مصر أكبر المتضررين من زيادة أسعار الغذاء عالمياً

14 يونيو 2021
الضائقة المعيشية تشدد خناقها على فقراء مصر وتُنذر بانفجار اجتماعي ذات يوم (Getty)
+ الخط -

يتوقع عدد من المراقبين انعكاس أزمة الغذاء العالمية، والتي ‏بدأت بوادرها في الظهور خلال الشهور الماضية على الحالة ‏الاقتصادية المصرية بشكل عام، ما قد يؤدي إلى غضب شعبي ‏عارم، عقب مواصلة رفع أسعار السلع الغذائية الأساسية إلى ‏مستويات قياسية، في ظل عدم وجود وسائل حماية اجتماعية، مع ‏استمرار تداعيات انتشار فيروس كورونا المستجد.‏

وأظهرت البيانات الرسمية، أن الحكومة تستورد حوالي 60% من احتياجاتها الغذائية، والتي تقدر قيمتها بحوالى 15 ‏مليار دولار، منها، 1.6 مليار دولار للزيوت، ولحوم حمراء ‏مجمدة وحية بنحو 1.8 مليار دولار، وأقماح 2.5 مليار ‏دولار، وفول صويا 1.5مليار دولار، وذرة بحوالى مليارَي ‏دولار خلال 2020‏.

الزيوت

كشف تقرير صادر عن معهد المحاصيل الحقلية بمركز البحوث ‏الزراعية، أن مصر تستورد زيوتاً وبذوراً زيتية بكميات تبلغ ‏‏5.7 ملايين طن سنوياً، تشمل مليونَي طن زيوتاً تمثل 98% من الاحتياجات و3.7 ملايين طن بذوراً زيتية تقدر ‏قيمتها بـ25.1 مليار جنيه (1.6 مليار دولار).‏

وأرجع التقرير الذي أعدته سمر منير، هذه الفجوة إلى ‏تراجع المساحات المنزرعة بالمحاصيل الزيتية، والتي تمثل في ‏الوقت الحالي 3.7% من المساحة المحصولية، وذلك ‏لعدم الإقبال على زراعتها لعدم وجود نظام تسويقي يشجع ‏المزارعين، ويحميهم من جشع واحتكار التجار ومصانع.

وأوصى التقرير بتشجيع المزارعين على زراعة الأصناف الجديدة من ‏المحاصيل الزيتية، ومنها، نبات "الكانولا" والذي ترتفع فيه ‏نسبة الزيت إلى  45%، إضافة إلى أنه عالي الجودة، ‏ومحصول شتوي، ويتحمل الظروف البيئية المعاكسة خاصة ‏الملوحة ونقص المياه.‏

‏اللحوم

أظهر تقرير صادر عن قطاع الثروة الحيوانية التابع ‏لوزارة ‏الزراعة المصرية، أن ‏معدل استهلاك مصر من اللحوم ‏الحمراء ‏خلال 2020 بلغ نحو 900 ألف طن، ‏شملت 430 ألف ‏طن ‏مستورد (47.8%) و470 ألف طن منتجة ‏محلياً (52.2%).‎

وبلغت قيمة فاتورة استيراد مصر من اللحوم المجمدة 1.7 مليار ‏دولار خلال 2020، مقابل 2.1 مليار دولار 2019، ومن الأبقار ‏والجواميس الحية 145 مليون دولار، مقابل 103.8 ملايين دولار ‏في 2019 بنسبة زيادة 15%.‏

وتنفذ وزارة الزراعة حالياً المشروع القومي لإحياء "البتلو" ‏بتكلفة 4.1 مليارات جنيه، لتقليل فجوة استيراد اللحوم، إذ يمنح ‏المشروع لكل مربٍّ 15 ألف جنيه عن الرأس الواحد بخلاف 5 ‏آلاف أخرى علائق وأعلاف بفائدة 5%.‏

السكر

تتوقع وزارة التموين والتجارة الداخلية، أن يصل إنتاج سكر ‏البنجر إلى 1.7 مليون طن ، بعد زيادة الرقعة المنزرعة ‏إلى ‏‏640 ألف فدان، بجانب مليون طن من سكر القصب، ليصل ‏إجمالي الإنتاج إلى 2.7 مليون طن.‏

واستهلكت مصر العام الماضي نحو 3.2 ملايين طن ‏سكر، ‏غطى الإنتاج المحلي 2.5 مليون طن، وتم استيراد 700 ‏ألف ‏طن‎.‎

