مصانع العالم تواجه تكاليف باهظة بسبب استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة

02 نوفمبر 2023
آسيا تتعرض لضغوط تتعلق بتضخم التكلفة وانكماش الإنتاج (فرانس برس)
+ الخط -

تتزايد النظرات التشاؤمية لمصير الاقتصاد العالمي في ظل القلق من اتساع نطاق الحرب الإسرائيلية المدعومة أميركيا على قطاع غزة، إذ بدأت الأضرار تتسرب إلى القطاعات الإنتاجية في مناطق متفرقة، لاسيما في آسيا، بسبب تعرضها لضغوط تتعلق بتضخم التكلفة وانكماش الإنتاج والطلبات الجديدة، بينما لا يزال الصراع محدوداً وانعكاساته ليست بالكبيرة على أسعار النفط حتى الآن.

وأظهرت مؤشرات مديري المشتريات التصنيعية التي نشرتها، أمس الأربعاء، مؤسسة "ستاندرد آند بورز غلوبال ماركت إنتليجنس" للتصنيفات الائتمانية ومصرف "أو جيبون بنك"، مواجهة غالبية دول آسيا صعوبات خلال أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بسبب تداعيات التطورات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط.

وتقدّم هذه البيانات إشارة مثبطة للاقتصاد العالمي، الذي تهدده حالة عدم اليقين بشأن الحرب بين جيش الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية واحتمال نشوب صراع أوسع في المنطقة.

واستمرت قراءات مؤشري مديري المشتريات في اليابان وكوريا الجنوبية في الانكماش بشكل حاد، مسجلة 48.7 نقطة و49.8 نقطة على الترتيب. وتوضح القراءة فوق مستوى 50 نقطة حدوث توسع للنشاط، بينما تُظهر أي درجة أدنى من ذلك حدوث انكماش.

كما عانت معظم دول منطقة جنوب شرق آسيا من الانكماش خلال الشهر الماضي، حيث تدهورت مؤشرات مديري المشتريات في كل من فيتنام وميانمار وتايلاند، بينما لم يطرأ تغير عليها في ماليزيا.

كما أن التعافي غير المنتظم يبدو جلياً في الصين، إذ أظهر مؤشر "كايشين" لمديري المشتريات تراجع مؤشر نشاط التصنيع إلى 49.5 نقطة في أكتوبر/ تشرين الأول من 50.6 نقطة في سبتمبر/أيلول. كما سجل مؤشر مديري المشتريات في تايوان انكماشاً، مسجلاً 47.6 نقطة لتستمر حالة التراجع المسيطرة منذ أشهر طويلة.

وقال أساما بهاتي، الخبير الاقتصادي لدى مؤسسة "ستاندرد آند بورز غلوبال ماركت إنتليجنس" في بيان مرفق بالبيانات الخاصة بكوريا الجنوبية: "كان التضخم مرتفعاً، والأقوى خلال العام الجاري حتى الآن، في ظل تقارير حول ارتفاع أسعار المواد الخام، لا سيما المرتبطة منها بالنفط"، مشيرا إلى أن الشركات تعرضت أيضا لضغوط بسبب تعرض العملات في دولها إلى ضغوط، ما رفع من تكاليف مدخلات الإنتاج.

وعلى الرغم من هدوء أسعار النفط بعد زيادات لافتة خلال الأيام الأولى لاندلاع عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها المقاومة الفلسطينية على مواقع عسكرية إسرائيلية وعدة مستوطنات متاخمة لحدود قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، فإن الحرب في منطقة الشرق الأوسط أثارت موجة من التقلبات على مدى الشهر الماضي، في وقت كانت مصانع آسيوية عديدة قد بدأت تستفيد من انحسار التضخم واتساع هوامش الأرباح.

