مصر وباكستان على أبواب صندوق النقد من جديد

18 مارس 2024
مصر تواجه كلفة باهظة بسبب اشتراطات صندوق النقد (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الدول التي تلجأ إلى صندوق النقد الدولي تواجه فشلاً في الاستغناء عن الاقتراض وزيادة مخاطر الإفلاس، رغم تطبيق اشتراطات الصندوق الصارمة مثل تخفيض العملة والسيطرة على التضخم.
- باكستان ومصر مثالان على الاعتماد المستمر على قروض الصندوق لمواجهة الضغوط المالية، مع استمرار التحديات في الاستقرار الاقتصادي والتضخم.
- الاستدانة من صندوق النقد لا تضمن التنمية الاقتصادية المستدامة، وقد تؤدي إلى دائرة مفرغة من الديون دون تحقيق تقدم نحو الاستقرار أو النمو الاقتصادي.

تشير التجارب الاقتصادية لمعظم الدول التي لجأت إلى صندوق النقد الدولي إلى الفشل في الاستغناء عن الاقتراض، بل ونلحظ أنها أصبحت أكثر عرضة للإفلاس، على الرغم من التكلفة الاقتصادية الباهظة الناجمة عن التطبيق الصارم لاشتراطات الصندوق وفي مقدمتها تخفيض عملاتها الوطنية وتخفيض الواردات والسيطرة على التضخم وتقليص العجز في الموازنة العامة للدولة، وغيرها من الإجراءات التي لا تزال تمثل روشتة تطبقها الدول التي تذهب مضطرة نحو الصندوق بغية الإفلات من أوضاعها الاقتصادية المتردية.

وبداية نشير إلى أن نشأة الصندوق هدفت لتحقيق التوازن الاقتصادي بعد الحرب العالمية الثانية، ولكنه تحول سريعا نحو علاج الاختلالات النقدية والمالية قصيرة الأجل، ومع مرور الوقت زادت تدخلاته مع اقتصادات الدول النامية، ولم تشر أدبيات الصندوق من بعيد أو من قريب إلى اهتمامها بعمليات التنمية الشاملة وإحداث تغييرات اقتصادية هيكلية متوسطة أو بعيدة المدى، ولذلك فانه من الطبيعي ألا يكترث الصندوق كثيرا بمشكلات الفقر وتوزيع الدخل أو صرخات الجماهير جراء تنفيذ اشتراطاته.

ومؤخراً، هناك ملاحظة جلية تتمثل في انفتاح الصندوق على تقديم عدة قروض لمجموعة من الدول طالما تعنت معها كثيرا خلال العامين الماضيين، بل جاهر كبار مسؤوليه بالحديث عن تخلف تلك الدول عن الالتزام بتنفيذ اشتراطات الصندوق، وبلغ الأمر أن أوقف الصندوق استمرار تدفق دفعات قروض تم الاتفاق عليها فعليا، بل وسدد الصندوق دفعة أو أكثر من دفعاتها.

إسلام أباد تطلب 6 مليارات جديدة

يوم 23 فبراير/شباط الماضي نقلت وكالة بلومبيرغ الأميركية عن مسؤول باكستاني قوله إن بلاده تعتزم طلب قرض جديد من صندوق النقد الدولي بقيمة 6 مليارات دولار على الأقل.

ووفق المسؤول، يهدف القرض الجديد لمساعدة الحكومة القادمة على سداد ديون قديمة للصندوق، فيما من المتوقع أن تبدأ المحادثات مع الصندوق خلال مارس/آذار أو أبريل/نيسان.

وفي يوليو/ تموز من العام الماضي أقر مجلس صندوق النقد الدولي تقديم حزمة إنقاذ بمبلغ 3 مليارات دولار لباكستان، وتسلمت دفعة أولية منها بمبلغ 1.2 مليار دولار، على أن يدفع المبلغ المتبقي خلال الأشهر التسعة المقبلة، بمعني أنه كان من المفترض أن تكون باكستان تسلمت 1.8 مليار دولار تمثل بقية القرض المتفق عليه بحلول شهر مارس الجاري تقريباً، وهو الأمر الذي يم يحدث.

