- الزيارة التاريخية لأردوغان إلى بغداد وتوقيع 20 اتفاقية تعاون تبرز الاهتمام الإقليمي بالمشروع، مع دعم من تركيا، العراق، قطر، والإمارات.
- الآراء حول نجاح المشروع متباينة، مع تأكيد على الفرص الاقتصادية الكبيرة والتحديات الجيوسياسية والأمنية في تحقيق التنمية الإقليمية.
على الرغم من الأهمية الاستراتيجية لمشروع طريق التنمية على مستوى تنافس موازين القوى عالمياً من باب الاقتصاد في المنطقة، تتأرجح رؤية الخبراء لهذا المشروع بين من يؤكد منافعه ونقاط قوته ومن يحذر من نقاط ضعف تعتريه. فما هو طريق التنمية وماذا يقول الخبراء بشأنه؟
معلوم أن طريق التنمية أو القناة الجافة مشروع عراقي لربط سككي وبري بين تركيا وأوروبا شمالاً والخليج العربي جنوباً، لنقل البضائع بين الخليج وأوروبا، وقد ذكرت رئاسة مجلس الوزراء العراقي في 27 مايو/ أيار 2023، أن المشروع سيخدم المنطقة اقتصادياً وسينقل البضائع من أوروبا إلى الخليج وبالعكس عبر العراق، مشيرة إلى أن تكاليفه تصل الى 17 مليار دولار، وسيُنجز بمدة قياسية، ابتداءً من سنة 2024 حتى سنة 2028.
والسكة الحديدية المخططة من ساحل الخليج حيث ميناء الفاو الكبير العراقي في جنوب العراق إلى منفذ فيشخابور العراقي المتاخم للحدود التركية شمالاً، يبلغ طولها 1175 كيلومتراً، فيما طول الطريق البري بين الفاو ومنفذ فيشخابور 1190 كيلومتراً، ولكل من سكة الحديد والطريق البري مسار، فلا يلتقيان إلا في شمال محافظة كربلاء، ليستمر سيرهما متقاربين حتى منفذ فيشخابور.
وكانت لافتة على صعيد الاهتمام الإقليمي بالمشروع، زيارة هي الأولى منذ 13 عاماً سجلت نهاية حقبة طويلة من الخلافات والتوترات، عندما وصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 22 إبريل/ نيسان الماضي على رأس وفد رفيع المستوى من حكومة أنقرة إلى بغداد، حيث وقع مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني 20 اتفاقية للتعاون بين البلدين.
وقد أتاحت هذه الزيارة التاريخية للبلدين الفرصة لمناقشة عدد من القضايا بالغة الأهمية لكليهما، ومنها: مكافحة حزب العمال الكردستاني الانفصالي، وتطوير البنى التحتية التي من شأنها الربط بين تركيا ودول الخليج، وكذا النزاعات المتعلقة بالموارد المائية وإصلاح خط أنابيب نفط كركوك. ويرى بعض المراقبين أن أردوغان كان على استعداد، في سبيل إقناع حكومة بغداد، للعب بورقة إطلاق ممر تجاري جديد هو طريق التنمية.
لكن ما رأي الخبراء بمشروع طريق التنمية العراقي؟
في هذا الصدد، قالت المديرة العلمية لمرصد تركيا في مركز دراسات السياسة الدولية في روما (CeSPI) فاليريا جانوتا إنه "يتعين علينا النظر إلى اتفاق مشروع طريق التنمية، الموقَّع أخيراً بين تركيا والعراق وقطر والإمارات، تحت رعاية الرئيس التركي ورئيس الوزراء العراقي، من زاوية أهميته الثورية، وذلك لأنه يهدف إلى توطيد الترابط والعلاقات الإقليمية من خلال التركيز على الربط وتعزيز التجارة".
