مصر: الدولار يتراجع والبنك المركزي يحرك سعر الصرف بضوابط ما قبل التعويم

18 مارس 2024
لا تزال الضغوط قوية على العملة المصرية رغم التراجع الظرفي لسعر الدولار (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الدولار يتراجع أمام الجنيه المصري، مع اقترابه من 47 جنيهاً في البنوك الرسمية وتجاوزه في بعض البنوك الخاصة إلى 47.80 جنيهاً، مؤثراً على سوق الذهب وهبوط سعر الغرام عيار 21 إلى 2900 جنيه.
- البنوك تتبع تعليمات البنك المركزي في تدبير الدولار للشركات والموردين وفق أولويات محددة، مع حظر تدبير الدولار لشراء "السلع الاستفزازية"، وتسمح بعض البنوك باستخدام بطاقات الائتمان مسبوقة الدفع بالدولار.
- مصر تواجه تحديات في إدارة سعر الصرف وتأمين تدفقات الدولار، مع تأخر البنك المركزي في ضخ الدولار لخزائن البنوك وتلقيه 11 مليار دولار من عوائد بيع مدينة رأس الحكمة، وتجري مفاوضات للحصول على تمويلات إضافية.

واصل الدولار تراجعه أمام الجنيه المصري، فيما يدفع الذهب سعره إلى مزيد من الهبوط، مع اقتراب العملة الأميركية من 47 جنيهاً في البنوك الرسمية، فيما بعض البنوك الخاصة تتهافت على شرائه من المتعاملين بسعر 47.80 جنيهاً.

وبلغ سعر الدولار بسوق الذهب 48.40 جنيها، رغم هبوط سعر الغرام عيار 21 الأكثر مبيعا عند 2900 جنيه، والذهب بلغ 23 ألفا و520 جنيها.

وتعكس شاشات البيع والشراء المعلقة بداخل فروع البنوك المختلفة ضآلة العائد من حركة البيع والشراء، حيث يقتصر هامش الربح بين البيع والشراء في البنوك على إحراز 10 قروش، بينما تبين جولة ميدانية في عدد من فروع البنوك الحكومية والخاصة أن حركة الدولار في البنوك تسير في اتجاه واحد، بما يمكن البنوك من تحقيق عوائد هائلة، من تدبير العملة لكبار العملاء.

ورصد "العربي الجديد" عمليات شراء واسعة من الجمهور الذي يقبل على استبدال الدولار بالجنيه، مع ارتفاع سعر الصرف إلى مستويات موازية للسوق السوداء.

ويستهدف بعض البائعين توفير مصروفات تتضاعف بموازنة الأسر خلال شهر رمضان، وشراء مستلزمات العيد، وآخرون يسعون إلى سداد ما عليهم من أقساط مجدولة وقليل ممن يستبدلون العملة لشراء شهادات ادخار بعائد على الجنيه يصل إلى 30%.

ترفض البنوك بيع الدولار والعملة الصعبة للجمهور، وسط تدفقات حزم من القروض والاستثمارات والمنح الدولية، قدرها محمد معيط وزير المالية بنحو 16.1 مليار دولار، من بين 20 مليار دولار قيمة تمويلات، تعهد بها صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي والدول المانحة، عدا قيمة صفقة بيع مدينة رأس الحكمة للصندوق السيادي الإماراتي بنحو 35 مليار دولار.

وقالت مصادر في بنك حكومي كبير لـ"العربي الجديد"، إن تعليمات التعامل على الدولار والعملات الصعبة للجمهور ما زالت تسير "على قديمه" وفق النهج الذي يفرضه البنك المركزي منذ عام، بألا يتم بيع الدولار أو العملة الصعبة للجمهور سوى الفئات التي تحددها الحكومة القاصرة على المسافرين للخارج ولديهم تذكرة طيران قبل موعد الإقلاع بساعات، والمبعوثين في رحلات رسمية.

تتضمن التعليمات تدبير الدولار للشركات والموردين وفقاً للأولويات التي اعتمدها مجلس الوزراء العام الماضي، وتشمل شراء المواد الغذائية الأساسية والأدوية، مقابل عمولة تدبير عملة تبلغ 10%، ترتفع إلى 16% لمستلزمات الإنتاج الأخرى، مع حظر تدبير الدولار لشراء أية منتجات تراها الحكومة من "السلع الاستفزازية" والتي تشمل مستحضرات التجميل وطعام الحيوانات والأكسسوارات والهواتف، والسيارات الفارهة والملابس الجاهزة والأحذية والحلوى والأطعمة الفاخرة.

سمحت بعض البنوك باستخدام عملائها بطاقات الائتمان مسبوقة الدفع بالدولار، بالشراء عبر الإنترنت أو في الخارج بحد أقصى يوازي 100 ألف جنيه شهريا للمشتريات.

