مصر تفقد ثقة المستثمرين في السندات مع ارتفاع تأمين مخاطرها بشدة.. وتحذير من تخلف عن السداد في "المدى المتوسط"
بعد شهرين فقط من إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي، يبدو أن أزمة ديون مصر بدأت تتفاقم مجددا بفعل المخاوف من تخفيض قيمة الجنيه، لتفقد ثقة المستثمرين في سنداتها، التي ارتفع بشدة التأمين على مخاطرها، وفقا لتقرير موسّع نشرته شبكة "بلومبيرغ" الأميركية الخميس.
الشبكة أشارت إلى ارتفاع هامش التأمين على مخاطر التخلف عن سداد السندات المصرية بأكثر من أي سندات أُخرى في جميع أنحاء العالم، باستثناء الإكوادور، الشهر الماضي، مع ظهور بوادر الضيق في سوق السندات مجددا، فيما تُظهر المشتقات مخاطر انخفاض آخر لقيمة الجنيه مستقبلا.
ورأت في ذلك "انتكاسة للاقتصاد البالغ حجمه 470 مليار دولار، والذي بدأ في إيجاد موطئ قدم له بعد اتفاقية مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر/كانون الأول المنصرم، من خلال التخلص جزئيا من عبء تمويل الواردات وجذب تدفقات النقد الأجنبي".
الشكوك دفعت الهوامش على بعض سندات الحكومة طويلة الأجل إلى ما نحو 1000 نقطة أساس (10 نقاط مئوية) فوق سندات الخزانة الأميركية
لكن الشكوك حول تقدم مصر في متابعة مبيعات الأصول والتزامها بسعر صرف أكثر مرونة، دفعت الهوامش على بعض سندات الحكومة طويلة الأجل إلى نحو 1000 نقطة أساس (10 نقاط مئوية) فوق سندات الخزانة الأميركية، أي الحد الأدنى للديون التي يجب اعتبارها متعثرة.
وإضافة إلى الأدلة على قلق المستثمرين، تبلغ تكلفة تأمين ديون البلاد ضد التخلف عن السداد حوالي 1200 نقطة أساس (12 نقطة مئوية)، ارتفاعا من أدنى مستوى في 9 أشهر البالغ 720 نقطة أساس الذي بلغته في يناير/كانون الثاني.
وتأكيدا على الحراجة التي بلغتها الأمور الآن، قال المحلل في شركة "كولومبيا ثريدنيدل" للاستثمارات في لندن، جوردون باورز، إن مصر بحاجة إلى تحقيق مبيعات الأصول واعتماد سعر صرف مرن خلال العامين المقبلين لسد فجوة التمويل الخارجي وتجنب التخلف عن السداد.
كما قال إن "عدم تنفيذ هذه الإصلاحات يزيد بشكل كبير المخاطر متوسطة الأجل التي تتطلب شكلا من أشكال تخفيف الديون، ونعتقد أن مخاطر التخلف عن السداد على المدى القريب محدودة، لكنها على المدى المتوسط غير مؤكدة".
الجنيه المصري ينزلق وفجوة التمويل الخارجي 17 مليار دولار
ويُقدّر صندوق النقد فجوة التمويل الخارجي في مصر بنحو 17 مليار دولار خلال البرنامج الذي يستمر 46 شهرا، ومن المتوقع أن تفتح الصفقة نحو 14 مليار دولار إضافية من شركاء دوليين وإقليميين.
يشير سوق العقود الآجلة غير القابلة للتسليم إلى انزلاق أعمق في الجنيه المصري
وقبل المراجعة الأولى لبرنامج الصندوق، البالغة قيمته 3 مليارات دولار، المقرر إجراؤها هذا الشهر، يشير سوق العقود الآجلة غير القابلة للتسليم إلى انزلاق أعمق في الجنيه المصري. وانخفض العقد لمدة شهر على العملة بنحو 4% منذ نهاية فبراير/شباط إلى 32.7 جنيها للدولار، في حين أن العقد لمدة 12 شهرا يناهز 38 جنيها.
وفقد الجنيه ما يقرب من نصف قيمته بعد 3 تخفيضات العام الماضي، وجرى تداوله بنحو 30.9 جنيها مقابل الدولار أمس الخميس.
وفي السياق، قال الخبير الاقتصادي لدى "بنك أوف أميركا" جان ميشيل صليبا، في تقرير، إن "الوضع الراهن لمصر هش"، وأي تراجع في الإصلاحات المرتبطة بخطة إنقاذ صندوق النقد من المرجح أن يزيد من مخاطر الائتمان حتى لو لم تكن إعادة هيكلة الديون وشيكة.
مبيعات الأصول المصرية تنفيذاً لشروط صندوق النقد
باورز قال إن النقطة المحورية التالية للسندات المصرية ستتمحور حول مبيعات الأصول، وأي تأخير هناك من المقرر أن يعمق الأزمة ويلقي بظلال من الشك على رغبة السلطات في تنفيذ الإصلاحات.
تنتظر دول الخليج المزيد من اليقين بشأن الجنيه وإثبات أن مصر تفي بالتزاماتها لإصلاح الاقتصاد قبل الوفاء بوعودها
وتنتظر دول الخليج المزيد من اليقين بشأن الجنيه وإثبات أن مصر تفي بالتزاماتها لإصلاح الاقتصاد، قبل الوفاء بوعودها بتقديم مليارات الدولارات في شكل استثمارات مهمة.
وقد جمعت مصر 1.5 مليار دولار الشهر الماضي من خلال بيع أول أداة دين إسلامي (صكوك)، التي ارتفع العائد عليها لأجل 3 سنوات إلى 11.9%. وجرى تسعيرها بحيث تحقق 11%، أي أعلى بحوالي 400 نقطة أساس (4 نقاط مئوية) من ديون تركيا ذات الاستحقاق المماثل، التي لها نفس التصنيف الائتماني.
ولدى الدولة حوالي 74 مليار دولار من أصل مدفوعات السندات الدولية والفوائد المستحقة عليها حتى عام 2061، وفقا لبيانات جمعتها "بلومبيرغ"، فيما تُنفق الحكومة ما يقرب من نصف إيراداتها على دفع الفوائد.
لدى الدولة حوالي 74 مليار دولار من أصل مدفوعات السندات الدولية والفوائد المستحقة عليها حتى عام 2061
المستثمر في "فونتوبيل أسيت مانجمنت" في زيورخ التي تمتلك ديون مصر، كارلوس دي سوزا، قال: "ربما في غضون 5 إلى 10 سنوات، نعم، قد تكون هناك مخاوف بشأن إعادة الهيكلة، لكن ليس لأفق استثمار قصير أو متوسط الأجل"، مضيفا: "إنهم بحاجة إلى أن يثبتوا للسوق أن عملية الخصخصة ستحدث حقا بطريقة مهمة من الناحية الاقتصادية الكلية".