مصر: بدائل معيشية رخيصة في زمن الغلاء الفاحش

13 أكتوبر 2022
ارتفاع الأسعار المتواصل يرهق المواطنين (Getty)
+ الخط -

أدي الارتفاع الجنوني في الأسعار وزيادة معدلات التضخم، مع تضاؤل قيمة الدخل، بعد فقد الجنيه ربع قيمته أمام الدولار، خلال 6 أشهر، ومنع استيراد البضائع من الخارج، وزيادة أسعار الوقود والسلع إلى بحث المصريين عن بدائل، توفر لهم حاجاتهم اليومية.
وجهت ميرفت المقيمة بــ"كموند" فاخر أول مدينة 6 أكتوبر (جنوب القاهرة)، رسالة على صفحة "فيسبوك" لسكان الحي الذي تقيم فيه، تعلن عن رغبتها في توصيل أي تلميذة تكون على خط سيرها، في اتجاه عملها بجامعة القاهرة.

حددت ميرفت تكلفة الانتقال من بيوتهن الواقعة غرب العاصمة، على مسافة 20 كيلو مترا من الجامعة، على مدار الشهر بقيمة 1000 جنيه للذهاب ومثلها في العودة. شجعت دعوة ميرفت سيدات أخريات على البحث عن سيدات يعملن في طريق مدارس أولادهن، مع بداية العام الدراسي.
خلال ساعات، انهالت الطلبات على ميرفت فالسعر الذي أعلنته، يوازي تكلفة الانتقال، من مقر اقامتها للجامعة، عبر عدة سيارات للنقل الجماعي، وأقل 70% من التاكسي و"أوبر". وتعتبر الصفقة مربحة للطرفين، فالمنطقة التي تعيش فيها، بها كثير من الطالبات والعاملات، ورغم انتمائهن إلى الطبقة المتوسطة الميسورة، إلا أن غلاء الأسعار، وكثرة حالات التحرش، دفعت الأهالي إلى الإسراع بالحجز للانتقال اليومي معها، وبما يساعدها على توفير نفقات السيارة، التي تحولت إلى عبء ثقيل، على ميزانية الأسر، مع زيادة أسعار الوقود، والرسوم والمضاربة على أسعار قطع الغيار، التي توقف استيرادها من الخارج، منذ مارس الماضي، بتعليمات من البنك المركزي.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

تشرح المهندسة هبة أحمد، أم لطفلين في مرحلة رياض الأطفال بإحدى المدارس الخاصة، كيف أدت الأزمة المالية لدى الجميع للبحث عن بدائل، لا تتوقف عند المأكل والملبس فحسب، بل بكل شيء تحتاجه الأسر. تضيف هبة لـ "العربي الجديد" أن الأزمة المالية دفعت الجميع، إلى البحث عن التخفيضات في الأسواق الشعبية والمحلات التجارية، لتدبير الأكل والملابس والأدوات المدرسية، بأقل التكاليف.
تقول: عندما بدأ الاستعداد لدخول المدارس، ظهرت مشكلة رفع المصروفات الدراسية، بنسب تتراوح ما بين 10% و30%، بينما زادت تكلفة الانتقالات، بمعدلات أعلى مع توقع المدارس رفع الحكومة أسعار الوقود الفترة المقبلة، خلال الموسم الدراسي أكثر من مرة. تشير هبة إلى أنها وجدت ضالتها، عندما قرأت عروض السيدات، لنقل الأولاد، والتقت بأكثر من واحدة، حتى تخيرت منهن واحدة تولت تجميع الأولاد، والذهاب بهم إلى المدارس وإعادتهم.
وكشف استطلاع أجراه موقع "إنتربرايز" المتخصص في الشؤون الاقتصادية، أن المصريين يبحثون عن البدائل على كافة مناحي الحياة وخاصة المنتجات الصناعية، بعد أن أدت القيود المفروضة على الاستيراد منذ مارس/ آذار الماضي، والتضخم وانخفاض قيمة الجنيه، إلى تغير في سلوك المستهلكين في مصر، إلى دفعهم للبحث عن بدائل أرخص لمنتجات اعتمدوا عليها في السابق.
يكشف الاستطلاع الذي أرسلته "إنتربرايز" لجمهورها على البريد الإلكتروني مؤخرا، أن المستهلكين يبحثون عن الأسعار قبل أي شيء، ويختارون المنتج الذي يتوافق مع ميزانيتهم، في ظل ارتفاع الأسعار. وأوضح أن المستهلكين يتبادلون المقترحات حول البدائل على وسائل التواصل الاجتماعي، لمعرفة البدائل زهيدة التكلفة سواء كانت مستوردة أو المصرية، مع عمل مجموعات باسم"الغالي ليه بديل" و"ضد الغلاء والاحتكار" وغيرها من مئات الصفحات التي توعي الجمهور، بسبل مواجهة الغلاء ونقص المنتجات.
وأظهر الاستطلاع تضحية البعض بالجودة، إذا كانت على حساب ميزانية الأسر، رغم وجود عوائق في تدبير بعض البدائل المحلية المتعلقة بالأدوية، التي تدعو البعض إلى البحث عن المستورد بأية وسيلة.