وكانت وزيرة التجارة والصناعة، نيفين جامع، أصدرت قراراً ‏في يونيو/حزيران 2020 بحظر استيراد السكر الأبيض ‏والخام، ‏لمدة 3 أشهر، (يتم تجديده)، لحماية الصناعة الوطنية، بعد أن ‏باعت الشركات الوطنية طن السكر بأقل 200 جنيه من سعر ‏تكلفته، بعد إغراق السوق بالسكر المستورد.‏

القمح

أظهر تقرير لوزارة الزراعة الأميركية، أن  حجم واردات مصر ‏من القمح والدقيق في 2020/2021 قد يصل إلى 13 مليون ‏طن مقابل 12.8 مليون طن العام الماضي.‏

وكشفت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، أن مصر ‏استوردت أقماحاً خلال 2020، تخطت قيمتها 2.5 مليار دولار، ‏وذرة بحوالي 2 مليار دولار وفول صويا بنحو 1.5 مليار ‏دولار.‏

وتوقع التقرير الأميركي، أن يرتفع استهلاك مصر من القمح ‏العام المالي الجاري إلى 20.8 مليون طن، مقابل 20.3 ‏مليون طن العام الماضي.‏

تأثيرات مؤلمة

يقول مستشار وزير التموين والتجارة الداخلية المصري الأسبق، عبدالتواب بركات، إن زيادة الأسعار العالمية للأغذية لها تداعيات مباشرة على ‏الموازنة العامة للدولة، وتأثيرات مؤلمة على المواطن، ذلك أن ‏مصر تستورد أغذية بالعملة الصعبة من السوق الدولية بما يقارب 15 ‏مليار دولار، منها 13 مليون طن من القمح الذي يدخل في ‏صناعة الخبز التمويني والمكرونة.

بالإضافة إلى 10 ملايين طن ‏من الذرة الصفراء التي تدخل في مكونات علف الدواجن بمعدل ‏‏60% من التكلفة، وتستورد قرابة 6 ملايين طن من زيوت ‏الطعام، وقرابة نصف الاستهلاك من اللحوم الحمراء وهو ما ‏يقارب نصف المليون طن.

ويضيف: "زادت أسعار هذه المنتجات بنسبة 40 إلى 90% عن ‏مثيلتها في هذا التوقيت من السنة الماضية بسبب جائحة كرونا، ‏منها، زيادة أسعار الذرة الصفراء في السوق الدولية بنسبة 90% ‏عن العام الماضي، ومعها زادت أسعار الأعلاف للضعف، ما ‏أدى إلى زيادة أسعار اللحوم الحمراء بنسبة 20% تقريبا، وكذلك ‏زادت أسعار الدواجن التي تمثل بروتين الفقراء بنسبة أعلى ‏وكذلك بيض المائدة".‏

الحماية الاجتماعية

وتابع بركات: "زادت أسعار زيت الطعام التمويني والحر بنسبة وصلت ‏إلى 25%، ما يمثل تآكل لقيمة الدعم النقدي البالغ 50 جنيه ‏للفرد وعبء على موازنة الغذاء للأسر المصرية التي سقط 60% ‏‏منها تحت خط الفقر، بسبب الإجراءات التقشفية التي ‏يفرضها صندوق النقد الدولي تحت مسمى برنامج الإصلاح الاقتصادي، ‏وبسبب فقدان ملايين العمال المصريين لمصدر الدخل ولقمة ‏العيش منذ ظهر وباء كورونا بداية العام الماضي.‏

ويرى أنه كنتيجة مباشرة سوف تزيد معاناة ‏المصريين في ظل امتناع الحكومة عن تقديم الدعم وتوفير ‏الحماية الاجتماعية، ومع زيادة أسعار الكهرباء والغاز ‏والمواصلات والمياه، قد تندلع احتجاجات شعبية تشبه التي وقعت ‏في 2008 وفي سنة 2011 وخاصة عند الوصول إلى نقطة ‏تراكم الديون وبيع جزء من الممتلكات من أجل شراء وتوفير ‏الطعام لأفراد الأسرة.‏

الحروب التجارية

ويرجع الخبير الاقتصادي، أحمد ذكرالله، الأزمة العالمية ‏للغذاء إلى قلة المعروض، وليس الإنتاج بسبب تفشي فيروس كورونا والحروب التجارية ‏العالمية، والتي أدت إلى المزيد من الشراء والتخزين من قبل الدول والشركات الكبرى، وهو ما ‏أحدث نوعا من العجز داخل الاقتصاد العالمي، وخاصة لدى ‏الدول التي لا تتمتع بالاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية.‏

