مخاوف من نقص إمدادات النحاس: ما أهمية هذا المعدن للاقتصاد العالمي؟

27 ابريل 2024
فرن لصهر النحاس في مصفاة بصحراء أتاكاما، تشيلي، 1 فبراير 2015 (جويل سارتور/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- النحاس ضروري للطاقة النظيفة والتحول الطاقوي، مع توقعات بمضاعفة الطلب إلى 50 مليون طن بحلول 2035 لتحقيق أهداف الانبعاثات الصفرية.
- نقص محتمل في إمدادات النحاس بسبب صعوبات في تطوير مشاريع جديدة وفشل صفقات كبرى، مما يهدد التقدم نحو استخدام الطاقة النظيفة.
- ارتفاع أسعار النحاس يعكس التحديات البيئية والتقنية لاستخراجه، مما يتطلب استثمارات ضخمة لضمان الإمدادات ودعم التحول للطاقة النظيفة.

ما يحصل في سوق النحاس والارتفاع الحاد لأسعاره يثير تساؤلات حول سبب فورة الطلب عليه ومخاوف نقص إمداداته ثم أهميته للاقتصاد العالمي. فجهود الحد من انبعاثات الكربون تشكل تحدياً هائلاً، باعتبار أن إعادة تجهيز أنظمة الطاقة والنقل للعمل بالطاقة المتجددة تتطلب كمية من النحاس أكبر بكثير من التزام الشركات بإنتاجه.

وفي إشارة إلى مدى صعوبة تطوير مشاريع نحاس جديدة، كانت شركة "بي أتش بي" BHP Group Ltd قد عرضت استحواذاً بقيمة 39 مليار دولار على شركة "أنغلو أميركان" Anglo American Plc، في سياق اتجاه أكبر لعمليات الدمج والاستحواذ حيث يتطلع منتجو المعادن إلى الشراء بدلاً من بناء نمو الإنتاج، إلا أن الصفقة لم تمر، وفشل الصناعة في توفير إمدادات كافية من النحاس يمكن أن يؤدي إلى خروج التحوّل إلى مصادر الطاقة النظيفة عن مسارها المأمول، وفقاً لشبكة بلومبيرغ.

ما علاقة النحاس في التحوّل الطاقوي؟

على مسار التحوّل باتجاه الطاقة النظيفة دفعاً بعوامل اقتصادية وبيئية، النحاس يأتي في رأس قائمة العوامل المساعدة. فبعد الفضة يُعد النحاس المعدن الأكثر قدرة على توصيل الطاقة. وهذا ما يجعل تكاليفه باهظة، لكن استخدام بدائل أرخص مثل الألومنيوم سيعني التنازل عن كفاءة الأداء، علماً أنه واحد من مكونات متنوعة مثل المحامص ومكيفات الهواء والرقائق الدقيقة. ويوجد حوالي 65 رطلاً (29 كيلوغراماً) منه في السيارة المتوسطة وأكثر من 400 رطل في المنزل النموذجي. وثمة حاجة إلى ملايين الأقدام من الأسلاك النحاسية لبناء الشبكات الأكثر تعقيداً التي يمكنها التعامل مع الكهرباء التي تنتجها مصادر الطاقة المتجددة اللامركزية وموازنة إمداداتها المتقطعة.

وفي السياق أيضاً، فإن مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تتطلب كميات أكبر من النحاس لكل وحدة مقارنة بمحطات الطاقة المركزية العاملة بالفحم والغاز. أيضاً، تستخدم السيارات الكهربائية أكثر من ضعف كمية النحاس المستخدمة في السيارات العاملة بالبنزين، وفقاً لـ"تحالف النحاس".

وتشير ترجيحات الخبراء إلى احتمال أن يستلزم تحقيق أهداف صافي انبعاثات الكربون الصفرية مضاعفة الطلب السنوي على النحاس إلى 50 مليون طن متري بحلول عام 2035، وفقاً لدراسة ممولة من هذا القطاع وأجرتها شركة "ستاندرد أند بورز غلوبال" S&P Global. وحتى الأكثر تحفظاً منهم يتوقعون نمو الطلب بمقدار الثلث في العقد المقبل، مع ازدياد استثمار الحكومات والشركات في أنشطة إزالة الكربون، علماً أن زيادة إنتاج النحاس بالمقدار المطلوب ليست مضمونة بالمرة.

