مصر... غلاء الأدوية يهدّد حياة المرضى

04 يونيو 2024
صيدلية في العاصمة القاهرة (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- البلاد تواجه أزمة حادة في نقص الأدوية تصل إلى 60% من الأصناف و80% من الكميات المطلوبة، مؤثرة بشكل كبير على المرضى خاصة ذوي الأمراض المزمنة وتشمل طعوم الأطفال وأدوية ضرورية أخرى.
- أسباب الأزمة تعود لتراجع قيمة الجنيه، زيادة تكاليف الإنتاج، وضغوط على شركات الأدوية لزيادة الأسعار، بينما تخشى الحكومة من تأثيرات زيادة الأسعار على التضخم والعبء المالي على المواطنين.
- استمرار المفاوضات بين الحكومة وشركات الأدوية دون حلول جذرية يؤدي لاستمرار الأزمة وتوقعات بأن تطول لشهرين إضافيين، مما يدفع بعض الشركات للانسحاب أو التوجه للتصدير ويزيد الضغوط على الفئات الضعيفة.

أحال غلاء الأدوية حياة المرضى إلى جحيم، إذ تختفي من الصيدليات ويتعطل إنتاجها بالشركات المحلية، وتتوقف الواردات. تسحق الأزمة المصابين بالأمراض المزمنة، الذين يبحثون دون جدوى عن الدواء، غير القادرين على تدبيره من المستشفيات الحكومية والخاصة أو الصيدليات التابعة للدولة والمنتشرة بأنحاء البلاد، في ظاهرة لم تشهدها البلاد من قبل.

وحسب عاملين في القطاع، بلغت نسبة الأدوية الناقصة نحو 60% من الأصناف المختلفة ونحو 80% من الكميات المطلوبة للصيدليات شهرياً، خلال الأسبوعين الماضيين، ولم تعد قاصرة على الأمراض المنتشرة كالكبد والسكر والقلب والأورام والمخ والأعصاب، لتشمل طعوم الأطفال خارج جدول التطعيم الرسمي، وغيرها.

في جولة لـ"العربي الجديد"، اعترف صيادلة بعدم قدرتهم الحصول على حصتهم الشهرية من الأدوية من الشركات، مؤكدين أن الأزمة تتسبب لهم في مشاكل هائلة مع المشترين والمرضى، الذين يعتقدون أن الصيادلة يمتنعون عن البيع أملاً في الحصول على سعر أعلى، مع إعلان الحكومة أنها تدرس طلب المصانع بزيادة الأسعار.



غلاء الأدوية واختفاء أصناف منها


قال صيادلة لـ"العربي الجديد"، إن اختفاء الأدوية لم يعد قاصراً على أرفف الصيدليات بل شمل مخازن التوزيع والشركات المنتجة التي لجأت إلى تخفيض الإنتاج أو وقفه تماما. أكد مدير لصيدليات شهيرة لديها مئات الفروع بالمدن الكبرى أن أسماء الأدوية الناقصة تربو على 1200، منها أدوية السكر ميكستارد المحلي ونوفا روم المستورد، وجميع البدائل.

موقف
التحديثات الحية

يأتي حليب الأطفال على قائمة المنتجات الطبية المحلية والأجنبية الناقصة بكافة الصيدليات، وتنتشر في السوق الموازية لبيع الدواء بأسعار خيالية، مع عبوات الفيتامينات ومنشطات الذاكرة لمقاومة الزهايمر وأمراض الشيخوخة.

يؤكد خبير التمويل والاستثمار وائل النحاس أن أزمة الدواء ستظل رهينة إعادة تسعير مستلزمات التصنيع والمنتجات الدوائية وفقا للمتغيرات التي أحدثها التراجع بقيمة الجنيه خلال الفترة ما بين 2023 و2024، والتي شهدت تثبيتاً لأسعار الأدوية المنتجة والمستوردة رسمياً.

أوضح النحاس أن شركات الأدوية تطالب بأن يسعر الدواء وفقا للتغيرات التي طرأت على سعر الجنيه الذي شهد تراجعا بنحو 40% خلال العام الجاري، و30% عام 2023، بالإضافة إلى ما تحملته الشركات من زيادة في أسعار الطاقة والوقود والنقل والتشغيل والأجور، وهو ما يعني مضاعفة الأسعار عما هو مطبق حالياً.

