يدخل إضراب المصارف اللبنانية أسبوعه الثاني، اعتراضاً على القرارات القضائية الصادرة بحق البنوك والتي تضعها في خانة "التعسفية"، وذلك في وقتٍ تواصل فيه العملة الوطنية مسار انهيارها، على وقع تسجيل سعر صرف الدولار أرقاماً قياسية جديدة تخطّت، صباح اليوم الاثنين، حاجز الـ115 ألف ليرة.
وسجل سعر صرف الدولار، صباح الاثنين، بين 114 ألفاً و116 ألف ليرة، الأمر الذي سيؤدي تلقائياً إلى ارتفاع أسعار المحروقات والسلع والمواد الغذائية التي أصبحت تسعّر بالدولار، وتحتسب وفق سعر صرف السوق السوداء وتبعاً للتطبيقات غير الشرعية، علماً أنّ السعر المعتمد يختلف بين سوبرماركت وآخر، وسط شكاوى من قبل المواطنين بتلاعب يطاول أيضاً التسعير بالدولار، في ظلّ غياب تام للأجهزة الرقابية، ما يزيد من ضرب القدرة الشرائية عند الناس.
وتبقى الأنظار أيضاً متجهة إلى دولار "صيرفة"، منصّة مصرف لبنان المركزي، الذي يشهد بدوره ارتفاعاً أصبح شبه يومي، ليبلغ الجمعة 80.200 ليرة، الأمر الذي يرتدّ تلقائياً على الخدمات المسعرة تبعاً لـ"صيرفة"، على رأسها الاتصالات، التي ارتفعت فاتورتها بشكل كبير بما يفاقم معاناة الناس، الذين تتواصل شكواهم من سوء الخدمة، رغم أنّ ذريعة رفع الأسعار المعتمدة من قبل وزارة الاتصالات، ارتبطت بوعودٍ بالتحسين وتوفير أفضل خدمة للزبائن.
وفي 14 مارس/آذار الجاري، قرّرت مصارف لبنان استئناف إضرابها "اعتراضاً على القرارات القضائية التعسفية" بحقها، التي عادت وفق تعبيرها تكيل بمكيالين، إذ تلزمها بقبول تسديد الديون العائدة لها بالعملة الأجنبية في ذمة المقترضين بشيك مسحوب على مصرف لبنان، أو بالليرة اللبنانية على أساس سعر صرف 1500 ليرة للدولار الواحد، فيما تلزم المصارف بتسديد أو تحويل الودائع بالعملة الأجنبية نقداً وبالعملة نفسها ولصالح بعض المودعين على حساب المودعين الآخرين.
وترى المصارف أنّ تعهدات السلطة لم تكن كافية لمعالجة الخلل، علماً أنّ قرارات عدّة اتُخذت بهدف "إرضاء" البنوك، وحثها على فك إضرابها السابق، أبرزها كان التدخل السياسي في عمل القضاء، من خلال كفّ يد النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، القاضية غادة عون، عن ملفات متصلة ببعض البنوك.
ويقول مصدرٌ في جمعية المصارف، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المصارف تواصل إضرابها في ظلّ غياب الحلول، وعدم قيام السلطات بعد بأيّ تحركٍ لحل الأزمة وتصحيح الخلل في المرفق القضائي، لكن هناك اجتماعات مكثفة لتقرير الخطوة المقبلة، وذلك على مسافة أيامٍ من نهاية الشهر، وما إذا كانت البنوك ستفتح أبوابها لتسيير بعض العمليات الضرورية، على رأسها رواتب الموظفين أم لا".
ويشير المصدر إلى أنّ "أبواب المصارف مقفلة منذ الأسبوع الماضي، لكنْ هناك فروع تفتح لأيام، منها لثلاثة في الأسبوع، وتستدعي الموظفين ضمن دوامات متفرقة للعمل من الداخل، وذلك بهدف تسيير بعض العمليات الضرورية والطارئة المرتبطة بالشركات، وضخ الأموال في الصرافات الآلية التي تبقى شغّالة لخدمة الزبائن، وضمنها (صيرفة) أيضاً للقطاع العام"، لافتاً في المقابل إلى أنّ نظام مقاصة الشيكات متوقف، عملاً بالإضراب".