وفي حال اندلاع صراع على نطاق أوسع في المنطقة، قد ترتفع تكاليف النفط الخام بشكل أكبر خلال الربع الجاري (من أكتوبر/ تشرين الأول إلى نهاية ديسمبر/كانون الأول)، وفق تقرير لوكالة بلومبيرغ الأميركية. كذلك، فإن أسعار الفائدة المرتفعة، أو تلك التي ترتفع أكثر، يُرجح أن تعيق أي خطط لتوسيع نشاط التصنيع.

ويتوقع أن تزداد حالة الانكماش التي تتعرض لها القطاعات الإنتاجية، وسط معاودة أسعار النفط الصعود مع حلول نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري. وتجاوز سعر خام برنت، الذي يُنظر له كمؤشر للسوق العالمية، 85 دولاراً للبرميل، واقترب من المستوى الذي بلغه قبل عملية "طوفان الأقصى"، فيما بلغ سعر خام غرب تكساس الوسيط الأميركي 81 دولاراً تقريباً.

ووفق تحليل للاقتصادي البريطاني مارتن وول، نُشر في الموقع الإلكتروني لصحيفة فايننشال تايمز، مساء الثلاثاء، فإن الكيفية التي سيتطور بها الصراع بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية سيكون لها آثار على الاقتصاد العالمي الذي يعاني بالفعل من سلسلة من الصدمات على مدى السنوات الأربع الماضية بفعل جائحة فيروس كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا المستمرة منذ فبراير/ شباط من العام الماضي 2022، وما تبعهما من موجات تضخم عالمية.

ووصف وولف التطورات الحالية في منطقة الشرق الأوسط بأنها "رعب"، لافتا إلى أن "حجم تداعياتها على الاقتصاد العالمي يعتمد على الإجابة عن سؤالين، هما ما مدى خطورة الحرب وتداعياتها السياسية؟ وإلى أي مدى يمكن أن تمتد؟ بالإضافة إلى ذلك، ما هي العواقب التي قد يتحملها الاقتصاد العالمي، إلى حد كبير (ولكن ليس حصراً) عبر أسواق الطاقة؟".

ووفق التحليل، فإن المخاوف لا تقتصر على الصراع الدائر بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، موضحا أن "الحرب العالمية الأولى بدأت كنزاع بين النمسا وصربيا، الحليفتين لقوتين أكبر.. وفي هذه الحالة، قد يُنظر إلى إسرائيل باعتبارها وكيلاً للولايات المتحدة، وحماس وحزب الله باعتبارهما وكيلين لإيران التي قد يتبين أنها وكيلة لروسيا أو حتى الصين".

وقال إن "سلسلة من الأحداث الكارثية قد تمتد إلى منطقة الخليج.. ويمكن أن يؤدي حتى إلى الصراع بين القوى العظمى، علاوة على ذلك، يمكننا أن نضيف أن الأنظمة في المنطقة قد تتزعزع بسبب الغضب الشعبي بسبب الفشل في مساعدة غزة". وأضاف أنه تنبغي أيضا الإحاطة بأن الحظر النفطي الذي ألحق أضراراً بالغة في العام 1973 لم يكن نتيجة مباشرة للحرب (بين إسرائيل ومصر وسورية)، بل كان استجابة سياسية من جانب منتجي النفط العرب".

وليست حرب 1973 وحدها التي مثلت صدمة لأسعار النفط عالمياً حينما ارتفعت الأسعار بنحو 52% في الفترة من 1973 إلى 1974، إذ أشار البنك الدولي في تقرير له، الاثنين الماضي، إلى أن الثورة الإيرانية في العام 1978 رفعت الأسعار بنسبة 48%، كما أن غزو العراق للكويت عام 1990 أدى إلى رفع متوسط أسعار النفط بعد ثلاثة أشهر بنسبة 105%.

وأضاف وولف: "إذا انتشرت الحرب، فهل ستكون لها أهمية؟ نعم بالتأكيد.. تعد المنطقة أهم منتج للطاقة في العالم". ووفقاً للمراجعة الإحصائية للطاقة العالمية لعام 2023، فإنها تحتوي على 48% من الاحتياطيات العالمية المؤكدة وأنتجت 33% من النفط العالمي في العام 2022. علاوة على ذلك، يمر خُمس إمدادات النفط العالمية عبر مضيق هرمز، الذي قد يمثل نقطة اختناق لإمدادات الطاقة العالمية حال اتساع الحرب.

