يبدو أن الشعب المصري على موعد مع موجة جديدة من ارتفاع الأسعار، لا سيما مع نظر مجلس النواب مشروع قانون مقدماً من الحكومة خلال جلساته المرتقبة، بشأن تعديل قانون الضريبة على القيمة المضافة رقم 67 لسنة 2016، والذي يهدف إلى إخضاع مزيد من السلع والخدمات للضريبة (كانت مدرَجة في بند الإعفاء).
ويأتي ذلك بغرض زيادة الحصيلة الضريبية، في ظل ما تشهده البلاد من تراجع في حركة التجارة والسياحة وغيرها من القطاعات الاقتصادية، جراء التداعيات السلبية لأزمة فيروس كورونا.
وفي نفس السياق، كشفت مصادر لـ"العربي الجديد" أن الحكومة تتجه لتثبيت أسعار الوقود لمدة ثلاثة أشهر، بدلا من تخفيضها في ظل تراجع أسعار النفط.
وحسب مراقبين، لا يكلّ نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي عن إضافة الأعباء على جموع المصريين، على الرغم من الحراك الشعبي المستمر منذ نحو أسبوعين، بدلا من محاولة امتصاص غضبهم.
احتجاجات معيشية
وتظاهر الآلاف من المواطنين في أنحاء متفرقة من المحافظات أبرزها القاهرة، والقليوبية، والمنوفية، ودمياط، والجيزة، والمنيا، وأسيوط، والأقصر، وأسوان، للمطالبة بإسقاط السيسي ونظامه، على خلفية تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، والتعسف الحكومي حيال ملف التصالح في مخالفات البناء. وتركزت المظاهرات في الأرياف والقرى والأحياء الشعبية التي كانت أكثر المناطق تضررا من عمليات الهدم والمخالفات.
ودعا المقاول محمد علي، الشارع المصري، إلى الاستمرار في الاحتجاجات، اليوم الجمعة والأيام المقبلة، متهماً نظام السيسي بالفساد والفشل في إدارة العديد من الملفات والتسبب في تفاقم معيشة المواطنين.
وأخضعت التعديلات المرتقبة على مشروع قانون الضريبة على القيمة المضافة، المخبوزات، والحلوى، والمقرمشات، والمنتجات المصنعة من الدقيق، عدا الخبز بجميع أنواعه، إلى السعر العام لضريبة القيمة المضافة بواقع 14%، بدلاً من خضوعها حالياً لضريبة الجدول بنسبة 5%، وكذلك منتجات الصابون والمنظفات الصناعية للاستخدام المنزلي، وهو ما يؤثر بالسلب على تكلفة إنتاجها، ومن ثم سعر بيعها للجمهور.
كما أخضعت جميع أجهزة ووحدات التكييف، وتبريد الهواء، لضريبة القيمة المضافة، وضريبة الجدول معاً، عوضاً عن إخضاع أجهزة التكييف (سبليت فقط) للضريبتين، ووحدات التكييف الصحراوي لضريبة القيمة المضافة، من دون ضريبة الجدول، الأمر الذي يُنذر بقفزة كبيرة في أسعار بيعها، فضلاً عن إخضاع كل ممول بتقديم إقرار شهري إلكتروني عن ضريبة القيمة المضافة، وضريبة الجدول، كما سيتم تطبيق نظام الفاتورة الإلكترونية من الشركات إلى المستهلك مباشرة، بما يمكن مصلحة الضرائب من التحصيل الكامل للضريبة.
وحذف تعديل قانون الضريبة على القيمة المضافة النصوص الخاصة ببيع وتأجير الوحدات غير السكنية من بند الإعفاء الوارد في القانون، وهو ما يعني إخضاع جميع المحال التجارية، والمنشآت الفندقية، وغيرها من الأماكن غير السكنية لضريبتي القيمة المضافة والجدول معاً بإجمالي 19%.
في المقابل، نص مشروع القانون على إعفاء السلع أو الخدمات، التي يتم تصديرها إلى الخارج من منتجات مشروعات المناطق، والمدن، والأسواق الحرة، والمناطق الاقتصادية ذات الطبيعة الخاصة، بدعوى تحفيز تلك المشروعات على العمل والإنتاج، إلى جانب إعفاء المنتجات الزراعية مثل البذور، والتقاوي، والشتلات، والخضراوات، والفواكه المنتجة محلياً، وكذلك مدخلات إنتاج صناعة الورق.
وكان وزير المالية المصري، محمد معيط، قد صرح أمام البرلمان في وقت سابق، قائلاً: "إن التعديلات على قانون الضريبة على القيمة المضافة تستهدف دعم الكيانات الاقتصادية، وتحسين الوضع المالي"، مستطرداً بأن "الحصيلة الضريبية تراجعت بشدة بسبب تداعيات أزمة فيروس كورونا، مع العلم أنها تمثل أكثر من 75 في المائة من إيرادات الموازنة العامة للدولة".
وأضاف معيط أن "وزارة المالية تتحرك في كل الأصعدة لميكنة وتيسير الإجراءات الضريبية، وتحسين الوضع المالي، حتى يتواكب مع إجراءات الدولة في هذا القطاع"، مستكملاً أن "مشروع القانون ينظم إجراءات التسوية الفورية للضرائب مقابل الإعفاء من فوائدها"، على حد زعمه.