وفى منتصف يناير/كانون الثاني الماضي وافق مجلس إدارة الصندوق على الإفراج عن نحو 700 مليون دولار لباكستان، ليصل مجموع ما أفرج عنه من مبالغ بموجب الاتفاق إلى 1.9 مليار دولار فقط بحسب ما ذكره صندوق النقد في بيان.

الأمر الذي يعني استمرار تلكؤ الصندوق كل تلك الفترة الماضية في الإفراج عن شرائح القرض عبر مراجعات مطولة على الرغم من إقرار الصندوق في بداية البرنامج حاجة الاقتصاد الباكستاني الماسة للقرض خاصة في ظل تآكل احتياطي النقد الأجنبي للبلاد الذي لم يعد يكفي إلا لتغطية واردات شهر واحد فقط.

وفي الحقيقة أن هذا التلكؤ في الدفع، علاوة على كونه يبدو غريبا ،إلا أنه يدفع إلى القراءة المتأنية لحيثيات الإفراج عن الدفعة المتأخرة حيث قالت نائبة المدير العام للصندوق أنطوانيت مونسيو ساييه في بيان إن باكستان أحرزت تقدما في إطار البرنامج، الأمر الذي ساهم كثيرا في استقرار الاقتصاد وسوق الصرف إثر صدمات كبيرة.

وأضافت "تتوافر راهنا مؤشرات إلى ازدياد النشاط وتراجع في الضغوط الخارجية"، وأن الوضع المالي تعزز مع تحسن الاحتياطي الخارجي ومعدل فائدة "مستقر عموما".

ويبدو حديث الصندوق في هذا الصدد متناقضا إلى حد كبير، فمعدل النمو في باكستان المتوقع أقل من 2% فقط عن العام الحالي، ولا يزال معدل التضخم مرتفعا حيث بلغ 29.7% خلال سنة عند نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي بحسب مكتب الإحصاءات في البلاد، وعلى الرغم من توقع صندوق النقد لانخفاض التضخم فإن تطبيق تعليمات الصندوق أدت إلى حدوث زيادات حادة في أسعار الطاقة، ومن المنطقي أن تتشارك مع الضعف المستمر للروبية الباكستانية في الإبقاء على الضغوط التضخمية مرتفعة.

باختصار فإن توقف الصندوق عن الالتزام باتفاقه ثم عودته للدفع مرة أخري لا علاقة له تقريبا بالأوضاع الاقتصادية، وربما يعود في الأساس إلى أدوار سياسية، ويؤكد ذلك ما نشر مؤخرا عن اقتراب الاتفاق على قرض جديد بقيمة 6 مليارات دولار.

عموما يمكن القول إنه من المؤكد أن قروض الصندوق لم ولن توفر تنمية اقتصادية حقيقية يمكن من خلالها انطلاق الاقتصاد الباكستاني نحو آفاق أكثر استدامة، كما أنها لن تكون المرة الأخيرة التي تقف باكستان فيها على أبواب الصندوق للاقتراض.

زيادة القرض الممنوح لمصر

حصلت مصر على 3 قروض من صندوق النقد خلال الفترة 2016-2021، ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2016، تمت الموافقة على قرض بقيمة 12 مليار دولار، يصرف على شرائح تمتد لست سنوات.

كذلك، حصلت على حزمة تمويلية مع بدء جائحة كورونا بقيمة 8 مليارات دولار، منها 2.8 مليار من خلال أداة التمويل السريع، كدفعة واحدة، ولحقتها الحزمة الثانية في يونيو/حزيران 2020، كما حصلت مصر على قرض بقيمة 5.2 مليارات دولار، ضمن برنامج اتفاق الاستعداد الائتماني، على مدار 12 شهرا عبر 3 شرائح.

