مصر وديون كورونا

06 يناير 2021
الاقتصاد المصري يئن تحت موجة كورونا والغلاء
+ الخط -

خلال عام الجائحة، وبحجة تعويض المواطنين المتضررين من تبعاتها، اتفقت مصر على اقتراض مبالغ ضخمة، أذكر منها ما يقرب من ثمانية مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، وخمسة مليارات أخرى من خلال إصدار سندات على ثلاث شرائح في الأسواق الدولية، ونحو سبعمائة وخمسين مليون دولار في صورة سندات خضراء، وملياري دولار دبرتها بنوك إماراتية، بالإضافة إلى مليار دولار من البنك الدولي، وآخر من مؤسسات مالية دولية

ورغم أن الحكومة المصرية لم تكن وحدها في التوسع في الاستدانة، إذ حذا حذوها العديد من الحكومات، وفي مقدمتها حكومات الاقتصادات الكبرى حول العالم، إلا أن الفارق كان واضحاً في حجم ما تم إنفاقه بالفعل لمساعدة المواطنين المتضررين من تبعات الجائحة، بعد أوامر الإغلاق التي استهدفت الحد من انتشار الفيروس، وتسببت في توقف الكثير من الأنشطة، وكان لها تبعات شديدة السلبية على ملايين المواطنين، وبصفة خاصة من العاملين في الاقتصاد غير الرسمي.

وفي حين تشير بعض التقديرات إلى أنه يمثل أكثر من 60% من إجمالي الاقتصاد، قدر اتحاد الصناعات المصرية في عام 2019 نسبة الاقتصاد غير الرسمي بنحو 50% من إجمالي الاقتصاد المصري.

وفي الوقت الذي لاحظ فيه الجميع قلة المبالغ المخصصة للرعاية الصحية ولتعويض المواطنين الذين تراجعت دخولهم، مقارنة بما تم اقتراضه خلال الفترة الماضية، وتحديداً بعد انتهاء الربع الأول من العام، حين تأكد ظهور وانتشار الوباء في مصر، كان هناك توجه واضح نحو شراء المزيد من الأسلحة من بعض الدول الأوروبية، ومنها على سبيل المثال سفينتان قتاليتان من إيطاليا بقيمة 1.4 مليار دولار، بالإضافة إلى ما ذكرته صحيفة لاريبوبليكا الإيطالية، من فرقاطات ولانشات صواريخ ومقاتلات متعددة المهام وطائرات للقتال الخفيف وقمر للاستطلاع والتصوير الراداري، في صفقة قد تبلغ قيمتها الإجمالية أكثر من 11 مليار دولار.

 

ولم تكن إيطاليا هي الوحيدة المستفيدة من صفقات السلاح المصرية، إذ ذكرت تقارير صحافية أن القاهرة وقعت صفقة لشراء 20 طائرة من روسيا بقيمة 11.2 مليار دولار، وأخرى لشراء فرقاطة وطائرات بقيمة 9 مليارات دولار من فرنسا، وصفقات سلاح مع الولايات المتحدة بقيمة تقترب من 2.9 مليار دولار، ومع ألمانيا بقيمة 5 مليارات دولار لشراء فرقاطة ومعدات بحرية.

ورغم خطورة الديون الخارجية، التي أراها مدمرة لاقتصادات الدول التي تتوسع فيها مع غياب استراتيجية محددة لسدادها أو إيقاف تضخمها، أرى أنه لا ينبغي أن نغفل الديون الداخلية، التي توسعت فيها الدولة المصرية خلال العام الماضي أيضاً، لنجد تقديرات الدين العام الإجمالي للبلاد تقترب من 110% من الناتج المحلي الإجمالي، رغم تأكيد صندوق النقد الدولي، المؤيد الأول لاستدانة الحكومات حول العالم، على ضرورة عدم تجاوز ديون الدول النامية نسبة 60% من ناتجها المحلي الإجمالي.