وقال النحاس إن الحكومة أصبحت عالقة بين ضرورة السماح لشركات الأدوية بزيادة الأسعار لاستعادة الزخم في عمليات التصنيع، ومراهنتها على عنصر الوقت كي تتمكن الأسواق من امتصاص الزيادة في معدلات التضخم وتقليل نفقات التشغيل بما يمكّن من تخفيض النسبة النهائية المتوقعة في سعر الدواء.



أزمة غلاء الأدوية


يتوقع الخبراء أن تستمر أزمة نقص الأدوية لشهرين مقبلين على الأقل، بينما تنتقل طوابير انتظار الحصول على الأدوية وبدائلها من أمام منافذ التوزيع الحكومية بوسط القاهرة إلى كافة الصيدليات. تطول فترة الانتظار، بينما تدفع هيئة الدواء إلى تكثيف أعمالها الرقابية لإعادة توزيع الأدوية بين الأحياء أسبوعياً وفقاً لحجم الطلب ونوعية الأمراض المنتشرة في كلّ مكان، بما يتطلب جهوداً هائلة وأعداد موظفين بالجهاز الرقابي غير متوافرة حالياً.


أحالت هيئة الأدوية إلى مجلس الوزراء مقترحات تقدمت بها شعبة الأدوية بالغرف التجارية في مارس/ آذار الماضي، لزيادة أسعار الأدوية بما يعادل قيمة التدهور بقيمة الجنيه مقابل الدولار، وبحد أدنى 25% من قيمة الأدوية.

أكد مصدر بالشعبة لـ"العربي الجديد"، أن الطلب العاجل الذي تقدمت به لرفع أسعار الدواء في حدود 50% من القيمة السائدة حالياً لم يبت فيه حتى الآن، مشيراً إلى تلقيهم رداً من هيئة الدواء بأن الطلب محل دراسة ومراجعة فنية من قبل خبراء الهيئة لتحديد نسب الزيادة في مدخلات الإنتاج ومقارنتها بالأسعار السائدة في الدول المناظرة.

يتوقع المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، أن تجري الهيئة مفاوضات مع كل شركة على حدة، لمنحها نسبة زيادة تصل إلى 20% في بعض المنتجات التي يحتاج إليها الجمهور بشدة لحين توصل مجلس الوزراء إلى رؤية شاملة حول تسعير الدواء.
يؤكد المصدر خشية الحكومة من إعلان زيادة أسعار جميع أصناف الأدوية فتحدث حالة من الفزع بين المواطنين وتدفع إلى موجة جديدة من الزيادة المفرطة في أسعار كافة السلع، في وقت تبحث فيه عن خفض معدلات التضخم، وتجهز لرفع أسعار الطاقة والكهرباء والخدمات الحكومية يبدأ تطبيقها في يوليو/ تموز المقبل.

أوضح المصدر أن معظم الشركات المحلية توقفت عن تصنيع أغلب المنتجات المصرح لها بإنتاجها من قبل وزارة الصحة، للحد من الخسائر المتراكمة بسبب زيادة الإنتاج مع ارتفاع كلفة مستلزمات الإنتاج.

امتنعت شركات استيراد الأدوية الحكومية والخاصة عن جلب الأدوية الأجنبية عبر القنوات الرسمية، رغم إتاحة الحكومة الدولار أمام البنوك بالسعر الرسمي خشية تحقيق خسائر جراء تدهور قيمة الجنيه وارتفاع الدولار. يؤكد مستوردون أن هيئة الدواء رفضت السماح للشركات المرخص لها باستيراد الأدوية بزيادة السعر وفقا لسعر الصرف السائد حاليا، رغم خسارة الجنيه نحو 40% من قيمته منذ شهرين أمام العملات الصعبة.

يقول مستوردون إن الجمود السعري الذي تتبعه هيئة الدواء أدى إلى اختفاء معظم الأدوية المستوردة، وما يظهر منها في الأسواق يأتي عبر سلاسل التهريب التي تخصصت في جلب الأدوية من شرق أوروبا ودولة الإمارات، ليتم بيعها للجمهور عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتوزيع المباشر، بأسعار خيالية، بعيدا عن رقابة الأجهزة المختصة.



