وسط ظروف الحرب الشرسة على قطاع غزة، تتوقع تقارير أن تضطر البنوك الإسرائيلية إلى زيادة مخصصاتها لتغطية الديون المتعثرة والمشكوك في تحصيلها والخسائر في سوق المال بسبب هروب المستثمرين الأجانب وسحب الودائع والإقبال على شراء الدولار وتخزينه.
وحتى الآن تراجع مؤشر البنوك الكبرى في بورصة تل أبيب بنسبة 20% منذ بدء عملية "طوفان الأقصى". وجاء التراجع بعد فترة أرباح قياسية بلغت 14 مليار شيكل في النصف الأول من العام الجاري 2023 وعائد أكثر من 10% على الأسهم. ويتوقع مصرفيون أن تواجه الصناعة المصرفية الإسرائيلية المزيد من التراجع خلال العام الجاري بسبب كلفة الحرب على غزة التي من غير المعروف حتى الآن كم ستأخذ من الزمن، وكلفتها المالية، وكيف ستؤثر بالنشاط الاقتصادي في البلاد، بما فيه قطاع البنوك.
وحسب تقرير البنك المركزي الإسرائيلي "بنك إسرائيل"، الصادر في بداية الأسبوع الجاري، تواجه الصناعة المصرفية الإسرائيلية مخاطر مالية في قطاعي العقارات والبناء، إضافة إلى المخاطر المتزايدة في سوق السندات. ويتوقع التقرير أن تؤدي القيود المفروضة على دخول العمالة الفلسطينية بسبب الحرب إلى عرقلة أداء شركات البناء والعقارات، وبالتالي تراجع التمويل العقاري. ومنعت دولة الاحتلال نحو 150 ألف عامل فلسطيني من العمل داخل الأراضي المحتلة، من بينهم 130 ألفاً من الضفة الغربية، وما يزيد على 18 ألفاً من قطاع غزة.
وكانت البنوك واحداً من الأسباب التي رفعت مؤشر الخدمات المصرفية في بورصة تل أبيب قبل الحرب على قطاع غزة، حيث ارتفعت بنسبة 12% في سبتمبر/أيلول الماضي، لتصل إلى ذروة تاريخية. لكن عملية "طوفان الأقصى"، غيرت كل ذلك، وحولت الأرباح إلى خسائر.
وحسب تقرير بنشرة "غلوبس" المالية في تل أبيب، فإنه منذ بداية الحرب، وحتى 23 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، تراجع مؤشر المصارف المدرجة في البورصة بنسبة 20%، ليدفع ذلك المؤشر العام إلى الانخفاض بنسبة 6% خلال العام الجاري. ويُبنى مؤشر البنوك في بورصة تل أبيب على البنوك الكبرى، وهي لئومي، وهبوعليم، وديسكونت الإسرائيلي، ومزراحي تفاهوت، وبنك إسرائيل الدولي الأول.
وإلى جانب البنوك الوطنية، يوجد في إسرائيل خمسة بنوك أجنبية لها أنشطة تجارية في البلاد، وهي مصارف "سيتي بنك إن إيه"، وبنك "إتش إس بي سي" وبنك باركليز ومصرف "بي إن بي باريبا إسرائيل" و"ستيت بنك أوف إنديا". وبالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من البنوك الأجنبية المتخصصة في إدارة الثروات، ولها تمثيل في تل أبيب، من بينها بنك جوليوس باير وشركاه، وبنك لومبارد أودييه وشركاه، وبنك "بيكتيت وسيا إس إيه".
ويقول التقرير، منذ بداية عملية "طوفان الأقصى": تراجع سهم "لئومي" بنسبة 22%، وانخفض سهم "ديسكون" و"فيرست إنترناشيونال" بنسبة 20.4%، وهبوعليم بنسبة 18%، ومزراحي تفاحوت بنسبة 17.1%. ويرى محللون أن أسهم البنوك الإسرائيلية تتجه نحو مزيد من التراجع وسط الحملة العسكرية الشرسة على غزة. وتعتقد مصادر السوق في تل أبيب، أنه كلما طال أمد القتال، زاد عدد المستثمرين الذين يبيعون أسهمهم في البنوك الإسرائيلية التي يجري تداولها في بورصة تل أبيب.
