لا تزال تصريحات مسؤولي بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي، الخاصة بالإبقاء على معدلات الفائدة عند مستويات مقيدة للنشاط الاقتصادي، تلقي بظلالها على الأسواق، مسببةً خسائر فادحة لسوق الأسهم والسندات، وامتدت أخيراً لتقترب من سوق العقارات الأميركية، التي يخشى البعض أن تتعرض لأزمة جديدة، على غرار ما حدث في الأزمة المالية العالمية في 2008 - 2009.
وبعد أكثر من عامين من الارتفاعات القوية في نشاط سوق العقارات، وصلت فيها أسعار المنازل إلى مستويات غير مسبوقة، سبّب الرفع المتكرر في أسعار الفائدة الأميركية منذ الربع الأول من العام الحالي ارتفاع كلفة القروض العقارية، وهو ما أدى إلى تباطؤ الطلب عليها مقارنة بما كان عليه الحال العام الماضي.
وارتفع متوسط الكلفة الشاملة لقروض الرهن العقاري لمدة 30 عاماً في شهر يونيو/ حزيران الماضي لأكثر من 6.5% للمرة لأولى منذ عام 2008، الذي شهد ذروة أزمة الرهون العقارية، قبل أن يعاود الانخفاض نسبياً لفترة محدودة تحت 5% خلال الشهرين الماضيين. وأظهر تقرير حديث صادر عن شركة ردفين، المتخصصة في تقديم خدمات وساطة العقارات المتكاملة، إلغاء 63 ألف صفقة شراء منازل لم تُحسَم خلال شهر يوليو/ تموز الماضي، تمثل ما يقرب من 16% من صفقات الشهر التي أُعدت لها عقود مبدئية، وهو أكبر عدد من الإلغاءات في أي شهر خلال ما يقرب من عامين.
ومع تصريحات رئيس البنك الفيدرالي جيروم باول، يوم الجمعة، التي أكد فيها استعداد البنك للإبقاء على معدلات الفائدة المرتفعة لبعض الوقت، وصولاً إلى مرحلة الاطمئنان التام بتراجع معدلات التضخم عن أعلى مستوياتها في أكثر من 40 عاماً، عاودت معدلات الفائدة الارتفاع، ليصل متوسط الكلفة الشاملة لقروض الرهن العقاري لمدة ثلاثين عاماً إلى أكثر من 6.25%، بينما كانت في التوقيت نفسه من العام الماضي لا تتجاوز 3.5%.
وتتباين آراء المتخصصين في السوق، التي تتمتع بأهمية خاصة داخل الاقتصاد الأميركي، وأيضاً لدى المواطنين، في ما إذا كانت توقعات دخول الاقتصاد الأميركي في ركود العام القادم، مع استمرار ارتفاع معدلات الفائدة، يمكن أن تسبب المزيد من التراجع في الطلب على العقارات.
تقول ندى نافاب، رئيسة عمليات الوساطة لدى شركة العقارات كومباس، ومقرها نيويورك: "لو أنت متشائم، فبالفعل لديك الكثير مما يؤرق نومك، ولكن لو أنت متفائل، فهناك أيضاً العديد من الإشارات الجيدة". وأوضحت نافاب أن ملايين الأميركيين ما زالوا يريدون شراء منازل "على الرغم من أن بعض المشترين انسحبوا بالفعل من السوق بسبب قدرتهم المحدودة على تحمّل تكاليف الشراء، وزيادة معدلات الفائدة على قروض الرهن العقاري، وعدم اليقين الاقتصادي بصورة عامة".
وفي أحدث التقارير الصادرة عن الرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين، تبين تراجع مبيعات المنازل سابقة الملكية خلال شهر يوليو/ تموز الماضي بنسبة تقترب من 6 بالمائة مقارنة بشهر يونيو/ حزيران، وبنسبة تتجاوز 20% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي. وأوضحت الرابطة أن عدد الوحدات المبيعة انخفض إلى 4.81 ملايين وحدة، مسجلاً أسوأ وتيرة تراجع للمبيعات منذ ما يقرب من سبع سنوات، مع استثناء تراجع بسيط، لم يستمر طويلاً، صاحب فترة ظهور وانتشار وباء كوفيد-19 في الأراضي الأميركية، خلال الربع الأول من عام 2020.
والأسبوع قبل الماضي، قال لورانس يون، كبير الاقتصاديين في الرابطة، إن سوق العقارات دخلت على الأرجح في ركود، لأن "شركات بناء العقارات توقفت عن البناء". بدوره، توقع غريغ فيلبس، مسؤول قطاع التكنولوجيا لدى شركة Houwzer العقارية الناشئة في فيلادلفيا الأميركية، استمرار تباطؤ نشاط بيع العقارات، مع حدوث انخفاضات بسيطة في السعر، لما يقرب من مدة عامٍ ونصف قادمة، موضحاً أن "سوق العقارات ليست كسوق الأسهم المتذبذبة بين الارتفاع والانخفاض، بل تتحرك بوتيرة مختلفة، حيث تكون التغيرات فيها أبطأ".
واستبعد ديفيد دووركين، الرئيس التنفيذي لمؤتمر الإسكان الوطني، يوم الاثنين، أن يسبب التباطؤ الحالي أزمة ضخمة، كالتي شهدناها خلال الأزمة المالية العالمية، "حيث تختلف أساسيات السوق في الوقت الحالي بصورة كبيرة". وفي لقاء مع محطة فوكس بيزنس الإخبارية المتخصصة في أسواق المال والاقتصاد، أوضح دووركين أن "قوانين العرض والطلب لا يمكن تجاهلها أبداً، ونحن الآن لدينا وضع مختلف تماماً، وبدلاً من وجود أزمة مدفوعة بجانب الطلب، نعاني بالفعل من أزمة يحركها العرض، أدت إلى زيادة قيمة المساكن وأسعارها كثيراً" خلال الفترة الماضية.
وأشار دووركين إلى أن السوق في عام 2008 "كانت تغذيها الرهون العقارية السامة وكان الناس يقترضون بمعدلات فائدة تعجيزية لا يمكنهم سدادها". ومطلع أغسطس/ آب الماضي، سجل متوسط سعر المنزل الموجود (لا الإنشاءات الجديدة) للأسرة الواحدة ارتفاعاً بنسبة 14.2% سنوياً إلى 413.500 دولار، متجاوزاً 400 ألف دولار لأول مرة، وفقاً للرابطة الوطنية للوسطاء العقاريين.
ويقول دووركين إن "الأسواق التي شهدت أكبر الارتفاعات، ستشهد انخفاضاً في الأسعار، لكن نظراً لأن الطلب مرتفع جداً والعرض لا يكفي، لن يغير ذلك من الأمر شيئاً"، مضيفاً: "هي بالفعل مشكلة حقيقية لجيرومي باول، رئيس البنك الفيدرالي، لأن إحدى الطرق التي يتحكم بها في التضخم تتمثل برفع معدلات الفائدة، وإذا ظل العرض غير متطابق مع الطلب، فإن الأداة الأهم في صندوق أدواته يتراجع تأثيرها بالتأكيد".