تبرز حرب من نوع آخر مع بدء كل موسم زراعي في اليمن، أهمها تلك التي يخوضها المزارعون مع الآفات النباتية بشكل متواصل، في ظل تصاعد انتشارها، وتوسّع أضرارها التي تكلّفهم الكثير من الجهد والمال وخسارة المحاصيل.
وتحصي وزارة الزراعة والري اليمنية ما يزيد عن 1000 نوع من الآفات النباتية تهاجم عدداً من المحاصيل في البلاد تزيد عن 55 محصولاً زراعياً كالفاكهة والخضار، والحبوب، والمحاصيل النقدية (محاصيل تُزرع من أجل الربح)، والزيتية.
ويوضح الخبير الزراعي في الإدارة العامة لوقاية النبات التابعة لوزارة الزراعة والري، سعد مصلح لـ"العربي الجديد"، أن اليمن يعيش على وقع تغير مستمر حاصل في التركيب المحصولي والنباتي وتقلبات في الطقس خارجة عن المألوف، وارتفاع درجة حرارة الأرض، إضافة إلى الاستخدام المفرط والعشوائي للمبيدات.
وتحذر الإدارة العامة لوقاية النبات من الأصناف واسعة الطيف، في ظل الانفتاح التجاري على الأسواق العالمية وفوضى الاستيراد، والإسراف في استخدام بعض الأسمدة، مثل النتروجين، والذي يجعل النباتات أكثر حساسية للإصابة بالأمراض والآفات.
ويوكد مسؤول في وزارة الزراعة والري اليمنية، فضل عدم الإشارة إلى هويته، لـ"العربي الجديد"، أن اليمن استقبل عدداً من الآفات النباتية المهاجرة العابرة للحدود بشكل تصاعدي خلال السنوات الماضية، منها آفات مثّلت خطراً دائماً على المحاصيل، كونها تهاجم المحاصيل في مختلف المواسم الزراعية، لافتاً إلى تدشين عدد من الخطط والتدخلات لمساعدة المزارعين على طرق الحماية والوقاية، بالتزامن مع حملة إرشادية لتعريفهم بأصناف البذور عالية الإنتاج والجودة.
وتهاجم دودة "الحشد الخريفية" محصول الذرة الشامية باستمرار في مختلف مناطق زراعته، بينما تتعرّض محاصيل الفاكهة إلى عدد كبير من الآفات الزراعية، معظمها حشرات، والتي تتسبب في إتلاف كميات كبيرة من المنتجات، كما هو حاصل في المانجو والبطيخ، فيما تهاجم "الحشرات القشرية" الحمضيات باستمرار وتعاني محاصيل مثل الموز والفرسك (دراق) والتفاح من الثربس (نوع من الحشرات يهاجم العنب أيضاً) والعناكب، ويغزو الدوباس النخيل، والمنّ الحمضيات واللوز والرمان. كما تعاني محاصيل الخضراوات من مجموعة واسعة من الآفات والحشرات أيضاً.
مُزارع فاكهة العنب في منطقة بني حشيش شرق صنعاء، علي أحمد، يتحدث لـ"العربي الجديد"، بأن فاكهة العنب من أكثر المحاصيل التي تغزوها الآفات والحشرات الزراعية، أخطرها البياض الدقيقي الذي يعجز كثير من المزارعين عن مواجهته ومكافحته بفاعلية لافتقاد الوسائل والإمكانيات المناسبة التي تساعدهم على ذلك.
بينما يشير مزارع حبوب في محافظة الجوف، شهاب صارم، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى عدد من التحديات التي تواجههم في زراعة هذا المحصول مثل ظهور الأصداء والأمراض في البذور، في حين يعتبر المزارع في محافظة أبين جنوبي اليمن، بدر ناشر، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الآفات النباتية الزراعية تكبدهم خسائر واسعة وفقدان كميات كبيرة من إنتاج المحاصيل يقدرها بحوالي 15%، وتزيد عن 20% في بعض المحاصيل.
واعتاد مزارعون يمنيون على اتباع وسائل المكافحة الميكانيكية في وقاية مزروعاتهم، إضافة إلى طرق أخرى مثل جمع الكثير من "اليرقات" بأيديهم، إلى جانب حماية مزارعهم من أسراب الجراد بالأهازيج وقرع الطبول، أو من خلال وضع أعمدة، أو عيدان ملبسة بأقمشة ملونة على شكل إنسان في أطراف الحقول، وتعلق عليها علبة معدنية أو حديدية، لتعطي صوتاً مع حركة الرياح.
الباحث الزراعي عبد العزيز القطيبي، يشدد في حديثه لـ"العربي الجديد"، على ضرورة قيام الجهات المعنية بواجبها تجاه المزارعين والقطاع الذي يأتي في مقدمة القطاعات التشغيلية في البلاد.
ويصاب مزارعون بالارتباك في حال تعرّض حقولهم لآفة مهاجرة، أو في حال حدوث "فوران وبائي" داخلي لأية آفة نباتية على أي محصول، إذ يدفع ذلك البعض إلى الاستخدام المكثف والعشوائي خلال فترة زمنية طويلة للمبيدات، نتيجة الخوف على المحصول، الأمر الذي يؤدي إلى بروز عدد من المخاطر التي تهدد بخسائر جسيمة وفقدان الموسم الزراعي.
ويرى خبراء زراعة ومختصون في وقاية النبات، أن الاعتماد الكلي على المبيدات في مكافحة الآفة قد يكون له انعكاسات سلبية على المحصول والمزارع والمستهلك والبيئة على حدٍ سواء.
في السياق، يؤكد الباحث الاقتصادي صادق علي، لـ"العربي الجديد"، أن اليمن بحاجة لإنشاء بنك خاص بالبذور، خصوصاً التي يجمعها المزارعون في مواسم الحصاد، بهدف الحفاظ على بذور الأصناف المحلية المحسنة بصورة نقية تحسّن من الإنتاجية والجودة، إذ يعتبر ذلك من الخطوات المهمة التي بإمكانها أن تشكل مع إجراءات وتدخلات أخرى قاعدة حماية صلبة للمنتجات الزراعية، إضافة إلى ضرورة الاهتمام بالمحميات "الشبكات" للمحافظة على الحقول الزراعية وسلامة وجودة المحاصيل.
وتنصح وزارة الزراعة والري اليمنية المختصين في وقاية النبات بأن يكونوا على اطلاع بتحركات الآفات العابرة للحدود، وكذلك النباتية الكامنة في البيئة الزراعية، إذ إنّ هناك آفات نباتية، تظل كامنة في البيئة الزراعية لمواسم عديدة بانتظار الظرف المناسب لكي تنشط.