وأكدت 3 مصادر تعمل في بنوك حكومية وخاصة وأجنبية مشتركة أن سعر الصرف لم تتحقق له المرونة الكاملة، بما يحد من حرية البنوك في توفيره لكافة العملاء، مشيرين إلى أن سعر الصرف ما زال يدار عبر تحركات الأسعار يوميا من البنك المركزي، والذي يُعتبر مؤشرا لكافة البنوك للعمل به طوال اليوم، مع التزام شركات الصرافة التابعة للبنوك والخاصة بتحريك الأسعار وفقا لمؤشر السعر المعلن من المركزي.

وأوضحت المصادر أن البنوك تعتمد على تدبير الدولار للعملاء من عوائد مشترياتها المباشرة من الجمهور أو فروع الصرافة التابعة لها يومياً، مؤكدين عدم وصول تدفقات نقدية بالدولار أو أي من العملات الصعبة من البنك المركزي إلى خزائن البنوك، عدا ما تحدده اللجنة الحكومية لتمويل الواردات الموجودة بالموانئ أو التي تتعجل الجهات الرسمية شراءها من الخارج.

في غضون ذلك، يخشى محللون تأخر المركزي في ضخ الدولار لخزائن البنوك والاستمرار في سياسة سعر الصرف المدار، بما يعيد أزمة الدولار ودفع الطلب عليه نحو السوق السوداء من جديد.

أعلن البنك المركزي عن تلقيه 11 مليار دولار من عوائد بيع مدينة رأس الحكمة للجانب الإماراتي، مشيرا إلى إجراء مقاصة بما يعادل 5 مليارات دولار منها وفقا لسعر الصرف بعد التعويم الأخير، حين بلغ الدولار 50 جنيها، دون أن يشير "المركزي" إلى تفاصيل الإيداع للمبلغ المتبقي من الدفعة الأولى لسداد قسط البيع، والمنتظر إتمام دفعه بالكامل خلال شهرين.

ينتظر محللون إفصاح البنك المركزي عن أرصد الاحتياطي النقدي، وسبل التزامه بسداده المبالغ المستحقة للبنوك التي اقترضها من حساب العملاء، في اجتماع لجنة السياسات النقدية 28 مارس/آذار الجاري. 

يشير محللون إلى عدم إدراج صندوق النقد الدولي القرض الجديد المحدد لمصر في جدول أعماله، حتى 27 مارس الجاري، متوقعين أن يناقش خبراء الصندوق خلال إبريل/نيسان المقبل حزمة المساعدات التي وافق عليها أخيرا، وتشمل قرضا إضافيا يبلغ 5 مليارات دولار وآخر تكميليا بـ 1.2 مليار دولار، وإجراء التصويت النهائي على اتفاقية الإصلاح الهيكلي الجديدة للاقتصاد المصري.

ويوضح اقتصاديون أن حزمة القروض والتسهيلات المالية التي قدمها الاتحاد الأوروبي لمصر، خلال زيارة رئيسة المفوضية الأوروبية أورسلا فون دير لاين أمس الأول، بقيمة 7.4 مليارات يورو، ستجري على عدة مراحل ممتدة حتى عام 2027، والتي تشمل 5 مليارات يورو قروضا ميسرة لدعم الإصلاح الاقتصادي والهيكلي بالدولة، و1.8 مليار يورو لدعم قدرة القطاع الخاص على المنافسة وتمويل الخطط الاستثمارية، و600 مليون يورو توجه لتطوير نظم مكافحة الهجرة غير الشرعية وتوطين الشباب الراغبين في السفر إلى أوروبا عبر مسارات التهريب.

تجري الحكومة مفاوضات للحصول على 3 مليارات دولار من البنك الدولي وإنكلترا واليابان، خلال العام الجاري، وفقا لتصريحات صحافية لوزير المالية.

ويتوقع بنك "غولدمان ساكس" أن تحصل الحكومة على تمويلات من صندوق النقد الدولي والشركاء الأوروبيين بنحو 17 مليار دولار، على دفعات ممتدة للأعوام ما بين 2024 و2027، ليرتفع الاحتياطي النقدي من متوسط 35 مليار دولار حالياً إلى 50 مليار دولار بنهاية العام، يزيد إلى 61 مليار دولار 2027.

ويؤكد البنك في تقرير أصدره الأسبوع الماضي، أن التمويلات الخارجية لمصر التي ستبلغ نحو 26.5 مليار دولار على مدار السنوات الأربع المقبلة، لن تتمكن من سد فجوة العجز في الحساب الجاري، مع ارتفاع الواردات بمعدلات أسرع من توافر الدولار، مؤكدا أن هذه الأزمة لن تعوض إلا بزيادة تحويلات المصريين في الخارج، لتصل إلى 30 مليار دولار على الأقل بنهاية عام 2027. 

المساهمون