إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا: مخاوف من زيادة أسعار الطاقة بعد انتهاء الترانزيت الأوكراني

02 سبتمبر 2024
جانب من أنابيب الغاز الطبيعي/ 27 أبريل 2022، (جانبك سكارزانسك/ فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- انتهاء عقد ترانزيت الغاز الروسي عبر أوكرانيا يثير تساؤلات حول إمدادات الغاز الروسي إلى الاتحاد الأوروبي وتأثيره على الأمن الطاقي، مع اعتماد دول مثل النمسا، المجر، وسلوفاكيا على الغاز الروسي.
- مسؤول الطاقة الروسي يؤكد أن توقف الترانزيت لن يشكل كارثة لأوروبا، مع إمكانية تعويض النقص من الدول المجاورة واستخدام "السيل التركي" لتوجيه الفوائض.
- أوكرانيا ستخسر رسوم الترانزيت وتسعى لتعويضها من خلال مفاوضات مع أذربيجان، بينما تستفيد الولايات المتحدة من تعطل الترانزيت بزيادة صادرات الغاز الطبيعي المسال.

مع بقاء أشهر معدودة على انتهاء عقد ترانزيت الغاز الروسي عبر الأراضي الأوكرانية في نهاية العام، وتأكيد كييف عدم تمديده، تتزايد التساؤلات حول مصير إمدادات "الوقود الأزرق" الروسي إلى الاتحاد الأوروبي وتأثير الوضع الراهن على الأمن الطاقي في القارة العجوز.

وعلى الرغم من التراجع الحاد لصادرات عملاق الغاز الروسي "غازبروم" إلى أوروبا بعد الحرب الروسية الأوكرانية المفتوحة في عام 2022، لا تزال عدة دول في أوروبا الغربية والوسطى تعتمد بنسبة كبيرة على الغاز الروسي، بينما يكاد خط الترانزيت عبر أوكرانيا أن يكون المسار الوحيد للإمدادات إليها، حيث إن الإمدادات عبر خط "السيل التركي" مخصصة لبلدان جنوب وجنوب شرقي أوروبا.

أما ضخ الغاز الروسي إلى أوروبا عبر خط الأنابيب الرئيسي "السيل الشمالي" الممتد إلى ألمانيا عبر قاع بحر البلطيق فتوقف بعد واقعة تفجيره في سبتمبر/أيلول 2022، شأنه في ذلك شأن الترانزيت عبر بولندا إلى ألمانيا بواسطة خط أنابيب "يامال - أوروبا" بعد فرض العقوبات الروسية الجوابية بحق الشركة المالكة للشق للبولندي من خط الأنابيب. ومع ذلك، يقر مسؤول الطاقة في معهد الطاقة والمال الروسي، أليكسي غروموف، بأن توقف ترانزيت الغاز الروسي عبر الأراضي الأوكرانية لن يشكل كارثة للدول الأوروبية باستثناء ارتفاع أسعار الطاقة.

ويقول غروموف لـ"العربي الجديد": "تمديد عقد ترانزيت الغاز الروسي عبر أوكرانيا من عدمه ليس قضية حيوية لأي من الأطراف. في أوروبا، ثمة ثلاث دول فقط، وهي النمسا والمجر وسلوفاكيا، تعتمد على الغاز الروسي. رغم أن النمسا تأتي في طليعتها، إلا أن انقطاع الترانزيت لن يشكل كارثة لها كونها ستشتري الكميات الناقصة من الدول المجاورة، وفي مقدمتها ألمانيا، وإن كان ذلك سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار للمستهلكين النمساويين".

وكانت "غازبروم" قد وفرت لفيينا 64% من حاجيتها من الغاز في عام 2023. وفي أشهر الشتاء الماضي، فاقت نسبة هذه الإمدادات الـ90%، مسجلة رقماً قياسياً بواقع 98% في ديسمبر/كانون الأول الماضي. وحول تأثير توقف الترانزيت على الاقتصاد الروسي، يضيف غروموف: "لن تواجه روسيا أي تداعيات تذكر باستثناء تراجع عوائد التصدير، مما سيؤثر سلباً على عوائد غازبروم في حال لم تتمكن من إعادة توجيه هذه الكميات إلى وجهات أخرى. إلا أن خط السيل التركي لا يعمل بكامل طاقته التشغيلية، ما يعني أنه يمكن توجيه قسم من الفوائض عبره إلى صربيا والمجر وغيرهما".

وفي ما يتعلق بوضع أوكرانيا، يتابع مسؤول الطاقة في معهد الطاقة والمال الروسي: "ستخسر أوكرانيا قيمة رسوم الترانزيت التي تجنيها، ولذلك تجري مفاوضات مع أذربيجان التي تتفاوض بدورها مع روسيا على استخدام المنظومة الأوكرانية لنقل الغاز لتصدير الغاز الأذربيجاني".

