مصر: التفاؤل يغادر مديري المشتريات مع استمرار الغلاء وتراجع الجنيه

03 نوفمبر 2022
ارتفاع سعر الدولار في مصر يربك الشركات (الأناضول)
+ الخط -

المصائب لا تأتي فرادى على الأسواق، يئن منها أولي العصبة من المستهلكين ورجال الأعمال، رغم محاولات الحكومة السيطرة، على تأثيرها الموجع في أوقات عصيبة.
دفع شح الدولار، المتصاعد منذ زلزال الخميس الأخير من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أسعار كافة السلع الغذائية الاستهلاكية والمعمرة إلى أعلى، بوتيرة لم تهدأ خلال الأسبوع الماضي.
ورغم تراجع الجنيه إلى مستوى قياسي، بلغ 24.25 في السوق الرسمية، فإن عدم قدرة البنوك على توفير الدولار للعملاء والشركات، دفع به إلى مستويات قياسية أعلى في السوق الموازية، ليبلغ 26 جنيها مقابل الدولار.

السباق المحموم بين الموردين والصناع والتجار من جهة، والبنوك من جهة، للحصول على الدولار بأية وسيلة، أصاب الأسواق بحالة من التيبس، لا يحركها إلا قليل من المياه التي تدفع بها سلع ومأكولات بسيطة، بينما تعلو أسعار السلع الهندسية والصناعية، فوق سحب لا يطاولها المستهلكون ولا تلقى في الوقت ذاته رضى المصنعين ومديري الشركات، ما دفع أغلب الموردين إلى الامتناع عن بيع ما لديهم من مخزون، لحين اتضاح رؤية غائبة عن أنظار الجميع.

رياح أزمة الدولار معاكسة للجميع، في دولة اقترضت من الديون الحكومية فقط، نحو 110 مليارات دولار، في 8 سنوات، أنهكت ميزانيتها، وجاءت الحرب في أوكرانيا لتضعها أمام واقع مرير، قد لا يمكنها من سداد ديونها إلا بمزيد من اقتراض للدولار، في وقت عز تواجده بالأسواق.

أفصح مؤشر مديري المشتريات بمصر، الذي تصدره مؤسسة "ستاندرد آند بورز غلوبال" S&P Global شهريا، عن تسبب استمرار ضغوط الأسعار في تثبيط النشاط التجاري، وتراجع الأعمال الجديدة، مع ارتفاع حدة التضخم.

وأكد التقرير، الذي أصدرته المؤسسة أمس، استمرار الهبوط الحاد في معدلات الشراء، لشهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في ظل مواصلة عمل البنك المركزي بضوابط الاستيراد التي قررها في فبراير/شباط 2022، والمستمرة حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول المقبل.

مديرو الشركات غير المنتجة للنفط غير متفائلين، بعد أن انهارت مؤشرات التفاؤل في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى أدنى مستوى رصدته بيانات دراسات المؤشر، التي بدأت منذ 10 سنوات.

ورصد المؤشر ارتفاعا ضعيفا في أكتوبر/تشرين الأول، بلغ 0.01%، عن سبتمبر/أيلول، ليصل إلى 47.6 نقطة من 47.7، وليظهر أن سلسلة التدهور ما زالت مستمرة منذ عامين، وأن السوق باقية في منطقة الركود.

تعاني الشركات من انكماش في الطلبات الجديدة، بسبب الضغوط التضخمية السريعة، وانخفاض إنفاق العملاء بالسوق المحلية والأسواق الدولية، وفقا للمؤشر.

ويؤكد التقرير أن القيود المستمرة على الواردات، زادت من الاضطراب الاقتصادي في أكتوبر/تشرين الأول، حيث أدى تعليق الاستيراد للحد من استنزاف احتياطات العملة الأجنبية، إلى مواجهة الشركات صعوبة في الحصول على مستلزمات الإنتاج المطلوبة، وانخفاض الإنتاج، وفي الوقت ذاته ارتفعت أسعار المواد الخام وقلت الطلبات الجديدة، ما أثر على نشاط الشراء.