ودعا السيسي مجلس النواب إلى الانعقاد أمس الخميس، بهدف التصويت على بعض مشاريع القوانين المقدمة من الحكومة، ومد حالة الطوارئ المفروضة في جميع أنحاء البلاد لمدة ثلاثة أشهر جديدة، للمرة الخامسة عشرة على التوالي، منذ فرضها للمرة الأولى في إبريل/نيسان 2017، عقب استهداف كنيستين في مدينتي طنطا والإسكندرية.
تثبيت أسعار البنزين
وفي الوقت الذي قامت فيه دول عربية بتخفيض أسعار الوقود بسبب تراجع أسعار النفط، رجّحت مصادر برلمانية مصرية تثبيت أسعار البنزين، بأنواعه الثلاثة، لمدة ثلاثة أشهر جديدة، تبدأ اعتباراً من 10 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وهو الموعد الذي حددته لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية، المعنية بمراجعة وتحديد أسعار بيع بعض منتجات الوقود في مصر، وفقاً لمتوسطات سعر (خام برنت) عالمياً، خلال الفترة من يونيو/حزيران حتى سبتمبر/أيلول 2020، وسعر صرف الجنيه أمام الدولار في الفترة نفسها.
وقالت المصادر لـ"العربي الجديد"، إن "تثبيت سعر البنزين يحقق مزيداً من الوفورات المالية في بند دعم الوقود في موازنة الدولة، والذي تراجع من 53 مليار جنيه إلى 28.2 مليار جنيه في الموازنة الحالية"، مستطردة بأن "تراجع سعر برميل الوقود العالمي إلى أقل من 45 دولاراً، كان يقتضي خفض سعر البيع في السوق المحلية، إلا أن الحكومة تجد في ذلك مساحة لتوجيه هذا الوفر إلى الخزانة العامة، بدلاً من تمتع المواطنين بهذا الانخفاض".
وأضافت المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، أن "المعادلة السعرية تقضي بتعديل الأسعار بما لا يتجاوز 10 في المائة، صعوداً وهبوطاً، في وقت قررت فيه الدولة تجنيب جزء من الوفر المُحقق من خفض التكلفة، بدعوى مواجهة الارتفاع المتوقع في التكلفة خلال الفترة القادمة"، منبهة إلى "غياب الشفافية بشأن مصادر إنفاق هذه الوفورات، لا سيما فيما يتعلق بالاعتمادات الموجهة من الحكومة، لاحتواء الآثار السلبية لتداعيات أزمة تفشي فيروس كورونا".
وتعتمد آلية التسعير التلقائي لأسعار البنزين في مصر على ثلاثة عوامل رئيسية، هي السعر العالمي لبرميل النفط، وسعر صرف الدولار أمام الجنيه، ومقدار التغير في عناصر الكلفة، غير أن هناك حالة من عدم الشفافية إزاء إدارة الحكومة لملف دعم المحروقات، حيث تصر الأخيرة على عدم تخفيض السعر المبيع للمواطنين، تحت ذريعة مواجهة العجز المتفاقم في الموازنة العامة للدولة (جراء التوسع في سياسة الاقتراض من الخارج).
وكانت مصر قد خفضت بشكل طفيف سعر لتر بنزين (أوكتان 80) من 6.50 جنيهات (الدولار = 15.74 جنيها) إلى 6.25 جنيهات، ولتر بنزين (أوكتان 92) من 7.75 جنيهات إلى 7.50 جنيهات، ولتر بنزين (أوكتان 95) من 8.75 جنيهات إلى 8.50 جنيهات في 10 إبريل/نيسان الماضي، مع الإبقاء على أسعار السولار من دون تغيير، على الرغم من التراجع الكبير في سعر البترول العالمي، والذي وصل مع بداية أزمة فيروس كورونا إلى نحو 70 في المائة.
وتشهد مصر حالة غير مسبوقة من الاحتقان المجتمعي، نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية في البلاد، والتعسف الحكومي حيال ملف التصالح في مخالفات البناء، وما صاحبه من إزالات لمنازل الآلاف من المواطنين، الأمر الذي دفع الآلاف من المصريين إلى التظاهر في أنحاء متفرقة من محافظات، أبرزها: "القاهرة، والقليوبية، والمنوفية، ودمياط، والجيزة، والمنيا، وأسيوط، والأقصر، وأسوان"، للمطالبة برحيل الرئيس عبد الفتاح السيسي من الحكم.
وفي 24 يونيو/حزيران الماضي، صادق السيسي على القانون رقم 83 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 147 لسنة 1984، بشأن فرض رسوم تنمية الموارد المالية للدولة، والذي وافق عليه مجلس النواب في جلسته المنعقدة بتاريخ 4 مايو/أيار 2020، ويقضي بفرض رسوم بقيمة 30 قرشاً لكل لتر مبيع من البنزين بأنواعه، و25 قرشاً لكل لتر من السولار.
وتعد تلك الرسوم بمثابة "ضريبة مقتطعة" على المنتجات البترولية المبيعة محلياً، والتي تُعادل أسعارها في مصر ضعف القيمة الحقيقية للمحروقات تقريباً، على وقع تراجع الأسعار العالمية للنفط ومشتقاته بسبب تداعيات أزمة فيروس كورونا، وذلك بغرض الاستفادة من تراجع أسعار النفط، وتوجيه الوفر الحالي لصالح الموازنة العامة، عوضاً عن خفض أسعار البنزين للمستهلكين.