ويجزم باستمرار الترانزيت حتى نهاية العام، قائلاً: "يدل استمرار ضخ الغاز عبر محطة سودجا الواقعة في مقاطعة كورسك رغم التوغل الأوكراني داخل الأراضي الروسية، على وجود اتفاق غير معلن على استمرار الترانزيت إلى الدول الأوروبية، وفي مقدمتها النمسا التي ستسعى لملء مستودعات الغاز تحت سطح الأرض لمواجهة أي نقص محتمل في الشتاء المقبل".

من جهة أخرى، يوضح الخبير في المعهد المالي التابع للحكومة الروسية، إيغور يوشكوف، أن انتهاء العقد لا يعني توقف ترانزيت الغاز تلقائياً، لافتاً إلى أن أوكرانيا يمكنها طرح سعات من طاقتها التمريرية عبر مزادات قد تشارك فيها "غازبروم" إن رغبت. ويقول يوشكوف لـ"العربي الجديد": "لا يريد أي من الأطراف تمديد العقد بصورته الحالية، ولكنه يمكن مواصلة الترانزيت من دون توقيع عقد طويل الأجل، لأن أوكرانيا اعتمدت منذ عام 2019 القوانين الأوروبية في مجال ترانزيت الغاز والقاضية بإجراء مزادات تطرح فيها الطاقة الاستيعابية للأنابيب".

ويلفت الخبير في المعهد المالي التابع للحكومة الروسية إلى أن توقف الترانزيت سيشكل ضربة موجعة لأوروبا، مضيفاً: "الأنباء حول احتمال توقف الترانزيت وحدها كفيلة برفع أسعار الغاز في السوق الأوروبية، فما بالك إذا توقف على أرض الواقع في الشتاء المقبل حين يبلغ الاستهلاك ذروته في موسم التدفئة؟ وقد تقفز الأسعار في هذه الحالة، ولو مؤقتاً، إلى 600 - 700 دولار لكل ألف متر مكعب بصرف النظر عن منشأ الغاز".

ويوضح أن النمسا وسلوفاكيا تأتيان في طليعة المتضررين من توقف الترانزيت، قائلاً: "فيينا وبراتيسلافا هما أكثر الدول الأوروبية اعتماداً على الترانزيت الأوكراني، فستضطران إلى شراء الغاز الطبيعي المسال من السوق العالمية. أما المجر ومولدافيا، فيمكنهما استبدال الترانزيت الأوكراني جزئياً بواسطة زيادة الإمدادات عبر السيل التركي". ويخلص إلى أن الولايات المتحدة ستكون أكبر المستفيدين من احتمال تعطل الترانزيت وغياب روسيا عن السوق الأوروبية، نظراً إلى تحولها إلى أكبر مصدّر للغاز الطبيعي المسال في العالم وسعيها للهيمنة الكاملة على أوروبا.

وكان الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، قد أعلن يوم الثلاثاء الماضي، أن بلاده لا تعتزم تمديد عقد الترانزيت، قائلاً في مؤتمر صحافي: "لن يمدد العقد مع روسيا أحد. وضعنا نقطة في هذه المسألة. في ما يتعلق بترانزيت الشركات الأخرى، فسيتواصل في حال استمر الطلب من قبل بعض شركائنا الأوروبيين، فسننظر حينها فيه".

ورد الكرملين، قائلاً الأربعاء، إن المستهلكين الأوروبيين سيتحملون ارتفاعاً في أسعار الغاز ما لم تُمدَّد اتفاقية لنقل الغاز الروسي عبر أوكرانيا ينتهي أجل العمل بها في 31 ديسمبر/كانون الأول. وكانت شركتا "غازبروم" و"نفطوغاز" الأوكرانية قد أبرمتا في نهاية عام 2019 عقداً مدته خمس سنوات نص على ضخ عملاق الغاز الروسي 225 مليار متر مكعب من الغاز عبر أوكرانيا، بما فيها 65 ملياراً في عام 2020 و40 ملياراً في كل من الأعوام التالية مقابل حوالي 1.25 مليار دولار سنوياً.

إلا أن الإمدادات الفعلية في العام الماضي، بلغت 14.6 مليار متر مكعب فقط، بعد توقف ضخ الغاز عبر محطة سوخرانوفكا الواقعة في مقاطعة لوغانسك الأوكرانية، والتي ضمتها روسيا تحت مسمى "جمهورية لوغانسك الشعبية"، إذ عزفت كييف عن استخدامها منذ مايو/أيار 2022 بذريعة نشوب ظروف قهرية من جهة فقدان أوكرانيا السيطرة على الأراضي الكائنة فيها المحطة.

المساهمون