مضاربات "الهواة" تصل إلى المتاجر الإلكترونية وأسواق المجوهرات بعد استهداف "وول ستريت"
لم تقف حالة الهياج التي تسيطر على أسواق الأسهم الأميركية والمعادن الثمينة عند أعتاب "وول ستريت" وبورصات المعادن خلال الأيام القليلة الماضية، بل انتقلت إلى المتاجر الإلكترونية وحتى أسواق بيع الذهب والفضة في أسواق شهيرة، منها إمارة دبي، التي بدت أقل بهجة بالصعود التاريخي التي سجلته أسعار المعادن النفيسة.
وامتد هوس المضاربات إلى الأصول المادية، بعد أن بدأ الزحف على يد جيش من "المستثمرين الهواة" في سوق المال الأميركية مستهدفا أكبر صناديق التحوط في الولايات المتحدة والعالم، عبر موجات شراء جماعية للأسهم الضعيفة التي راهنت الصناديق على هبوط أسعارها، بينما دفع الشراء المحموم لهذه الأسهم قيمتها إلى مستويات قياسية تكبدت معه الصناديق خسائر فادحة.
وفي ظل المضاربات على الفضة وأسهم شركاتها، غرقت مواقع بيع الفضة بالتجزئة في طلبات شراء السبائك والعملات المصنوعة من المعدن، وفق تقرير لوكالة بلومبيرغ الأميركية.
وذكرت مواقع مثل "موني ميتالز" و"جي إم بوليون" و"إس دي بوليون"، و"أبميكس"، و"ولمارت" لمنتجات المعادن الثمينة في أميركا الشمالية، أنها كانت غير قادرة على معالجة طلبات الشراء خلال عطلة نهاية الأسبوع وحتى فتحت الأسواق الآسيوية بسبب الطلب غير المسبوق.
وقفزت أسعار العقود الآجلة للفضة في جلسة، الاثنين الماضي، بأكثر من 8%، لتستكمل رحلة الصعود التي اجتاحت تداولات الفضة في الأسبوع الماضي وتصل إلى ذروة 8 سنوات، بعد أن كسرت الأسعار حاجز 30 دولاراً للأوقية (الأونصة)، قبل أن تهدأ الأسعار قليلاً أمس الثلاثاء، وتدور في نطاق 28.6 دولاراً للأوقية.
وقال تايلر وول، رئيس وكبير المديرين التنفيذيين في شركة "إس دي بوليون"، في مقابلة مع تلفزيون بلومبيرغ: "بيعت جميع كميات الفضة المادية تقريباً من المخزون القائم، والسعر الذي يجرى دفعه في العقود الفورية للحصول على الفضة الحقيقية المادية في ارتفاع صاروخي".
وأضاف :"غالبية المنتجات في موقعنا أعلى بـ30% من السعر الفوري، ولا يمكننا الحصول عليه بسعر أقل بكثير مما هو عليه الآن من تجار الجملة الذين نتعامل معهم".
وبدأت المضاربات المحمومة على الفضة، بعد أن دعت منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، الأسبوع الماضي، المستثمرين الأفراد لإغراق السوق، على غرار ما حدث مع أسهم نشطة في وول ستريت، منها "غيم ستوب" لبيع ألعاب الفيديو و"بلاك بيري" للهواتف الذكية و"إيه.إم.سي إنترتينمنت" المشغلة لدور السينما، ما أدى إلى قفزات حادة في قيمتها وتعليق لاحق للتعامل فيها.
وقال روبرت هيغينز، كبير المديرين التنفيذيين في مؤسسة "أرجينت أسيت غروب" في مدينة ويلمينغتون بولاية كارولاينا الشمالية في الولايات المتحدة، إنه كان يتداول عبر الهاتف، طوال يوم الأحد الماضي، مع أشخاص لشراء الذهب أو الفضة، مضيفا أن "سوق الفضة المادي يمر بمرحلة ضغط الآن، ولا أعرف سبب هذا، فقد تهدأ الأمور أو ينفجر السوق".
واندفع تجار التجزئة، مستمدين الإلهام من منشورات منصة "ريديت" للتداول الإلكتروني، إلى سوق الفضة، وتمكنوا بنجاح من رفع أسعار المعدن في الأسواق المالية، وكذلك العقود والصناديق التي يتم تداولها في البورصة على مدار الأيام الأخيرة، إذ ارتفعت جميع الأسعار الفورية، والعقود الآجلة للفضة على منصة "كومكس"، وقفزت عقود "آي شيرز سيلفر تراست"، أضخم صندوق للفضة يتم التداول به في البورصة، أكثر من 5% في الأسبوع الأخير.
ومن المتوقع أن ترتفع الأسعار بسرعة، وفقاً لمنصة "أبميكس" للتداول، التي قالت إنها ترى زيادات كبيرة في التكاليف، وحذرت من أنها ستحتاج غالباً إلى يوم أو اثنين إضافيين لتلبية الطلبات. فيوم السبت فحسب، أضافت العديد من الزبائن الجدد الذين تحتاج عادة إلى أسبوع لإضافتهم إلى منصتها.