ومرةً أخرى تجدر الإشارة إلى أنه في حين ترتفع النسبة في العديد من الاقتصادات الكبرى، خاصة في أعقاب الجائحة وما تم إنفاقه من تريليونات الدولارات لإنقاذ الاقتصادات المنهارة، لا يمكن تجاهل عدة حقائق تظهر الفارق في خطورة الأمر بين الحالة المصرية والحالة الأوروبية/الأميركية/اليابانية، حيث تقترض تلك الدول بتكلفة تنخفض في أغلب الأحيان عن واحد بالمائة، بينما تتراوح تكلفة النسبة الأكبر من الديون الخارجية المصرية بين 5% - 9%، وتصل في بعض الأحيان إلى 15% في ما يتم اقتراضه بالعملة المحلية، بالإضافة إلى قدرة تلك الدول على توليد إيرادات حكومية بالعملة التي يتم الاقتراض بها، وهو ما يتعذر في كثير من الأحيان في الحالة المصرية، باستثناء ما يتم الاتفاق على مد أجله أو تجديده من القروض المستحقة للسداد.

تاريخياً، كان لارتفاع الدين العام في الدول سمعة سيئة. وفي كتابه "الرحلات الريفية"، الذي بدأه عام 1822 ونشره عام 1830، انتقد الكاتب الإنجليزي ويليام كوبيت حجم الديون التي تكونت لدى بلاده خلال الحروب النابليونية، دافعاً بأن الهدف السياسي لها كان "سحق الحرية في فرنسا وإحباط الإصلاحيين في إنكلترا" إلا أن تأثيرها الرئيسي بعد الحرب كان إعادة توزيع الثروات لصالح الأغنياء من المواطنين.

وقال كوبيت "الدين الوطني، وكل الضرائب والمقامرة المترتبة عليه لها ميل طبيعي لجذب الثروة إلى جماهير كبيرة ... من أجل مصلحة قلة منها". ويضيف الكاتب الثوري أن "الدَين المبارك"، كما كان يسميه، كان "معلقًا حول عنق هذه الأمة كحجر رحى"، واصفا إياه بأنه كان "دوامة" تمتص الأموال من الفقراء لتنقلها إلى نظام بلوتوقراطي جديد، أو نظام تُمسك بزمام السلطة فيه طبقة الأغنياء أو أصحاب الثروات".

الفكرة الأساسية التي حاول الكاتب لفت الأنظار إليها كانت عن حالة ارتفع فيها الدين العام للبلاد، واضطرت الحكومة بسببها لفرض المزيد من الضرائب التي كان أغلبها غير مباشرٍ على الواردات والاستهلاك، وهو ما جعلها صورة من صور الضرائب التنازلية، تصب في صالح الأثرياء وعلى حساب منخفضي ومتوسطي الدخل.

تتكرر الحالة البريطانية في الواقع المصري هذه الأيام، حيث سقط النظام في فخ الديون بدعم أو حيلة من صندوق النقد الدولي، وبسذاجة أو تواطؤ من الحكومة المصرية، لتضطر الأخيرة لفرض الضرائب التي يتحملها من يستحقون المساعدة، ولتقليص الدعم، والتهرب من الاستحقاقات الاجتماعية التي ينص عليها الدستور، بينما تظهر واحدة من أبشع صور الضرائب التنازلية، التي تقل نسبتها الحقيقية مع ارتفاع دخل المواطن.

 

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

لا تقترض الحكومة للتوسع في مشروعات استثمارية، ولكنها تقترض لسد العجز في ميزان المدفوعات ولسداد قيمة ما تستورده من سلاح لا يعرف أحد متى يستخدم، ولو اقترضت للاستثمار، لن تتحسن أوضاع الاقتصاد المصري إلا لو زاد معدل نموه، الذي يدور حالياً حول 5%، عن تكلفة الاقتراض، التي تدور حالياً حول 10%، وهو ما يعني الاقتراب من الانهيار لو استمر الحال على ما هو عليه.

المساهمون