فشل المفاوضات لرفع أسعار الأدوية


فشلت المفاوضات التي أجراها رئيس غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات جمال الليثي أخيرا في التوصل إلى حلول حاسمة حول طلب الشركات زيادة بنحو 50% بأسعار 1500 دواء بصفة عاجلة، مع إعادة تسعير باقي المنتجات الدوائية التي تأثرت بتراجع الجنيه ثلاث مرات متتالية خلال عامين.

بدأت بعض الشركات الانسحاب من السوق المحلية والتوجه إلى العمل بالسعودية وكينيا، بينما لجأت شركات أخرى إلى التفاوض فرديا مع الحكومة لرفع أسعار بعض منتجاتها لحين إصدار قرار عام بزيادة الأدوية.
طلب عدد من أعضاء لجنة الصحة بمجلس النواب عقد اجتماع عاجل لمناقشة خطة الحكومة وهيئة الدواء المصرية لرفع أسعار الأدوية. ويدرس النواب مقترحات بمنح حوافر للمصنعين مقابل التزامهم بعدم رفع أسعار الدولار.

وفي تصريحات صحافية، يعيد رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب أشرف حاتم غلاء الأدوية واختفاء بعضها إلى التغيير الحاد والمتكرر في سعر الصرف، الذي رفع سعر الدولار مقابل الجنيه من 18 إلى 47 جنيهاً خلال 30 شهراً، مع حاجة المصانع إلى 90% من مستلزمات الإنتاج من الخارج، الأمر الذي رفع كلفة التصنيع.
يشير حاتم إلى أن المصانع المحلية توفر بدائل الأدوية باستخدام مواد فعالة ومستلزمات إنتاج من الخارج، وهو ما يدفع الشركات إلى التوقف عن التصنيع، وبعضها يتجه لإنتاج أدوية بغرض التصدير لضمان تحقيق عائد بالدولار مع حجب إنتاجها عن السوق المحلية خوفاً من الخسائر.
في ظل ارتفاع معدل الفقر الوطني في مصر من 29.7% عام 2020 إلى 32.5% عام 2022، يواجه المواطنون صدمات عدة، آخرها أزمة الدواء. وتزداد الصدمات مع توجه الحكومة إلى تقليص الدعم الحقيقي المخصص للصرف على الصحة والدواء، حيث خصصت 20.8 مليار جنيه فقط للتأمين الصحي والأدوية وعلاج غير القادرين على نفقة الدولة بموازنة 2024-2025، من إجمالي 496 مليار جنيه موجهة بالموازنة العامة لقطاع الرعاية الصحية التي تتحملها الموازنة العامة والقطاعين العام والخاص.

يعيد رئيس لجنة الصحة بمجلس النواب أشرف حاتم ارتفاع أسعار الأدوية واختفاء بعضها إلى التغيير الحاد والمتكرر في سعر الصرف


في تصريح لـ"العربي الجديد"، قال القيادي بحزب التحالف الاشتراكي محمد حسن خليل إن النفقات الموجهة لقطاع الصحة والدواء تراجعت خلال العام المالي المقبل لتصل إلى 1.17% من الناتج المحلي الإجمالي، مبينا أن النفقات على الصحة والدواء في اتجاه متراجع سنوياً، إذ بلغ حجم الإنفاق الفعلي من الموازنة 1.25% عام 2023-2024 و1.4% عام 2022-2023.
يتوقع خليل أن تتجه الحكومة إلى مزيد من خفض المخصصات السنوية للإنفاق على صحة وعلاج المصريين، مدفوعة بتراجع قيمة الجنيه وزيادة معدلات التضخم، وضعف الإيرادات العامة، وتوجهها إلى التخلص من أعباء النفقات بإسناد إدارة المستشفيات العامة للقطاع الخاص، وعدم وضع أولويات المواطن على قائمة اهتماماتها، بخاصة المتعلقة بالتعليم والصحة.
تغيرت أولويات إنفاق الموازنة العامة، التي توجه نحو 60% منها لدفع مستحقات أقساط وفوائد الديون، و20% لأجور ورواتب العاملين بالدولة، بينما تظل الميزانيات المطلوبة للصحة وفقا للدستور غير متاحة، وفقاً لتصريحات رئاسية.

المساهمون