مصر: الأزمة الاقتصادية قد تدفع الحكومة نحو خفض جديد للجنيه

18 يوليو 2023
تدهور الأوضاع المعيشية للمصريين (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

رصد خبراء اقتصاد توجه الحكومة المصرية لكبح التضخم بدفع الأسواق إلى مزيد من الركود، خلال الفترة المقبلة، لمواجهة غلاء ارتفع إلى معدلات غير مسبوقة، بنحو 35.7% بالمدن في يونيو/ حزيران الماضي، متخطيا المعدل القياسي المحقق، في إبريل/ نيسان 2017 بنسبة 30.6%، عقب التعويم الأول للجنيه في 2016.

أكد الخبراء أن تسارع معدل التضخم بأسعار المستهلكين وخاصة السلع الغذائية التي فاقت نسبتها 62%، مع قفزات بالتضخم الأساسي لمستوى تاريخي ليتجاوز 41%، الشهر الماضي، وضع الحكومة بين خيارين كلاهما مر، إما السير في اتجاه تحرير عاجل لسعر الصرف، يدفع الجنيه إلى مزيد من التراجع والتضخم إلى معدلات غير معلومة القيمة، أو الانكماش بضغط النفقات والاحتفاظ بالسيولة، والتضحية بالتوجه نحو ركود الأسواق. 
فسر الخبراء لجوء البنك المركزي إلى زيادة المعروض النقدي المتضمن العملة المحلية المتداولة والودائع تحت الطلب بالجنيه من 23.1% في نهاية يونيو 2022، ليصل إلى 31.9% في نهاية مايو/ أيار الماضي 2023، بأن الحكومة عالقة بين التضخم والركود، فلجأت إلى الركود خوفا من المخاطر الشديدة التي تسببها معدلات التضخم المفزعة على أسعار السلع والضغط على العملة. 

كشفت بيانات البنك المركزي عن ارتفاع المعروض النقدي الموجه لإقراض الحكومة من 1.06 تريليون جنيه، في يونيو 2022، إلى 1.48 تريليون جنيه بنهاية مايو 2023، وهي الفترة التي شهدت أعلى ارتفاع بمستوى الدين العام، مع زيادة في سعر الفائدة بمقدار 1000 نقطة أساس. 

تتوقع مؤسسات تمويل دولية ارتفاع معدلات التضخم إلى 39%، بنهاية سبتمبر/ أيلول المقبل، متأثرة بزيادة أسعار الكهرباء والوقود والسلع الأساسية، مع شح الدولار وتراجع قيمة الجنيه، وتمويل الحكومة المشروعات المدرجة بالموازنة الجديدة 2023/ 2024 بالعجز، قدرته مبدئيا بنحو 40%. وفي الوقت الذي يبلغ فيه الدولار نحو 31 جنيها رسميا، يتجاوز سعره 40 جنيها في السوق الموازية.
وكشفت بيانات الميزانية العامة عن تصاعد مستمر بالعجز المالي، وصل عام 2021/ 2022 إلى 486 مليار جنيه، وعن عجز محقق بالعام 2022/ 2023 بلغ 723 مليار جنيه، ارتفع إلى 824 مليار جنيه بموازنة 2023/ 2024.  
يأتي توجه الحكومة نحو دفع الأسواق إلى الركود، لخفض الطلب على السلع، خاصة المستوردة، في ظل تراجع النشاط الاقتصادي غير النفطي، واستمراره عند مستوى أقل من 50 نقطة، للشهر 31 على التوالي، مدفوعا بانخفاض الجنيه وشح الدولار وندرة مستلزمات الإنتاج، والقيود على الواردات، والتضخم، وارتفاع تكاليف التشغيل وفقا لمؤشر ستاندرد آند بورز.
اعتادت الحكومة مواجهة العجز بالموازنة بطباعة المزيد من النقود مع المخاطرة برفع الأسعار ومعدلات التضخم، متجاهلة عدم التناسب بين حجم السلع والإنتاج بالنقود واللجوء إلى الاستدانة من الخارج بمبالغ تراوح قيمتها ما بين 15 و30 مليار دولار سنويا، منذ عام 2016 حتى عام 2022.
وأعلنت مؤسسة الرئاسة أنها استغلت جزءا من السيولة المالية المتوافرة لديها في شراء الدولار من السوق الموازية لتغطية جزء من احتياجات الجهات الحكومية للواردات الأجنبية من السلع الأساسية والأدوية ومستلزمات الإنتاج خلال العام المالي المنصرم. 

أرجع خبير التمويل والاستثمار رشاد عبده توجه الحكومة إلى كبح الطلب واختيار الركود، لخوفها من المخاطر الشديدة للتضخم، التي فاقت معدلات تاريخية بنحو 35.7%، رسميا، مشيرا إلى صعوبة السيطرة على الأسعار في ظل هذا التضخم المتصاعد، لا سيما أن هناك تقارير دولية تشير إلى ارتفاعه عن تلك المعدلات بنسب كبيرة. 