وفي حديث خاص لـ"العربي الجديد"، قالت إن "هذا الاتفاق يستهدف في المقام الأول تطوير شبكات السكك الحديدية والطرق السريعة التي تربط ميناء الفاو الكبير في البصرة، مروراً بالمدن العراقية الرئيسة، بتركيا. وفي هذا السياق، تعد البصرة مركزاً مهماً للبضائع القادمة من الخليج التي من المفترض نقلها من ثم إلى تركيا والسوق الأوروبية"، مضيفة أنه "بمجرد الانتهاء منها، من المقرر أن تغطي البنى التحتية للطرق والسكك الحديدية مسافة 1200 كيلومتر، ومن الحدود التركية ستكون هي القناة الأساسية للوصول إلى ميناء مرسين وسط البحر المتوسط، ومنه ستنفتح المسارات التجارية نحو إسطنبول وأوروبا".
واعتبرت أن "المشروع يحمل السمة الاستراتيجية من وجهات نظر مختلفة: أولاً وقبل كل شيء، لإسهامه في تنمية واستقرار منطقة مزقتها الصراعات لفترات طويلة للغاية، وذلك من خلال إعادة دمجها في سياق سوق إقليمي وعالمي. وعلاوة على ذلك، فمن خلال وضع تركيا والعراق كمراكز مرور رئيسية، فإن الهدف تقليل زمن السفر بين آسيا وأوروبا وتسهيل زيادة التكامل التجاري".
وفي هذا الصدد، تلعب تركيا دوراً رئيسياً باعتبارها معبراً من وجهة النظر الجغرافية سواء إلى أوروبا أو آسيا، ومن هنا فإن فكرة إنجاز ممر استراتيجي هي المبدأ الأساسي لهذا المشروع. ويعد طريق التنمية، وفقاً للخبيرة الإيطالية، ممراً بديلاً أُريد به عن عمد الالتفاف على الانقطاعات المحتملة في مسارات محورية أخرى.
وتابعت أن "من شأن المشروع، بعد تدشينه، أن يقلل كثيراً من وقت الشحن، ومن المحتمل أن ينجز عمليات الشحن من رأس الرجاء الصالح والبحر الأحمر في 25 يوماً فقط، مقارنة بالوقت الحالي الذي يراوح بين 35 إلى 45 يوماً تقريباً".
وختمت جانوتا بقولها إنه "على الرغم من أن مشروع طريق التنمية يهدف إلى خلق أنشطة اقتصادية إنتاجية، وأن يحدث بالتالي أثراً إيجابياً على اقتصادات تركيا والعراق، فإن من الضروري أن يكون مصحوباً باتفاقيات ناجعة تهدف إلى مكافحة الجرائم والمنظمات الإرهابية وضمان الرفاهية والأمن".
بدوره، اعتبر المحلل الاقتصادي الإيطالي أندريا موراتوري أن "هذا الاتفاق، الذي يضم شريكين كبيرين آخرين هما الإمارات وقطر، يحمل قيمة استراتيجية بالغة الأهمية، وذلك لأن أردوغان قارئ جيد للتاريخ ويدرك أن هذه المبادرة ما هي إلا النسخة الحديثة من مشروع خط السكة الحديد الكبير بين إسطنبول والخليج، الذي رغبت فيه الإمبراطورية العثمانية قبل الحرب العالمية الأولى بدعم واضح من ألمانيا الإمبريالية التي كانت ترى فيه أحد أشكال التأثير في تمركزات بريطانيا في الشرق الأوسط والهند".
وتابع موراتوري، في مقال نشره موقع "إنسايد أوفر" الإيطالي تحت عنوان "أردوغان يستولي على العراق ويطلق الحرب على حزب العمال الكردستاني" بتاريخ 24 إبريل/ نيسان الماضي، أن "الحديث يدور الآن عن إمكانية تجاوز البحر الأحمر واستغلال تضاريس العراق الجبلية المواتية في التغلب على المصاعب والخروج من عنق الزجاجة، من خلال هذا المشروع الكبير الذي عليه مواجهة منافسة مهمة من قبل مبادرة الحزام والطريق الصينية والممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC)".
