منذ نهاية عام 2016 وعلى مدى السنوات الخمس الماضية نشبت علاقة وطيدة وقوية بين الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي أثمرت عن منح الصندوق قروضاً لمصر تجاوزت 20 مليار دولار، وهو مبلغ قلما منحه الصندوق لدولة، باستثناء القرض الضخم الذي منحه للأرجنتين بقيمة 50 مليار دولار في منتصف عام 2018 بهدف إنقاذها من الإفلاس، والذي تعثر في صرفه بعد ذلك بسب خلافات مع حكومات بوينس آيرس.
وطوال السنوات الماضية كانت الحكومة المصرية تنفذ تعليمات الصندوق كاملة، من تعويم الجنيه المصري، وزيادة الضرائب والرسوم، وفرض ضريبة القيمة المضافة لأول مرة، وخفض الدعم الحكومي، وزيادات الأسعار، بما فيها السلع الغذائية، وتقليص عدد العاملين في الجهاز الإداري للدولة، وإلغاء الدعم لبعض السلع وتحرير أسعار أخرى، بما فيها الوقود والكهرباء، وفي المقابل يواصل الصندوق ضخ القروض التي رفعت الدين الخارجي لمصر لأكثر من 140 مليار دولار في غضون سنوات قليلة.
الشعب المصري ذاق الأمرّين وويلات الغلاء والفقر بسبب الشروط المجحفة التي فرضها صندوق النقد على الحكومة منذ نوفمبر 2016
صحيح أنّ الدعم والضمان اللذين قدمتهما دول خليجية، على رأسها السعودية والإمارات، لصندوق النقد لضمان سداد الديون المصرية، ودعم الإدارة الأميركية القوي لمصر في فترة حكم دونالد ترامب دعما العلاقة بين الصندوق والحكومة المصرية وسرّعا من إجراءات منح القروض والموافقة عليها بشكل أذهل الدول والحكومات الأخرى.
لكن في المقابل يجب الإشارة هنا إلى أنّ الشعب المصري ذاق الأمرّين وويلات الغلاء والفقر بسبب الشروط المجحفة التي فرضها صندوق النقد على الحكومة المصرية منذ نوفمبر 2016، وأنّ الحكومة لم ترفض شرطاً واحداً فرضته المؤسسة المالية الدولية، بما فيها الشروط القاسية بحق المواطن والاقتصاد.
وأخطر تلك الشروط التعويم الكامل للجنيه والذي أدى إلى فقدانه نحو 70% من قيمته في نهاية عام 2016، إذ تجاوز الدولار حاجز العشرين جنيهاً، وكذلك رفع سعر رغيف الخبر بشكل غير مباشر عن طريق خفض وزنه ثلاث مرات، وزيادة أسعار المنافع العامة بمعدلات قياسية بلغت 860% للكهرباء، وكذلك زيادة أسعار البنزين والسولار والغاز والمياه والمواصلات العامة.
ومع حصول مصر على آخر شريحة من قرض الصندوق في 21 ديسمبر الماضي، عاد السؤال مجدداً: هل ستدخل الحكومة المصرية في اتفاق جديد مع الصندوق يتيح لها الحصول على قروض جديدة تضاف إلى القروض القائمة؟
هل ستدخل الحكومة المصرية في اتفاق جديد مع الصندوق يتيح لها الحصول على قروض جديدة تضاف إلى القروض القائمة؟
وإذا حدث ذلك، ما الأعباء الجديدة التي سيتحملها المواطن المصري جراء هذا الاتفاق الذي سيحمل كالعادة أسماً براقاً هو "برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي"؟
هل سيتم تحرير سعر رغيف الخبز وغاز الطهي مثلاً، هل سيتم إلغاء مجانية التعليم والصحة، هل سيتم التعجيل بتحرير أسعار الكهرباء والمياه، وهل سيتم التوسع في سياسة بيع أصول الدولة، بما فيها الشركات الاستراتيجية مثل البنوك العامة؟
وهل سيتم الاستمرار في سياسة فتح باب الاقتراض الخارجي على مصراعيه كما جرى في السنوات الأخيرة؟
لا أتحدث هنا عن سياسات زيادات الضرائب والرسوم الحكومية وأسعار الوقود والمياه والسلع الغذائية والتموينية وغيرها، فالحكومة ماضية في تطبيقها ومنذ سنوات، سواء تم إبرام اتفاق جديد مع الصندوق أم لا...
لكن، لماذا تحتاج الحكومة المصرية إلى صندوق النقد في هذا التوقيت بالذات؟
ولما لا تستطيع الاستغناء عن خدماته وأمواله وشهاداته الإيجابية رغم الدواء المر الذي يتجرعه الشعب المصري بسبب أي اتفاق يتم ابرامه مع تلك المؤسسة المالية التي أفقرت المصريين وأذلتهم وعقدت أحوالهم المعيشية، ورهنت القرار الاقتصادي والمالي المصري بالخارج خاصة للقابعين في مبني زجاجي فخيم بالعاصمة الأميركية واشنطن.
الأسباب كثيرة، ولنا عودة للنقاش.