وارتفعت العلاوات على عملات النسر الأميركي الفضية حوالي 5 دولارات من مستواها العادي عند دولارين خلال الأيام الثلاثة الماضية، وفقاً لإيفريت ميلمان في "غاينزفيل كوينز" في فلوريدا، في حين أضيفت ملاحظة على موقع الشركه الإلكتروني، تقول إن تلبية الطلبات تحتاج لوقت أطول من المتوقع.
وقال ميلمان لبلومبيرغ : "هذا بالتأكيد يحفز مزيداً من الناس، وليس القفز إلى العربة مع مناصري ريديت فقط، بل إنه يعزز التحيز نحو الاحتفاظ بالفضة المادية كاستثمار أفضل مقارنة بالمضاربة في سوق المال".
ويبدو أن أسواق الأسهم والسلع تشهد خلخلة جديدة، لكن هذه المرة على يد جيش من المستثمرين الأفراد الذين ظلوا لسنوات مهمشين في مواجهة المؤسسات المالية العملاقة وصناديق التحوط المتغولة في عالم المال. وانطلقت غارات الاستثمار هذه من منصات على غرار "ريديت" في الولايات المتحدة، ووصلت إلى ذروتها خلال الفترة من 26 إلى 29 يناير/كانون الثاني الماضي.
وقال بيتر توماس، نائب الرئيس الأول في "زانير غروب" من شيكاغو: "نحن لا نرى شيئاً الآن، ولا عرضاً واحداً، وهو أمر مخيف. مهما كان ما نبيعه، فإن الناس يحتفظون به، وليس هناك تدفق وارد للمعدن على الإطلاق".
وانتشرت هذه الطفرة في الطلب إلى آسيا أيضاً. وقال غريغور غريغيرسين، مؤسس شركة تداول الفضة "بوليون" التي يقع مقرها في سنغافورة: "شهدنا طلباً غير مسبوق على الفضة المادية، وهو واسع النطاق وعميق، كما شهدنا عدداً قياسياً من الطلبات إلى جانب حجم قياسي جديد لها".
وفي هذه الأثناء، رفعت بورصة شيكاغو التجارية هامش الوقاية للعقود الآجلة للفضة كومكس 5000 بنسبة 17.9%، وفق وكالة رويترز، أمس. وقال كايل رودا، محلل السوق لدى مؤسسة "آي.جي ماركت"، إن تحركات البورصة لزيادة هوامش تداول الفضة وتثبيط سلوك المضاربة المرتفع في السوق حفزت بعض عمليات جني الأرباح.
والهوامش عبارة عن ودائع تفرضها البورصات للحد من مخاطر التخلف عن السداد أثناء تداول المستثمرين في أسواق العقود الآجلة. ويتم رفعها عادة في أوقات تقلب الأسعار.
ومع استفادة متعاملين كبار في الفضة من ارتفاع الأسعار، بدا أصحاب المتاجر في أسواق التجزئة، ومنها سوق الذهب في دبي، أقل بهجة، إذ يتعين على التجار في السوق، الذين يبيعون الكثير من الفضة والألماس والبلاتين بالإضافة إلى الذهب، دفع المزيد للحصول على مجوهراتهم الفضية والسبائك من تجار الجملة.
وقد أجبرت هذه التطورات التجار على تحديد أسعارهم الخاصة، وهو ما يخيف العملاء، فيما الأعمال بطيئة بالأساس بفعل تداعيات جائحة فيروس كورونا الجديد، التي خفضت عدد السياح الذين يتدفقون إلى البازار، أحد أكبر أسواق المعادن التقليدية في الشرق الأوسط.
وقال تاجر في السوق لوكالة بلومبيرغ: "هذا جنوني للغاية، يطلب العملاء معرفة السعر ثم يلغون طلباتهم، الأمر يصبح فظيعاً حقاً". ورسمت المقابلات مع أكثر من 20 بائع فضة في السوق، كثير منهم مهاجرون من الهند وباكستان وأفغانستان، صورة قاتمة بنفس القدر، مشيرين إلى أنهم يتمنون أن ينتهي جنون المضاربة قريباً.
ويرى محللون أن المضاربات في السلع الثمينة والأسهم قد تستمر على المدى المتوسط، في ظل عدم وجود مؤشرات حول تعافي الاقتصادات العالمية من تداعيات جائحة كورونا، في حين تواصل الحكومات والبنوك المركزية سياسات التحفيز للحيلولة دون وقوع أزمات أكثر عمقاً.
وانكمش الاقتصاد الأوروبي بنحو 6.8% خلال عام 2020، وفقاً لبيانات صادرة أمس الثلاثاء عن وكالة إحصاءات الاتحاد الأوروبي يوروستات، حيث تأثرت الشركات بموجات إغلاق متكررة بسبب انتشار الوباء.
وسلطت إحصاءات النمو الضوء على عام متقلب من البيانات الاقتصادية الغريبة، حيث انكمش الاقتصاد بنسبة 0.7% في الربع الأخير من العام الماضي، بينما انكمش بنسبة 11.7% في الربع الثاني، وهو الأعلى منذ بدء الإحصائيات في عام 1995، تلاه انتعاش بلغ 12.4٪ في الربع الثالث في أواخر الصيف.
وأدت موجة الشتاء إلى فرض قيود جديدة على السفر والأعمال والنشاط، لكن الشركات في بعض القطاعات، مثل التصنيع، كانت أكثر قدرة على التكيف من شركات الخدمات مثل، الفنادق والمطاعم.