مشعوذة ترامب ومعجزة إنقاذ الاقتصاد الأميركي

30 اغسطس 2022
بولا وايت أثناء أدائها طقوساً في محاولة لإنجاح ترامب (تويتر)
+ الخط -

لا أعرف لماذا قفز إلى ذهني فيديو لمشعوذة أميركية كانت تقوم في العام 2020 بحركات سحرية وبهلوانية لمساعدة دونالد ترامب في الفوز في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وهزيمة أعدائه وضمان فوزه بفترة رئاسية ثانية، وذلك عندما كنت أتابع تصريحات خطيرة أدلى بها ستيفن روتش، الخبير الاقتصادي السابق لدى مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي)، يوم الأحد، والتي قال فيها إن الاقتصاد الأميركي يحتاج إلى معجزة، وإن الأسوأ لم يأت بعد، وإن الولايات المتحدة نفسها بحاجة إلى معجزة لتجنب الركود، كما توقع أن يغرق الاقتصاد العالمي أيضًا في ركود، وهو ما تستتبعه أزمات عنيفة تطاول الجميع.

صحيح أن المشعوذة لاقت سخرية الملايين حول العالم، وخاصة أنها كانت تقوم بحركات غريبة وتردد طلاسم وكلمات غير مفهومة مثل "اماندا هاتا راتا كاتا باكا ساندا"، خلال إقامة صلاة حماسية لنصرة ترامب في الانتخابات شاركت فيها مجموعة من السحرة والمشعوذين.

لكن الخبير الاقتصادي الأميركي المرموق كان يتحدث بمنتهى الجدية في حديث مع قناة "سي إن بي سي" عن المخاطر الاقتصادية العنيفة التي تواجه بلاده حيث مخاطر تضخم هي الأعلى في 40 سنة وأزمات الركود والإفلاس والبطالة وخروج الملايين من الأميركيين من سوق العمل وتفاقم أزمات الدين العام، وتشديده على أن الانكماش الاقتصادي في الولايات المتحدة خلال النصف الأول من العام قد يكون بمثابة نذير لتراجع أعمق بكثير قد يستمر حتى عام 2024.

روتش لمن لا يعرفه هو رئيس بنك مورجان ستانلي آسيا العملاق التابع لأكبر بنك استثماري في العالم، ويصنف على أنه واحد من أبرز مديري الأموال حول العالم، وهو عضو هيئة التدريس بجامعة ييل المرموقة، ولذا فإن تحذيره يتم أخذه على محمل الجد.

كلام روتش سبقه تحذير مهم آخر صادر عن السيناتورة إليزابيث وارين، التي نافست جو بايدن في سباق الترشح للرئاسة عن الحزب الديمقراطي في انتخابات 2020، ويكشف عن عمق أزمة الاقتصاد الأميركي الذي بات محصورا بين تضخم جامح وركود حاد، حيث قالت إن أسعار مرتفعة مع ملايين العاطلين أسوأ كثيراً من أسعار مرتفعة مع اقتصاد قوي.

تحذير سقوط الاقتصاد الأميركي في مستنقع الركود التضخمي من قبل مؤسسات أميركية وعالمية كبرى لا يحمل أي نوع من المبالغة، والدليل التصريحات التي أطلقها قبل أيام رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم بأول، وأكد فيها مواصلة البنك المركزي رفع أسعار الفائدة لكبح جماح التضخم المتسارع، محذرًا من أن رفع الفائدة قد يتسبب في بعض الألم للاقتصاد الأميركي.

وهذا التحذير يعني ببساطة أن البنك المركزي الأميركي قد يرفع سعر الفائدة بنسبة 0.75% عندما يجتمع مجلس إدارته الشهر المقبل.

وبالطبع فإن هذا الرفع سيحدث هزات في أسواق المال والبورصات العالمية خاصة في الأسواق الناشئة، خاصة وأن البنك رفع الفائدة 4 مرات خلال عام جاري، وهو ما أدى إلى هروب الأموال الساخنة من اقتصادات الدول النامية، وكلنا شاهنا تأثيرات ذلك على عملات وبورصات تلك الدول.

إذا كان هذا هو حال أقوى اقتصاد في العالم، فما هو حال اقتصادات معظم الدول العربية الهشة أصلا والتي تقف في مهب رياح الديون والتضخم وقفزات أسعار الحبوب والسلع الأساسية والوقود والضرائب وعجز الموازنات العامة، وقبلها انتشار الفساد وسوء إدارة المال العام وإنفاق مليارات الدولارات على مشروعات لا تمثل أولوية للاقتصاد والمواطن. وكذا على القصور والطائرات الرئاسية والأسلحة. 

وإذا كان الرفع التاريخي لأسعار الفائدة على الدولار لم يكبح التضخم الأميركي فهل يستعين جو بايدن بساحرة للتغلب على الأزمات العنيفة التي يمر بها اقتصاد بلاده كما استعان سلفه ترامب بساحرة لإنقاذه من خسارة الانتخابات الرئاسية؟

المساهمون