مصر وفخ الأموال الساخنة... هل تعلمتم الدرس حقاً؟

28 يوليو 2024
وزير المالية المصري السابق محمد معيط (العربي الجديد)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **مخاطر الأموال الساخنة**: تشكل الأموال الساخنة خطراً على الاقتصاد المصري، حيث يمكن أن تؤدي إلى صدمات قوية عند خروجها المفاجئ، مما يسبب أزمات في السوق المحلية وتهاوي العملة وضغوط تضخمية، كما حدث بعد حرب أوكرانيا في 2022.

- **العودة إلى صندوق النقد الدولي**: نتيجة للأزمات، اضطرت مصر للعودة إلى صندوق النقد الدولي وبيع أصول الدولة، حيث أكد وزير المالية في يونيو 2022 على ضرورة تجنب الاعتماد على الأموال الساخنة مستقبلاً.

- **استمرار الاعتماد على الأموال الساخنة**: رغم التحذيرات، عادت الأموال الساخنة لتتدفق على مصر بعد تعويم الجنيه في مارس، مما يشكل ضغطاً على الموازنة العامة ويضع الاقتصاد في خطر دائم.

المتغطي بأرصدة الأموال الساخنة عريان حتى لو تدفقت مليارات الدولارات عليه من كل حدب وصوب، فمخاطر تلك الأموال أكبر كثيراً من نفعها، ولذا تتعامل معها معظم الدول بحذر شديد وكأنها ورم سرطاني، وتضع كل أدوات التحوط لتفادي مخاطرها الشديدة والكارثية، ذلك لأن خروجها من الدولة فجأة يشكل صدمة قوية للاقتصاد ويؤزم أنشطته ويخرب السوق ويربك العملة المحلية، بل ويتسبب في تهاويها، وهو ما حدث في مصر عقب اندلاع حرب أوكرانيا في نهاية شهر فبراير/ شباط 2022.

في ذلك الوقت، خرجت من مصر أموال ساخنة قدرتها وزارة المالية ساعتها بنحو 22 مليار دولار، في حين قدرتها مصادر أخرى بأكبر من هذا الرقم، نظراً للهزات العنيفة التي أعقبت هروبها المفاجئ وانسحابها الصادم. وما إن خرجت تلك الأموال المستثمرة في أدوات الدين الحكومية، مثل السندات وأذون الخزانة، حتى انفرطت حبات السبحة الضعيفة التي كانت تجمعها، لتبدأ السلطات المصرية بعدها خطوات تعويم العملة المحلية ثلاث مرات خلال سنوات قليلة بسبب ندرة النقد الأجنبي والطلب الدولاري المتزايد من قبل مستثمري تلك الأموال من بنوك وصناديق الاستثمار العالمية، كما عانت الأسواق المحلية ضغوطاً تضخمية غير مسبوقة، وقفزات في الأسعار، وعودة قوية لسوق العملة السوداء، وعجز ضخم في أصول البنوك الدولارية تجاوز 27 مليار دولار.

ودفعت كل تلك المظاهر السلبية وغيرها السلطات إلى العودة مجدداً إلى صندوق النقد الدولي وغيره من الدائنين لاغتراف مزيد من الأموال والقروض بشروط مجحفة ومذلة ومهددة للأمن الاقتصادي القومي. كما دفعتها إلى بيع مزيد من أصول الدولة كما جرى مع صفقة رأس الحكمة التي تم بيعها للإمارات مقابل 35 مليار دولار.

بعدها في يونيو/ حزيران 2022، خرج وزير المالية حينئذ محمد معيط قائلاً بصوت الواثق: "لقد تعلمنا الدرس"، بل ويؤكد خلال لقائه بغرفة التجارة المصرية الأميركية: "الدرس الذي تعلمناه أنه لا يمكن الاعتماد على الأموال الساخنة، لأنها تأتي من أجل العائد الكبير فقط.. مصر يجب أن تتعلم الدرس في ما يخص الأموال الساخنة من ثلاث مرات متتالية في 2018 و2020 و2022، لا يجب أن تعتمد الدولة على تلك الأموال، إذا جاءت مجدداً فليست لدينا مشكلة"، بل يشدد على أن الدولة وضعت استراتيجية تنص على عدم الاعتماد على هذا النوع من الأموال مرة أخرى.

لكن للأسف عادت ريما لعادتها القديمة، وعادت تلك الأموال الساخنة لتتدفق على مصر عقب تعويم الجنيه في شهر مارس/ آذار الماضي، وبحسب بيانات البنك المركزي المصري، فقد وصلت استثمارات الأجانب في أذون الخزانة المصرية إلى 35.39 مليار دولار بنهاية شهر إبريل/ نيسان الماضي، وأظهرت بيانات رسمية ارتفاع تلك الاستثمارات خلال شهر واحد فقط، هو مارس الماضي، بنحو 19.1 مليار دولار، تعادل نحو 1.121 تريليون جنيه بأسعار صرف ذلك الوقت، لتصل إلى 32.7 مليار دولار مقابل 13.6 مليار دولار بنهاية شهر فبراير 2024، بنسبة زيادة بلغت نحو 140.4%.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ولمغازلة تلك الأموال وضمان تدفقها، رفع البنك المركزي المصري سعر الفائدة إلى مستويات قياسية بلغت 6% في مارس الماضي، وهو ما يشكل ضغطاً شديداً على الموازنة العامة وإيرادات الدولة، كما تم السماح بإضعاف الجنيه. ويبدو أن الحكومة لم تتعلم الدرس بعد، والدليل هو الاحتفاء بتلك الأموال من وقت إلى آخر، وحرص السلطات على جذب المزيد منها وتهيئة المناخ لها بمنحها سعر فائدة عالياً جداً، بل وغير مسبوق، فمصر تقدم ثالث أعلى عائد على السندات بالعملة المحلية من بين 23 اقتصاداً نامياً وفق تقارير دولية.

والنتيجة وضع الاقتصاد والعملة والمواطن في فوهة مدفع يمكن أن تنطلق منه رصاصات التعويم والهزات المالية والأزمات الاقتصادية في أي لحظة، معلنة موجة جديدة من تهاوي قيمة العملة المحلية، وحدوث إرباكات وهزات داخل أنشطة الاقتصاد قد تستمر سنوات طويلة. فهل يعي متخذو القرارات وصناع السياسات الدرس ويتوخون الحذر من تلك الأموال السرطانية، ولا يعتمدون عليها بشكل مفرط في دعم استقرار سوق الصرف وزيادة الاحتياطيات الأجنبية وتغطية عجز الأصول الأجنبية لدى القطاع المصرفي؟

المساهمون