وفي السياق، رأى الباحث الجيوسياسي الإيطالي البارز فرنشيسكو ساسّي بمؤسسة "Rie" الإيطالية لأبحاث الصناعة والطاقة أننا "بصدد مشروع طموح للغاية، إلا أنه يستند إلى أسس هشّة، ومن السابق لأوانه الآن القول إنه يمكن أن يكون بديلاً محتملاً لممر مهم مثل قناة السويس أو البحر الأحمر".
وأضاف ساسّي، في حديث خاص لوكالة "نوفا" الإيطالية للأنباء نشرته بتاريخ 27 إبريل/ نيسان الماضي تحت عنوان "ساسّي لـ"نوفا""، أنّ "من المعقد التكهن بمدى إمكانية أن يكون طريق التنمية منافساً للممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا (IMEC)، وذلك لأنه يرتكز على أسس هشة وأقل استقراراً من تلك الخاصة بهذا الأخير".
وما يجعل أسس هذا المشروع هشّة، بحسب ساسّي، أنه يضم 4 دول هي العراق وتركيا وقطر والإمارات ولدى كل منها اهتمامات مختلفة، في سياق من التوترات المتصاعدة، بحسب ساسّي الذي أوضح أن "لتركيا والعراق موقفاً واضحاً من الحرب في قطاع غزة. وعلى وجه الخصوص أنقرة التي تدعم حركة حماس صراحة، في الوقت الذي تحاول فيه قطر دعم الدبلوماسية الإقليمية، في حين تبرز الإمارات بوصفها أكثر دول المنطقة دعماً لإسرائيل، علاوة على كونها الوحيدة من بين الدول الأربع التي تشارك في ممرIMEC، وبالتالي فإن ثمة أيضاً نوعاً من الازدواجية".
ورأى أن "فكرة مشروع طريق التنمية تمخضت عن نيّات محددة بوضوح ومرتبطة بالدور الطليعي السياسي والاقتصادي لأنقرة وبغداد في سياق التوترات الحالية في الشرق الأوسط. والحقيقة أن ثمة جانباً جيوسياسياً يقف أيضاً وراء الرغبة في إنشاء ممر يتجنب السعودية وإسرائيل، اللتين تجمعهما في المنطقة مواقف قريبة جداً من مواقف إدارة جو بايدن الأميركية"، مشيراً إلى أنه "سيتعين، من ناحية أخرى، على مشروع طريق التنمية مواجهة واقع سياسي واقتصادي يلقي بظلاله على المستثمرين والاستثمارات، شأنه في ذلك شأن الممر الهندي IMEC".
وأعرب عن "تفهمه للرغبة الصادقة في أن يضم المشروع شركاء دوليين، وفي هذه الفترة تبدو المخاطر التي تطاول جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط: من مضيق هرمز إلى لبنان، ومن البحر الأحمر إلى كردستان العراق، قوية للغاية، ومن شأنها إلحاق الضرر بأي مشروع يعتمد بالضرورة على الدعم المالي من قبل مؤسسات التمويل العالمية والمنظمات الدولية".
وتابع الباحث الإيطالي أنه "في ظل الحرب في قطاع غزة والأزمة في البحر الأحمر والتصعيد المحتمل بين إسرائيل وإيران، يجب القول إن السيناريو الدولي هو الآن خارج عن سيطرة الدبلوماسية، التي تعتبر قطعة الفسيفساء الأخيرة التي من شأنها تجنب وقوع انفجار أكبر للسياق الإقليمي"، مضيفاً أنه "في حالة الهجوم المحتمل من جانب تركيا ضد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، فقد يزداد وضع عدم الاستقرار سوءاً، ما يجعل من المحتمل ألّا تعرّض أي شركة غربية لبناء السكك الحديدية نفسها للخطر من خلال تمويل أعمال في سياق من العنف المحتدم بين الدول".
ورداً على سؤال عن البرنامج الزمني لإنشاء واستكمال مشروع طريق النهضة، رأى ساسّي أنه بما أن هذه العمليات تتأثر مباشرةً بالسياق الجيوسياسي، فإني أتوقع سيناريو طويل المدى لتطويرها".