في هذا الصدد، يقول نائب رئيس الأبحاث في شركة "ليدر كابيتال ماركتس"، ألون غليزر، إنه "يجب الفصل بين وضع البنوك وما يحدث لأسهمها". ويعزو انخفاض قيمة أسهم البنوك الكبرى إلى عاملين، هما الزيادة المتوقعة في المخاطر، وهو ما يعني أن المستثمرين الأجانب يبيعون أسهم البنوك، وهي خطوة مفهومة للغاية بسبب الحرب. أما العامل الثاني، فهو الأضرار المتوقعة على أنشطة البنوك، إذ إن البنوك واحد من القطاعات الوحيدة التي يوجد فيها استثمارات أجنبية كبيرة.
من جانبه، يقول رئيس أبحاث الأسهم في شركة بساغوت للأوراق المالية، ميخا غولدبيرغ، إن البنوك من بين القطاعات الأكثر جذباً للمستثمرين الأجانب، وبالتالي فهي الأكثر تأثراً بالحرب الجارية حالياً على قطاع غزة. ويوضح قائلاً: "عليك أن تتذكر أن النظام المالي هو الصناعة الأساسية والأكثر أهمية في تل أبيب من حيث التداول، كذلك فإن المؤشر المصرفي هو أيضاً المؤشر الأسهل للدخول والخروج بالنسبة إلى المستثمرين في البورصة".
في ذات الصدد، يقول عيدان أزولاي، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة سيغما للاستثمار، إن البنوك نوع من المقياس للاقتصاد الإسرائيلي".
وعن الانهيار الحاد في سعر سهم مصرف ليئومي، يشير غولدبيرغ إلى أن الأمر عبارة عن مزيج من عدة عوامل.
ويضيف: "من المحتمل أن يكون بسبب أن المستثمرين الأجانب يمتلكون حصة في البنك أكبر، مقارنة بالحصص الأجنبية في البنوك الأخرى، وبالتالي كان البنك الأكثر تأثراً بالحرب، كذلك لديه كيان فرعي يتاجر بالأسهم. ويضاف إلى ذلك، تداعيات المخاوف بشأن التعرض الكبير للمحفظة الائتمانية للبنك لقطاع العقارات، وعوامل أخرى أصغر".
وخفضت وكالة ستاندرد أند بورز يوم الأربعاء نظرتها المستقبلية للاقتصاد الإسرائيلي من مستقرة إلى سلبية، ووضعت وكالة موديز العالمية البنوك الإسرائيلية قيد المراجعة لتخفيض تصنيفها الائتماني، بسبب الخسائر المتوقعة من الحرب وتداعياتها على النمو الاقتصادي والإنفاق الاستهلاكي في إسرائيل.
ويتوقع محللون أن تضرّ الحرب على غزة بأنشطة البنوك، إلى جانب المستثمرين الأجانب وحجم التداول المرتفع. ويتمثل الخطر الرئيسي على البنوك بزيادة صعوبة سداد قروض الشركات والأسر، وخصوصاً في قطاع العقارات.
وترى وكالة التصنيف الإسرائيلية "ميدروج" أن المخاطر قد تقود إلى تراجع ربحية البنوك الإسرائيلية، ولكنها تضيف: "في هذه المرحلة، لا نتوقع مخاطر كبيرة على السيولة بالنظام المصرفي، نظراً للاستقرار في ودائع التجزئة طوال السنوات الماضية".
وفي ذات الصدد، يقول غليزر من شركة "ليدر كابيتال ماركتس": "من الواضح أن الحرب تشكل تهديداً للمحافظ الائتمانية الكبيرة جداً للبنوك، ونفترض أن البنوك سترفع من مخصصاتها في نهاية الربع الجاري لتغطية الخسائر".
وكانت البنوك قد رصدت 1.5 مليار شيكل في الربع الثاني من المخصصات للخسائر المتوقعة. كذلك يتوقع غليزر أن تضطر البنوك إلى الاستمرار في تقديم فوائد مضطربة للعملاء، ما يعني خسارة في الدخل، ولكن التهديد الأكبر يدور حول مسألة مدى حجم مخصصات الائتمان لمواجهة الديون المتعثرة.
ومن بين العوامل الرئيسية في تحديد نتائج البنوك، مسار سعر الفائدة التي سيحددها البنك المركزي الإسرائيلي. وتركت اللجنة النقدية في "بنك إسرائيل" سعر الفائدة دون تغيير عند 4.75% هذا الأسبوع، وذلك بشكل أساسي لدعم الشيكل، لكن معظم المحللين يعتقدون أن البنك المركزي لن يكون لديه خيار في القرار التالي في ديسمبر/كانون الأول، سوى خفض السعر لتحفيز النمو الاقتصادي الذي تدهور بسبب الحرب على قطاع غزة.