ورغم أن كثافة النفط في الإنتاج العالمي انخفضت بما يقرب من 60% منذ سبعينيات القرن الماضي، كما تنوعت مصادر التوريد، والاحتياطيات الاستراتيجية أكبر لاسيما في الولايات المتحدة الأميركية، يظل النفط وقوداً حيوياً لوسائل النقل. كما يشكل الغاز الطبيعي المسال من الخليج أيضًا جزءاً مهماً من الإمدادات العالمية من الغاز الطبيعي. ومن شأن الانقطاعات الكبيرة في هذه الإمدادات أن يكون لها تأثير قوي على أسعار الطاقة والإنتاج العالمي ومستوى الأسعار الإجمالي، ولا سيما في المواد الغذائية.

وتأتي الحرب الإسرائيلية على غزة، فيما تضغط الحرب الروسية على أوكرانيا على الأسواق، إذ أحدثت "أكبر صدمة على أسواق السلع الأساسية منذ السبعينيات"، بحسب كبير خبراء الاقتصاد لدى البنك الدولي، إندرميت غيل، في بيان له قبل يومين، محذراً من أنه "على صانعي القرارات التيقظ.. إذا تصاعد النزاع، فسيواجه الاقتصاد العالمي صدمة طاقة مزدوجة لأول مرة منذ عقود".

ووفق البنك الدولي، فإن رفع الأسعار المحتمل سيعتمد على ما سيحدث لأسعار النفط العالمية والصادرات. وفي إطار سيناريو يعد متفائلا، يمكن للنفط أن يرتفع بنسبة ما بين 3% و13%، أي ما بين 93 دولارا و102 دولار للبرميل. ووفق سيناريو وسطي، يمكن أن ترتفع الأسعار إلى 121 دولارا، بينما سيبلغ النفط وفق أسوأ سيناريو ذروة تتراوح ما بين 140 و157 دولارا، ليتجاوز أسعارا غير مسبوقة منذ العام 2008.

في الأثناء، تستمر أسعار المواد الغذائية في الارتفاع بوتيرة أسرع من التضخّم في حوالي 80% من دول العالم، بحسب ما أفاد به البنك الدولي. وتتجلّى هذه الزيادة في الدول الأكثر فقراً أو النامية، حيث تشهد 60% إلى 80% منها ارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية بأكثر من 5%، بل إنّ هذه الزيادة تتجاوز 10% في العديد منها، فيما يتجاوز الارتفاع 30% على أساس سنوي في بعض الدول، مثل الأرجنتين ومصر وإيران ونيجيريا وباكستان، حيث زاد الفقر بشكل كبير أيضاً.

كما أن الاقتصادات المتقدّمة ليست بمنأى من هذه المسألة، حيث يرتفع سعر الغذاء بسرعة أكبر من معدّل التضخّم في 64% منها. وحذر الخبير الاقتصادي محمد العريان، من أنه مع اشتداد الصراع بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، تتزايد المخاطر على الاقتصاد العالمي، مشيرا إلى أن احتمال حدوث امتداد إقليمي يزيد من الشعور بعدم الارتياح.

وأضاف العريان وهو كبير المستشارين الاقتصاديين في مجموعة "أليانز" العالمية، في تصريحات لفضائية "سي أن بي سي": "كلما زاد خطر التصعيد، زاد خطر انتقال العدوى إلى بقية العالم من حيث الاقتصاد والتمويل"، مضيفا أن "مثل هذه العدوى ستؤدي إلى تفاقم القضايا السائدة بالفعل التي تواجه الاقتصاد العالمي، بما في ذلك ركود النمو والتضخم المرتفع بشكل عنيد وانقسام الأسواق بشكل أوسع".

المساهمون