يؤكد أستاذ التمويل والاستثمار، سعيد توفيق لـ"العربي الجديد" أن الأزمة المالية التي يمر بها المصريون أصبحت أكبر من الشعب والدولة.
وقال: علينا أن ننسى الدولة، فحان الآن دور الأسرة في مواجهة الغلاء وندرة المنتجات، وضرورة أن تعتاد الأسر العيش في أجواء سوداوية. وأضاف: المشاكل المالية ستتصاعد خلال الفترة المقبلة، لأن الدولة تتزايد عليها الديون وستكون الحكومة عاجزة عن التصرف إلا في حدود توفير المرتبات والحد من التضخم، بما يتطلب أن تتولى الأسر قيادة زمام أمورها وضبط اليد.
أشار توفيق إلى برامج التوعية التي يقوم بها على شبكات التواصل الاجتماعي، لتدريب طلابه والأسر على إدارة ميزانيتهم، وطرق زيادة دخل الأسر، بممارسة أعمال تناسب كل فرد، وترفع من قيمة العائد للأسرة، والتوفير باللجوء إلى الشراء من أماكن رخيصة، منوها إلى أهمية أن يبدأ الجميع الاقتصاد في النفقات، وإلا سيمر بأزمات وأوقات حالكة السواد.
يشدد توفيق على أن الأسرة، هي النواة التي تستطيع إيجاد نمط عام يحافظ على ضبط الانفاق، وتوعية الأبناء على وضع أولويات الصرف، والاستغناء عن كثير من التصرفات التي تهدر ميزانية الأسر. ودعا الحكومة إلى أن تكون قدوة للشعب في التقشف، ووقف النفقات غير الضرورية حاليا، والعمل بشكل موازي مع الأسر، بتوفير سلع وخدمات بأسعار معقولة.
تزعم الحكومة وضعها بدائل لمساعدة المواطنين على مواجهة الغلاء الفاحش، متهمة في الوقت ذاته التجار والمستوردين بأنهم وراء القفزات الأسبوعية في أسعار السلع، بينما قامت وزارة التموين التي توزع سلعا أساسية على 64 مليون مستفيد من الدعم العيني، لسلع تباع عبر 40 ألف منفذ للمجمعات الاستهلاكية والبقالين، برفع أسعار تلك المنتجات، مطلع الشهر الجاري. رفعت الوزارة سعر زيت الطعام من 22 إلى 25 جنيها والسمن الصناعي من 24 إلى 30 جنيها و6 سلع أخرى، بمعدل 10% (الدولار = نحو 19.7 جنيها).
تفتخر هبة أحمد بزميلاتها بالمنطقة اللائي يبادرن بحل مشاكلهن المالية، عبر توظيف ما لديهن من إمكانات، لزيادة دخل الأسرة، مؤكدة أن "ستات مصر" يعشن في محنة، فإذا استسلمن لها، ستتحول الحياة إلى جحيم. تقول: لابد من طرح البدائل للتعايش مع أوضاع فٌرضت على الناس، وعليهم أن يتغيروا ليتمكنوا من تغيير كل شيء حولهم في المستقبل.

المساهمون