كما يعود تاريخ الاتفاق على البرنامج المتعثر بين مصر وصندوق النقد إلى نهاية ديسمبر 2022، حيث وافق الأخير على تقديم 3 مليارات دولار لمصر التي تتعرض لضغوط مالية قوية، في حين يُجري 8 مراجعات لبرامجها الإصلاحية، الأولى كانت مقررة في مارس/آذار 2023، لكنها لم تتم، وبناء عليه لم تتسلم مصر الدفعتين الثانية والثالثة من القرض حتى الآن.

وقبل أيام أعلنت الحكومة المصرية عن توقيع اتفاق جديد مع الصندوق تم بموجبه الحصول على قرض بقيمة 8 مليارات دولار، بزيادة 5 مليارات عما جرى الاتفاق عليه في ديسمبر 2022 وهو 3 مليارات دولار.

إضافة إلى قرض آخر بقيمة 1.2 مليار دولار من صندوق الاستدامة البيئية التابع لصندوق النقد الدولي، ليصبح المجموع الكلي نحو 9 مليارات دولار

وتم توقيع الاتفاق عقب خفض الحكومة المصرية قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، حيث ارتفع سعره من نحو 30.85 جنيها إلى أكثر من 50 جنيها، في إطار تبني البنك المركزي المصري سعر صرف أكثر مرونة استجابة لبرنامج دعم صندوق النقد الدولي.

وبالطبع يثور سؤال حول الأسباب التي دفعت الصندوق لطرح مبادرة مساندة النظام المصري الآن، وهو الممتنع عنها طيلة عامين خانقين لنفس النظام.

ومن المنطقي هنا أن يتبادر للذهن أسئلة حول سر تحركات قوى إقليمية ودولية أخرى منها الاتحاد الأوروبي لدعم الاقتصاد المصري وضخ سيولة دولارية في هذا التوقيت منها اتفاق ضخ 35 مليار دولار من الإمارات كثمن لبيع مساحة شاسعة من الأراضي المصرية هي رأس الحكمة تحت ستار الاستثمار السياحي، توازيا تقريبا مع القرض الجديد من الصندوق والذي استغرق الاتفاق عليه عدة أشهر سابقة.

الأمر الذي يرجح أن الاتفاق مع الصندوق سابق للاتفاق مع الإمارات، وهو الأمر الذي يرجح أن العوامل السياسية كان لها الوزن الأكثر ترجيحا في موافقة الصندوق.

القروض لا تصنع تنمية

يصبح هذا التحليل أكثر معقولية إذا أضيفت إليه الحالة الباكستانية السابق الإشارة اليها، وكذلك المساندة السريعة للأردن بقرض جديد بقيمة 1.2 مليار دولار اتفق عليه بنهاية يناير الماضي، وكلها دول كان من الممكن أن تقوم بدور كبير في تقديم المساندة للشعب الفلسطيني.

تقوم مساندات الصندوق على حلحلة مشاكل اقتصادية بلغت ذروتها، ويعتبر اختيار الضرورة بالنسبة للدول التي تضطر للجوء إليه خاصة بما تشكله اشتراطاته من ضغوط شديدة على معظم فئات المجتمع، وعلى الرغم من ذلك تسوّق معظم الدول المقترضة لشعوبها أن برامجها مع الصندوق ستخلق إصلاحا اقتصاديا وتنمية اقتصادية مستدامة.

والحقيقة أن التنمية الاقتصادية لا تتوقف فقط على عامل التمويل الذي يقدمه الصندوق، ولكنها ترتبط بحزم من العوامل والمتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، قد يتعلق جزء منها بالفواعل المحلية، ولكن نسبة أخرى لا يستهان بها تتعلق بفواعل إقليمية ودولية، ولذلك لا بد من الاعتراف بأن الدول التي أدمنت الاستدانة من أية جهة ليست في طريقها نحو التنمية، وأن إقبال الصندوق على إقراضها مؤخرا له مآرب أخرى.

المساهمون