 ينفي عبده في حديثه لـ"العربي الجديد"، قدرة الحكومة على طبع المزيد من النقود في الفترة الحالية، إلا بقيمة المبالغ غير الصالحة للاستهلاك، وطرحها بأشكال جديدة، كبديل للإهلاك المقنن سنويا.

يرجع خبير التمويل والاستثمار زيادة المعروض النقدي بالعملة المحلية المتداولة والودائع تحت الطلب لتفضيل البنوك والشركات والمواطنين ادخار أموالهم بالجنيه للحصول على عائد دوري يساعدهم على مواجهة أعباء المعيشة ومرتفع وصل إلى نحو 25% بالبنك المركزي، لتعويض جزء من الخسائر المحققة بقيمة العملة، والتي أصبحت عوائدها بالسالب في ظل ارتفاع قياسي بمعدل تضخم أسعار السلع وهو مؤشر أساسي صادر عن البنك المركزي.

يوضح عبده التزام الحكومة باتفاق مع صندوق النقد الدولي، وقعته في ديسمبر/ كانون الأول 2022، يقضي بعدم لجوئها إلى طباعة نقود جديدة بدون إخطار واتفاق مسبق مع إدارة الصندوق، مشيرا إلى مراقبة لجان المتابعة الدورية بالصندوق لهذا الأمر عن كثب، كل 3 أشهر، وفي حال اعتماد المراجعة يقدم الصندوق قسطا ماليا من إجمالي قرض قيمته 3 مليارات دولار، يمتد حتى عام 2026. 
يؤكد عبده عدم مخاطرة الحكومة بطبع المزيد من النقود، وإلا أخرجت نفسها من التزام تعهدت به يوفر لها ضمانات مالية وقروضا دولية، مشيرا إلى أن كبح الطلب سيمكنها من توفير الدولار الموجه لشراء الواردات وتوفير السيولة المالية التي تساعدها على تطبيق مرونة سعر الصرف، باعتباره من أهم الالتزامات التي يشدد صندوق النقد على تعميمها في الفترة المقبلة.

ومن جانبه، يعتبر أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس، تامر راضي، أن زيادة السيولة النقدية والودائع بالبنك المركزي مؤشر إلى زيادة التدفقات النقدية من أنشطة إنتاجية عديدة وتحرك الأسواق. وأشار راضي إلى زيادة حركة السياحة وعودة المصريين من الخارج، مع توجه الحكومة إلى التقشف بالمصروفات، الأمر الذي خفض المضاربة على الدولار، ودفع الناس إلى زيادة المدخرات والاقبال على شراء سندات الخزانة التي تحقق أرباحا عالية بالجنيه.

وقال راضي لـ"العربي الجديد"، إن قراءة الغرب للسياسة النقدية المتعلقة بالتضخم تختلف عما يحدث في مصر، حيث إن مواجهة التضخم في الولايات المتحدة وأوروبا على سبيل المثال تتطلب رفع سعر الفائدة على الدولار واليورو والإسترليني، لخفض السيولة في أيدي المستهلكين، لكبح الطلب على السلع ودفع المستهلكين إلى زيادة الإنتاج، مشيرا إلى أن التضخم لدينا مرتبط بضغوط خارجية، بدأت مع انتشار وباء كورونا والحرب في أوكرانيا مع ندرة السلع وشح العملة الصعبة.
يؤكد راضي أن سحب السيولة من أيدي الأفراد إلى البنوك يساعد على تحجيم الطلب في ظل ندرة العرض وارتفاع الأسعار، مع التزام الحكومة بالعمل على خفض العجز بالموازنة، وترشيد النفقات بمعدلات كبيرة، وزيادة الإنتاج الموجه للتصدير لتوليد العملة الصعبة.

ويشير راضي إلى أن موجات الركود الاقتصادي أصبحت مشكلة عالمية، بدأت بالولايات المتحدة، وانتقلت إلى أوربا، وتأثرت بها الأسواق المرتبطة بهما، ومنها مصر، مبينا أن حلها يجري هناك عبر تخفيض الضرائب وزيادة بالنفقات العامة، وهي أمور يصعب تطبيقها لدينا، لندرة إيرادات الموازنة العامة.
ويحمل خبراء الحكومة مسؤولية زيادة معدلات التضخم بسبب إنفاقها ببذخ على مدار 10 سنوات على مشروعات غير إنتاجية من قروض باهظة الكلفة رفعت الديون الأجنبية من 42 مليار دولار عام 2104 إلى 165 مليار دولار في نهاية مارس/ آذار 2023.

المساهمون