ويشير إلى أن الأزمة ستلقي بظلالها على الأوضاع الاقتصادية ‏في مصر، وخاصة لأن معظم السلع الغذائية يتم استيرادها من ‏الخارج، لافتاً إلى أن ارتفاع الأسعار سينعكس على عجز في ‏الموازنة العامة للدولة، وبالتالي رفع الحكومة يدها عن التسعير ‏الجبري لبعض السلع، وزيادة أسعار السلع المدعومة، كما حدث ‏مؤخراً من رفع أسعار زيت الطعام.‏

تدمير البحوث الزراعية

في الوقت الذي يركز فيه العالم جهوده نحو تأمين احتياجاته ‏الغذائية سواء عن طريق التوسع الأفقي باستصلاح أراض ‏جديدة، أو عن طريق استنباط أصناف أكثر انتاجية، اتجهت ‏السلطات المعنية في مصر نحو تحويل أراضي مراكز ومعاهد ‏البحوث الزراعية لمشاريع عقارية.‏

وأكدت مصادر مطلعة بمركز البحوث الزراعية، في تصريحات ‏خاصة، أن هناك مخططاً ‏يتم الإعداد له للاستيلاء على أرض ‏محطة الجميزة للبحوث ‏الزراعية بالغربية، والتي تتعدى مساحتها ‏‏300 فدان بهدف ‏تحويلها لإسكان اجتماعي.‏

وتعتبر أرض محطة جميزة هي الخامسة ضمن فصول ‏الهجوم ‏على أراضي المراكز البحثية خلال الأشهر القليلة ‏الماضية، إذ تم ‏إخطار عميد كلية الزراعة بالمنوفية الشهر ‏الماضي بإخلاء أرض ‏مزرعة الراهب البحثية، والتابعة للكلية ‏والتي تقدر ‏مساحتها بحوالي 55 ‏فداناً، وتسليمها للجهة المنوط ‏بها إقامة ‏مشروع الإسكان الاجتماعي ‏بالمنطقة.‏

وتكرر نفس الأمر بمحطة بهتيم للبحوث الزراعية (380 فداناً)، ‏إذ ‏ذهبت ‏لجنة من القوات المسلحة لرفع إحداثيات أرض المحطة، ‏دون علم ‏القائمين ‏عليها، لإدراجها ضمن مشروعات التطوير ‏العقاري لمدينة شبرا ‏الخيمة.‏

مصادر بمركز البحوث الزراعية: مخطط ‏يتم الإعداد له للاستيلاء على أرض ‏محطة الجميزة للبحوث ‏الزراعية بالغربية، والتي تتعدى مساحتها ‏‏300 فدان بهدف ‏تحويلها لإسكان اجتماعي

وفوجئ الباحثون بمحطة كفر حمام ‏للبحوث الزراعية بالشرقية ‏بلجان مساحية لا يُعرف تبعيتها على ‏وجه التحديد (رئاسة ‏الوزراء- هيئة المجتمعات العمرانية- ديوان محافظة الشرقية) ‏لرفع إحداثيات أرض المحطة (36 فداناً) بهدف ‏إنشاء عمارات ‏سكنية، بحسب رد مسؤولي اللجان على تساؤلات ‏باحثي المحطة.‏

ووصف النائب محمد عبدالله زين الدين، عضو ‏مجلس ‏النواب، ما يحدث بأنه جريمة في حق الأراضي الزراعية، ‏إذ أن ‏تكلفة تعويض هذه المساحات يكبد الدولة المليارات، ‏بالإضافة ‏إلى عدم وصولها لنفس كفاءة إنتاج الأراضي القديمة.‏

يُشار إلى أن جهود المراكز البحثية أسفرت عن ‏نجاحات في ‏زيادة إنتاجية ‏العديد من ‏المحاصيل الإستراتيجية، إذ ‏تم رفع ‏إنتاجية فدان القمح من 10 ‏أرادب إلى ‏‏18 أردباً، والذرة ‏الشامية ‏من 13 أردباً إلى 25 أردباً، والأرز ‏من ‏‏2.4 طن إلى ‏‏4.2 ‏أطنان، وقصب السكر من 31.5 طنا للفدان إلى 50 ‏طنا للفدان، و‏بنجر السكر من 12 طناً إلى 21 طناً.‏

المساهمون