يأتي قرار رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 75 نقطة أساس، لوقف استمرار معدل التضخم، في قرار غير مسبوق منذ عام 1994، في وقت يواصل فيه الدينار الجزائري كسر كل الأرقام التاريخية وغير المسبوقة المسجلة أمام العملات الأجنبية، في مقدمتها الدولار، ما ينذر بتوسيع الهوة أكثر بين العملتين في الأيام والأشهر القادمة، بالموازاة مع انتهاج الحكومة الجزائرية لسياسة "تشديد القيود" على الاستيراد، ما سيقفز بالأسعار لمستويات قد لا تتحملها جيوب الجزائريين المنهكة بغلاء المعيشة، ويدفع بالاستثمارات الأجنبية الى مغادرة البلاد، في حال لجوء المركزي الجزائري لتعويم العملة أكثر، ورفع نسب الفوائد.
وتفاعل الدينار الجزائري مع قرار المركزي الأميركي، حيث سجل في التعاملات الرسمية ليوم الخميس 16 يونيو الحالي، رقما تاريخيا جديدا بـ146.351 ديناراً للدولار الواحد، وذلك بعد استقرار عند عتبة 146 منذ قرابة الشهر، فيما سجلت العملة الأوروبية الموحدة "اليورو" هي الأخرى رقماً قياسياً جديداً أمام العملة الجزائرية في التعاملات الرسمية، حيث بلغ سعر صرفها 153.332 ديناراً لليورو الواحد، فيما تشير توقعات لمواصلة المركزي الجزائري بأمر من الحكومة بمواصلة "التعويم الموجه" للعملة المحلية، لكبح الواردات التي تريد السلطات الجزائرية تحجيمها عند مستويات تلامس 30 مليار دولار عند نهاية السنة.
ويرى مدير الصرف السابق بالمركزي الجزائري عبد الوهاب بن زيادة أن "الجزائر لا تعيش خارج المنظومة المالية العالمية، ومن المنتظر أن يراجع المركزي الجزائري ورقة طريقه بعد قرار المركزي الأميركي رفع سعر الفائدة الرئيسي، وذلك بتسريع وتيرة انزلاق العملة المحلية، وذلك بالموازاة مع تسجيل عائدات البلاد من العملة الصعبة طفرة معتبرة بتحسن أسعار النفط، أي أن المقابل سيكون أكبر بالعملة الجزائرية، لكن في المقابل ستكون هناك فاتورة واردات بأسعار مضاعفة، وهنا يدخل متغير "القدرة الشرائية للجزائريين" المعادلة، فالأكيد أن مستويات التضخم سترتفع مع ارتفاع الأسعار، الأكيد أن الأيام القادمة ستحمل أخباراً غير مفرحة للدينار الجزائري".
وكان الدينار الجزائري قد أنهى سنة 2021، بتسجيل رقم غير مسبوق، في شهر ديسمبر/كانون الاول، بـ139.2 ديناراً للدولار، و155 ديناراً لليورو، و185 ديناراً أمام الجنيه الإسترليني، علماً أنه في بداية الأزمة النفطية في منتصف 2014، كان سعر صرف العملة المحلية الجزائرية يساوي 83 ديناراً للدولار الواحد.
وبهذه الوتيرة، يرتقب الخبراء أن يتخطى الدولار عتبة 160 ديناراً جزائرياً قبل نهاية السنة، رغم الخطاب الرسمي المطمئن بعودة العافية للعملة التي تعيش أسوأ أيامها.
وترجع خسارة الدينار الجزائري إلى تبنّي البنك المركزي سياسة تعويم العملة عند الضرورة، إذ سبق أن فقد الدينار جزءاً كبيراً من قيمته في السنوات الماضية، لمواجهة تبعات تراجع عائدات النفط وكبح فاتورة الواردات.
وفي المقابل، يستبعد مدير الصرف السابق بالمركزي الجزائري عبد الوهاب بن زيادة أن "تلجأ الجزائر للاستدانة الخارجية مستقبلاً، لعدة أسباب، وبالتالي عدم التأثر بقرار المركزي الأميركي، حيث تتوقع الجزائر تحسن عائدات النفط، بالإضافة لاستقرار احتياطي الصرف بين 40 و50 مليار دولار عند نهاية السنة الحالية، بالإضافة لتعهد الرئيس عبد المجيد تبون بعدم التوجه للاستدانة الخارجية طيلة فترة حكمه".
ويبقى الإشكال بالنسبة للمتتبعين للمشهد الاقتصادي الجزائري في توفر شروط استقطاب الاستثمارات الخارجية في حال تأثر الدينار الجزائري بقرار المركزي الأمريكي بدرجة كبيرة. فبحسب الخبير الاقتصادي جمال نور الدين، فإن "قوة اقتصاد أي دولة من قوة عملتها، وفي حال تواصل انهيار الدينار، وارتفاع الفجوة مع الدولار الأميركي أكثر بعد رفع سعر الفائدة من طرف المركزي، سيجعل الجزائر في خانة الدول الأقل استمالة وإغراء للأموال الأجنبية، وبالتالي ستواجه الحكومة الجزائرية مستقبلاً صعوبات في جلب مستثمرين أجانب، وتضطر لتقديم تنازلات كبيرة ضريبية وجمركية وبنكية لإغراء الأجانب".