إذا كانت وزيرة التعاون الدولي المصرية، سحر نصر، تتفاخر كل يوم بحصول بلادها على قرض دولي جديد، فليس من الغريب إذن أن تقترض مصر خلال الشهور الستة الأخيرة ما لم تقترضه في تاريخها القديم والحديث، وإذا كانت الحكومة تؤمن بأن القروض وليس الإنتاج هو أسرع الحلول للمشاكل الاقتصادية والمالية القائمة، فإنك لا تتعجب إذاً من اقتراضها ما يقرب من 60 مليار دولار خلال العام المالي الجاري فقط.
هذه الأرقام تعني أن دين مصر الخارجي ربما يقفز إلى 100 مليار دولار في القريب العاجل إذا ما تمت إضافة القروض الجديدة له، وهذا الرقم يعادل ضعفي الديون التي كانت مستحقة على البلاد قبل عام 1991، ولولا أن القدر ساق لمصر حرب الخليج الأولى في ذلك الوقت والتي أسفرت عن اسقاط 50% من الدين الخارجي المستحق عليها لدخلت البلاد دائرة الإفلاس المالي كما تم مع دول أخري.
وحتى لا تستغرب ضخامة رقم القروض الجديدة التي حصلت عليها مصر تعالوا نحسبها بالورقة والقلم، فقبل أيام قليلة أقر السيسي اتفاقية تقضي بحصول مصر على قرض من روسيا بقيمة 25 مليار دولار لتمويل إقامة محطة الضبعة النووية، وهذا القرض هو الأكبر في تاريخ البلاد على الاطلاق.
وفي يناير الماضي حصلت مصر على ثلاثة قروض من بنك الشعب الصيني قيمتها 1.8 مليار دولار تم إضافة مليار دولار منه للاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي و800 مليون دولار ذهبت لأكبر بنكين حكوميين هما الأهلي المصري ومصر.
وحصلت مصر نهاية العام الماضي على موافقة البنك الدولي بإقراضها ثلاثة مليارات دولار ضمن قرض ضخم ستحصل عليه البلاد بقيمة ثمانية مليارات دولار على مدى السنوات الخمس القادمة.
وفي ديسمبر 2015 وافق مجلس إدارة بنك التنمية الأفريقي على قرض ميسر لمصر بقيمة 500 مليون دولار في إطار قرض لدعم الموازنة العامة بإجمالي 1.5 مليار دولار على 3 سنوات.
لا يتوقف الأمر عند هذا الحد حيث تتفاوض مصر حاليا مع الإمارات للحصول على قرض مساند بقيمة ملياري دولار تتم إضافته لاحتياطي البنك المركزي، على أن توجه حصيلته بعد ذلك لسداد القروض العاجلة المستحقة على البلاد بداية يوليو القادم بقيمة 1.8 مليار دولار منها مليار دولار لقطر و800 مليون دولار لدول نادي باريس.
الملفت هنا هو أن معظم هذه القروض لن تدخل مصر، وبالتالي لن تضاف لاحتياطي البلاد من النقد الأجنبي، وعلى سبيل المثال فإن القرض السعودي البالغ 23 مليار دولار ستتم إدارته على النحو التالي "الصندوق السعودي للتنمية سيدفع ثمن المواد البترولية التي تشتريها مصر من المملكة لشركة أرامكو السعودية بشكل فوري، على أن يستعيد الصندوق تلك المبالغ من مصر على أقساط، وبالتالي فإن الأموال لن تخرج من السعودية أصلا.
كذلك الحال بالنسبة للقرض الروسي البالغ 25 مليار دولار الذي سيذهب لشركة "روس آتوم" الروسية المنفذة للمحطة النووية بالضبعة، وبالتالي فإن القرض لن يغادر عتبة روسيا.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: إذا كانت موارد البلاد من النقد الأجنبي تتراجع فمن أين يتم سداد كل هذه المديونيات، حتى ولو كانت طويلة الأجل؟ ولماذا تحميل الأجيال القادمة كل هذه الديون في الوقت الذي توجد بدائل للاقتراض؟
وهل من الأفضل للحكومة إعادة تنشيط موارد النقد الأجنبي مثل السياحة والصادرات والاستثمارات الأجنبية وتحويلات المغتربين، أم الاستدانة من الخارج وبأسعار فائدة عالية مقارنة بالأسعار السائدة على القروض في الأسواق الدولية هذه الأيام، خاصة مع تراجع أسعار الفائدة على الدولار؟