بيّن المؤشر أن ضغوط التكلفة في الأشهر الأخيرة من العام الحالي، وصلت إلى أعلى معدلات لها في السنوات الأربع الماضية، وكان ارتفاع أسعار المشتريات مرتبطا بنقص توافر المواد الخام واستمرار التدهور في سعر صرف الجنيه مقابل الدولار الأميركي، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج، ومع وصول توقعات الإنتاج إلى مستوى قياسي منخفض، قلصت الشركات أعداد موظفيها لأول مرة منذ شهر يونيو/حزيران 2022، بسبب تدهور المبيعات.

توقعت شريا باتل الباحثة في "ستاندرد آند بورز غلوبال ماركت إنتلجنس"، أن يتسبب تدهور البيئة الاقتصادية العالمية والمحلية في استمرار تراجع تفاؤل الشركات لمدة عام آخر. وأشارت إلى أن ارتفاع أسعار المواد الخام، والطاقة والسلع الغذائية، يدفع الشركات إلى زيادة أسعار التكلفة للمستهلك، وتمريرها تدريجيا للأسواق.

في سياقٍ متصل، قال الدكتور علاء عز، أمين عام اتحاد الغرف التجارية في تصريح صحافي إن الحكومة طلبت من البنك المركزي تدبير العملة لدخول أكثر من 4000 شحنة مستلزمات إنتاج ومواد غذائية، مكدسة في الموانئ، خلال اليومين الماضيين.

وطلب عز من المصانع والموردين تغطية قيمة مستندات الشحنات التي يرغبون في إدخالها من الموانئ، بقيمة الرصيد بالجنيه طبقا لسعر الدولار السائد بالأسواق.

ووضعت تعليمات الحكومة الشركات في مأزق جديد، وصفه أعضاء بالغرف التجارية بأنه يصب في صالح كبار المستوردين والشركات القادرة على توفير سيولة ضخمة، أو لديها علاقات قوية مع البنوك، تمكنها من الاقتراض وتوفير سيولة مالية، لا يقدر عليها أغلب الموردين.

وأكد عضو بالغرفة التجارية، رفض الإفصاح عن هويته، أن الإفراج عن الشحنات المكدسة منذ أشهر حاليا، بسعر الدولار، بعد زيادته بنحو 23% خلال أسبوع، و53% منذ فبراير/شباط الماضي، يحمل البضائع تكلفة باهظة، سيتحمل المستهلك توابعها فور توافرها بالأسواق.

ويؤكد المصدر أن قبول البنوك تسوية المدفوعات عن الواردات بالجنيه، يمكنه أن يحافظ على الاستقرار في قيمة الدولار، بعد صعوده إلى السقف الذي استهدفه صندوق النقد الدولي منذ فترة، قبل السماح للحكومة بالحصول على قرض جديد قيمته 3 مليارات دولار، مطالبا بأن تطبق التجربة الحكومية على كافة الواردات في المرحلة المقبلة، للحد من بيع الدولار في السوق السوداء وارتفاع الأسعار.

وتحاول الحكومة إخفاء عجزها بالسيطرة على ارتفاع الأسعار بالأسواق، عبر برامج توزيع "كراتين" غذائية بأسعار مدعمة على المواطنين، لا تتناسب أعدادها مع شعب يعيش نحو 66% منه في مستوى الفقر وتحته بمراحل.

وقال الدكتور علي المصيلحي وزير التموين، إن الدولة عملت على تثبيت السلع الموزعة على البطاقة التموينية حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول المقبل، وتوجيه 20 مليار جنيه إضافية لدعم الخبز ليصل إلى 71 مليار جنيه حتى يوليو/تموز المقبل.

ويستفيد من نظام الدعم نحو 63 مليون نسمة من بين 104 ملايين نسمة.

المساهمون