ما سبب احتمال تضاؤل إمدادات النحاس؟

يتخوف المتابعون من سلاسل الإمداد في ما يخص المعدن الأحمر. فرغم إعادة تدوير المزيد من النحاس، إلا أنه لن يكون كافياً لتغطية الطلب، ومن ثم يكمن البديل في تعزيز الاستخراج من المناجم، لكن ثمة عقبات تحول دون تعزيز الإنتاج بالحجم المطلوب. فالنحاس بمثابة محرك كلاسيكي للاقتصاد العالمي نظراً إلى ارتباطه الوثيق بالإنتاج الصناعي، وتخشى المناجم من زيادة الإنتاج ثم الوقوع في فخ انخفاض الطلب. وثمة مشكلة أعمق تكمن في أن استخراج الرواسب الجديدة أصبح أكثر صعوبة وتكلفة مع انخفاض درجات الخام، بما يعني الحاجة إلى استخراج المزيد من الصخور لتأمين كمية النحاس نفسها. كما أن التدقيق في التكاليف البيئية لتعدينه لا يشجع على استثمار إضافي.

وقد أدى الارتفاع القوي لأسعار النحاس في الأيام الأخيرة لأكثر من 10 آلاف دولار للطن، إلى تساؤل المتداولين والمسؤولين التنفيذيين عما إذا كان النحاس قد بدأ يستجيب لضغوط العرض. وفي هذا الصدد، تشير تقديرات "غولدمان ساكس" إلى أن قطاع التعدين يحتاج إلى إنفاق 150 مليار دولار على مدى العقد المقبل لمعالجة النقص السنوي المتوقع في العرض بمقدار 8 ملايين طن. وكي تتشجع الشركات على إنفاق مبالغ بهذا القدر الهائل ستحتاج إلى أسعار مرتفعة بمستويات قياسية، وفقاً لشركتي "ترافيغورا غروب" و"بلاك روك".

كيف تتدافع الدول لتأمين إمدادات النحاس؟

لقد أصبح الحصول إلى النحاس ضرورة اقتصادية في القرن الواحد والعشرين، إذ تتدافع الحكومات لتأمين الإمدادات التي ستكون محدودة مستقبلاً، على أنه يتم استخراج معظم خام النحاس من مناجم أميركا اللاتينية وأفريقيا ويُعالج محلياً ليصبح أكثر تركيزاً قبل تصديره إلى الدول المستوردة التي تصهره بقصد إنتاج منتجات نحاس مختلفة.

ورغم أن الطاقة الفائضة في الصين ساعدت في خفض رسوم الصهر إلى مستويات قياسية، فإن الولايات المتحدة وحلفاءها يشعرون بالقلق تجاه نفوذ بكين في هذه الصناعة الاستراتيجية. ومع وجود عدد كبير من المشترين، فإن المنتجين الرئيسيين مثل تشيلي والبيرو وجمهورية الكونغو الديمقراطية لديهم فرصة أكبر لإملاء شروط هذه التجارة، في ضوء ضغط مجتمعات مناطق التعدين للحصول على مزيد من المنافع الاجتماعية من مشاريع القطاع والتخفيف من الأضرار البيئية.

وبحسب بلومبيرغ، يُستخرَج النحاس من الخام باستخدام مواد كيميائية يمكن أن تدخل إلى المياه الجوفية وتلوث الأراضي الزراعية وتقتل الحياة البرية وتلوث مياه الشرب. وتشير التوقعات إلى تزايد النفايات الصخرية من معدل سنوي قدره 4.3 مليارات طن عام 2020 إلى 16 مليار طن سنة 2050، وفقاً لباحثين في جامعة كوينزلاند الأسترالية. وقدّر هؤلاء أن التخزين الآمن قد يكلف الصناعة 1.6 تريليون دولار إضافية.

ماذا لو انخفض معروض النحاس عالمياًَ؟

ومن شأن النقص الحاد في النحاس أن يسبّب ارتفاع الأسعار، ما سيلحق الضرر بشركات تصنيع المركبات الكهربائية والشبكات الذكية ومصادر الطاقة المتجددة وإبطاء اعتمادها. كما يمكن لشركات تكنولوجيات الطاقة النظيفة أن تساعد باستخدام كميات أقل من النحاس في منتجاتهم. ويمنح ارتفاع الأسعار عمال المناجم حافزاً أكبر إلى زيادة الإنتاج، لكن تطوير منجم جديد يستغرق سنوات، فلذلك حتى لو أعطت موجة الطلب شركات التعدين الثقة للشروع في استثمارات جديدة ضخمة، لاستغرق الأمر عشر سنوات تقريباً.

وكان سعر طن النحاس قد ارتفع، في تعاملات أمس الجمعة، إلى أكثر من 10 آلاف دولار للمرة الأولى منذ عامين، مدفوعاً بارتفاع الطلب العالمي ونقص الإمدادات، وفقاً لما أوردت وكالة "فرانس برس". واخترق سعر النحاس المستوى الرئيسي للمرة الأولى منذ أبريل/نيسان 2022، ليصل إلى ذروته عند ما يزيد قليلاً عن 10028 دولاراً، قبل أن ينخفض لاحقاً إلى 9992.5 دولاراً للطن.

المساهمون