلّفته سنين الإفقار والحرمان التي اعتمدها نظام الأسد على السوريين لكبت حرياتهم وتأديبهم على الثورة، متمنياً أن تكون الزيادة سريعة "والأهم عدم توقف الرواتب ومنحها أول الشهر المقبل".

زيادة الأجور 400%

بعد ما رمى وزير الاقتصاد في الحكومة الانتقالية، سامر عبدالعزيز قنبلة زيادة الأجور 400%، عاد وفنّد خطة سورية الجديدة تجاه الأجور والمعيشة والموارد، بل وألمح إلى هوية سورية الاقتصادية المقبلة والنهج الذي ستتبعه، بعد أنماط مختلطة مرت على سورية، من تحوّل اشتراكي واقتصاد تشاركي ومن ثم اقتصاد سوق اجتماعي.

ويقول عبدالعزيز إن لدى الحكومة "ما يكفي من سيولة" لتوزيع الرواتب في وقتها الشهر المقبل، لكن الزيادة الكبيرة تحتاج إلى دراسة ورأي وزارة المال والموارد، لكنها ممكنة "ملتزمون بزيادة 400%"، مبينا أن أهم موارد الخزينة العامة الآن، تأتي من رسوم المؤسسات وعائدات المعابر الحدودية والموانئ، كما أن حرية العمل الاقتصادي بعد نظام الفساد والإتاوات التي اعتمدها النظام المخلوع، ساهمت في زيادة إيرادات الخزينة التي ستغطي الرواتب والزيادة المقبلة "صحيح تمت سرقة المصارف وبعض موجودات المركزي، ولكن يتم اليوم وضع خطط وإحصاءات دقيقة لتقدير العجوزات وموجودات البنك المركزي".

يرى رئيس غرفة الملاحة البحرية السابق، عبدالقادر صبرا، أن النهج الجديد مبشر ويبعث على الأمل، معتبراً أن لقاءات وزير الاقتصاد عبدالعزيز مع قطاع الأعمال وغرف التجارة والصناعة في المدن السورية، نهج احترافي للمشاركة في صياغة القرارات الاقتصادية، وإحساس التجار والصناعيين بأنهم معنيون بصنع القرار ولا يملى عليهم من فوق، كما كان يفعل الرئيس المخلوع.
ويضيف صبرا، خلال تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، أن زيادة الأجور مطلب شعبي عام، سواء للموظفين أو التجار أو حتى للاقتصاد السوري برمّته، لأن ضخ السيولة في السوق ستحرك الأعمال والآلات وبالتالي التصدير، ومن هنا يبدأ الاقتصاد بالتعافي ويبدأ المحافظة على ما تبقى من عمالة أو استمالة المهاجرين للعودة إلى أعمالهم. وما يقال أو سيقال عن آثار سلبية "أعتقد أن حكومة البشير في صورة تلك التداعيات، ولابد أنها تتحوط ولديها حلول".

معضلة القطاع الخاص في سورية

بدوره، يفرّق رجل الأعمال ونائب رئيس غرفة صناعة وتجارة اللاذقية السابق، فاروق جود، بين عمالة القطاع العام التي عادة ما تُستهدف بزيادة الأجور، وهي محقة ومحتاجة بلاشك، لأن تكاليف المعيشة أكثر من عشرين ضعف دخلها. لكن القطاع الخاص، برأيه، عانى من نزيف كبير وهجرة للكفاءات والمتخصصين، وكان تردّي الدخل أحد أهم أسباب الهجرة "لم يكن لدينا كصناعيين القدرة والدخل الكافي لنرفع الرواتب إلى مستوى الإنفاق".
وأوصى بضرورة رفع أجور عمالة القطاع الخاص، بما يحقق الكفاية والاستقرار "ولكن لا يتم فرضه على القطاع الخاص بنسبة محددة، إذ لكل قطاع وعمل ظروفه وأسبابه التي يقدّرها بالرفع".

ويشير جود، خلال تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، إلى أن زيادة الأجور مطلب لقطاع الأعمال أيضاً، إذ بذلك تزيد الحركة الشرائية وتصريف الإنتاج وزيادته، وبالتالي تدوير رأس المال وتحسين الصادرات، منبها إلى ضرورة دعم وتثبيت سعر الصرف، كي لا يتم أكل زيادة الأجور من خلال ارتفاع التضخم، وقتها لن تحقق الحكومة هدفها من قرار رفع الأجور، بل سيعود الفقر والتضخم وتخسر تعافي سعر الليرة.
وبالنسبة لقطاع العقارات والبناء الذي يعاني من ركود، يرى رجل الأعمال محمد فؤاد أن زيادة الأجور "أكثر من ضرورة"، ليس لتحريك القطاع فقط، بل لكفاية السوريين وبقاء العمالة واستعادة المهاجرين بدول الجوار.
ويضيف فؤاد لـ"العربي الجديد" أن الفترة المقبلة ستشهد نشاطا وحراكا، خاصة في قطاع البناء وإعادة الإعمار، ما يتطلب عمالة ماهرة ومتخصصة في جميع القطاعات، حكومية وخاصة، والأجور اليوم لا تغري أي عامل بالعمل أو حتى البقاء في سورية، لافتاً إلى هجرة ونزوح نصف السكان خلال سنوات الثورة "معظمهم من فئة الشباب والمهرة" والحل في تأمين مناخ عمل ملائم وأجور كافية للبدء بترجمة أحلام الحكومة على الأرض.

تحسين المعيشة

يعتقد المستشار الاقتصادي السوري أسامة القاضي أن الحل يتمثل في تحسين واقع معيشة السوريين، ينطلق من خفض الأسعار وضبطها، أكثر من رفع الرواتب والأجور، منبها إلى أن رفع أجور القطاع الحكومي يطاول ثلث عدد العمال في البلاد، لكن الزيادة في الأجور سترفع الأسعار وتطاول جميع السوريين، فرفع الأجور عادة يترافق مع استغلال أصحاب الأعمال والتجار لفائض السيولة ويرفعون الأسعار، ما يعني زيادة التضخم، وبالتالي أكل الزيادة على من تقاضاها ويلحق الأذى المضاعف لمن ليس لديه راتب.

وحول توقعه كتلة الرواتب والأجور الحالية وحجم الأموال اللازمة للزيادة الكبيرة المتوقعة، يضيف القاضي لـ"العربي الجديد" أن تقديرات الأجور اليوم بنحو 3 تريليونات ليرة سورية، ما يعني، في حال الزيادة، تحتاج الحكومة إلى 12 تريليون ليرة، وبصرف النظر هل هي متوفرة أو يمكن تأمينها؟ فقط ضخها في السوق سيؤثر سلباً على التضخم والأسعار ويخلّ بتوازن المعروض النقدي، ما يعيق تحسن سعر الصرف.
بدوره، يرى المتخصص في النقد محمد غزال أن الرواتب قليلة ومتواضعة، قياساً بحجم الإنفاق ومتطلبات المعيشة، ولكن كانت هناك أشكال دعم عينية، خلال النظام المخلوع، هي محدودة وقليلة لكنها تؤخذ في الاعتبار.
ويتوقع الاقتصادي السوري أن يكون التمويل للزيادة، جلّه من الخارج، لأن التوجه الإقليمي والدولي يسعى لإنجاح الحكومة واستقرار سورية، لافتاً إلى أن البلاد أيام حكم الأسدين، الأب والابن، لم يكن فيها سياسة نقدية مستقلة.

المساهمون