ويلفت المصدر إلى أنّ "الآراء تتقاطع داخل الجمعية حول فاعلية الإضراب وجدواه، خصوصاً أنها ليست الخطوة الأولى التي تتخذها البنوك في هذا الإطار، لكن المؤيد لها يتمسّك بالاستمرار فيها من بوابة الضغط لتحقيق المطالب، رغم إدراكهم تداعيات الإقفال نقدياً ومصرفياً واقتصادياً، وزيادة النقمة الشعبية على المصارف، من هنا تأتي أهمية الإسراع في إيجاد الحلول، ومن واجب السلطة السياسية التحرك اليوم قبل الغد"، وفق قوله.
وترى جمعيات وروابط المودعين أنّ إضراب المصارف ما هو إلا ابتزاز من قبلها ضد السلطة القضائية والدولة، واستمرار لمحاولة فرض إقرار قانون "كابيتال كونترول" بصيغة يؤمّن لها الحماية القضائية، ويجعلها بمنأى عن المساءلة والمحاسبة، وذلك في ظل هجمة مودعين على الدعاوى القضائية ضدها في لبنان والخارج لاستعادة حقوقهم وأموالهم المحتجزة منذ أكثر من 3 سنوات.
ودعت "جمعية المودعين اللبنانيين" إلى التظاهر بعد غدٍ الأربعاء في ساحة رياض الصلح في بيروت "دفاعاً عن مودعي الليرة اللبنانية التي فقدت كل قيمتها، وعن الأموال المحتجزة في المصارف، وعن العسكريين والمتقاعدين وأصحاب التعويضات"، وفق بيان لها.
وعلى وقع الإضرابات التي تعمّ البلاد، وتعمّق شلل المؤسسات العامة والتروبية، ربطاً بالأزمة الاقتصادية وتآكل قيمة الأجور بالعملة الوطنية وسط غلاء فاحش غير مسبوق ودولرة أكثرية القطاعات، تواصل الهيئة الإدارية لرابطة موظفي الإدارة العامة إضرابها، بعد قرارها الأخير تمديده لأسبوعين إضافيين حتى يوم الجمعة 31 مارس، على مستوى جميع المناطق، داعية إلى اعتصامين يومي الثلاثاء والأربعاء، تاركة الاحتمالات مفتوحة على الخطوات التصعيدية.
وأشارت الهيئة، في بيان لها، إلى أنه "تبين من تعاطي الحكومة مع مطالب الموظفين المحقة إصرار على سياسة ضرب الإدارة العامة وإفراغها من موظفيها بعد إفقارهم وعائلاتهم بالراتب الهزيل، من خلال هجرة البعض واستقالة البعض الآخر".
ولفتت إلى أنّ "الحكومة لم تجد حلاً لتحويل الرواتب إلى دولار عبر سعر موحد للموظفين الإداريين يتلاءم مع الحد الأدنى مما خسرته رواتب الموظفين، والتي طالبنا أن تكون كما الدولار الرسمي 15 ألف ليرة، وبدل نقل عن كل يوم حضور بين 7 و10 ليترات بنزين، (حسب المسافة عن مركز العمل)، مع العلم أنّ القرار أو البحث في إعطاء بدل إنتاجية للموظفين تآكل بارتفاع الدولار قبل إقراره، الأمر الذي يثبت صحة رفضنا له ما لم يرتبط بسعر صرف ثابت".
وكرّرت الهيئة مطالبها لجهة تصحيح الرواتب وبدل النقل، وتأمين الاستشفاء ومنح التعليم.
وأصدرت وزارة الطاقة والمياه اللبنانية جدولاً جديداً بأسعار المحروقات، صباح الاثنين، تضمن زيادة كبيرة دفعت بصفيحتي البنزين 95 و98 أوكتان إلى تجاوز خطّ المليوني ليرة.
وزادت أسعار البنزين 95 و98 أوكتان 54 ألف ليرة، والمازوت 51 ألف ليرة، والغاز 36 ألف ليرة، وأصبحت الأسعار على الشكل الآتي: بنزين 95 أوكتان 2044000 ليرة، بنزين 98 أوكتان 2092000 ليرة، المازوت 1932000 ليرة وقارورة الغاز 1361000 ليرة.