سارعت الحكومة البريطانية إلى تهدئة مخاوف المواطنين من حدوث أزمة غذائية ونقص في السلع، على خلفية إغلاق فرنسا حدودها بعد انتشار سلالة جديدة من كورونا في المملكة المتحدة. إذ توقفت حركة الشاحنات مع امتداد الطوابير عدة كيلومترات على الحدود، بالتزامن مع الإغلاق الكامل الذي تفرضه بريطانيا في عدد من أبرز مقاطعاتها بسبب انتشار السلالة الجديدة.
وأكد وزير النقل البريطاني، غرانت شابس، الاثنين، أن الغذاء متوافر بكميات كافية في البلاد. وأضاف الوزير البريطاني، في تصريحات لشبكة "سكاي نيوز"، أن حظر فرنسا لمدة 48 ساعة على ناقلات الشحن القادمة من المملكة المتحدة كان "مفاجئاً"، وسط فوضى متوقعة في الموانئ البريطانية.
وعلى الرغم من أن شابس أكد أن الاضطراب لم يخلق أي "مشكلة" في ما يتعلق بنقص الغذاء والدواء على المدى القصير، إلا أن هدف الحكومة "حل هذه المشكلة في أقرب وقت ممكن".
وأضاف شابس أن المناقشات مستمرة بين الحكومتين البريطانية والفرنسية، وأنه يواصل التفاوض مع نظيره الفرنسي بهدف السماح لحركة الشحن بالمرور بين البلدين، وأن مطار مانستون في كنت سيفتتح يوم الاثنين أمام البضائع.
وترأس رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، اجتماع أزمة طارئاً "كوبرا" لبحث آليات مكافحة تفشي السلالة الجديدة من فيروس كورونا. وذكرت صحيفة "إكسبرس" البريطانية أن الاجتماع ناقش أزمة نقص الغذاء داخل الأراضي البريطانية، خاصة بعدما أعلنت السلطات الفرنسية تعليق الرحلات التجارية إلى بريطانيا.
وحظرت فرنسا حركة التنقل بينها وبين بريطانيا، وتراكمت الشاحنات في صفوف طويلة في الطريق المؤدي إلى ميناء دوفر البريطاني الواقع على بعد 35 كيلومتراً عن السواحل الفرنسية والذي يعتبر طريقاً للكثير من العبّارات التي ترسو يومياً وتفرغ حمولتها من البضائع والركاب.
بينما حذرت المتاجر من احتمال حدوث أزمة مواد غذائية في بريطانيا في حال تواصُل الحظر الفرنسي على حركة الشحن والنقل بينها وبين المملكة المتحدة.
وحسب صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، قالت سلسلة متاجر سينسبري في لندن الاثنين: "بينما توجد مواد غذائية كافية لتلبية احتياجات المتسوقين لعيد الميلاد ورأس السنة في بريطانيا، إلا أن رفوف المحلات التجارية قد تبقى خالية من الأغذية الطازجة التي تستورد من أوروبا بعد أعياد الميلاد".
ونقلت الصحيفة البريطانية عن متحدث باسم سلسلة المتاجر قوله: "نأمل أن تتمكن الحكومتان، البريطانية والفرنسية، من إعطاء أولوية لحل سريع لأزمة نقل المواد الغذائية والحركة بين البلدين".
وحتى الآن لا توجد أزمة بضائع في غالبية المتاجر البريطانية بسبب الاستعدادات التي أجرتها لموسم الأعياد وسط احتمالات عدم التوصل إلى اتفاق بشأن الترتيبات التجارية مع الاتحاد الأوروبي، لكن المخاوف تنصب على مستقبل الإمدادات الغذائية التي تستوردها بريطانيا من دول الاتحاد في حال تواصُل عملية حظر حركة النقل التجاري بين فرنسا وبريطانيا.
وقررت أكثر من 25 دولة، منها فرنسا وبلجيكا وهولندا وإيطاليا وألمانيا وكندا والنمسا والسويد ورومانيا ودول البلطيق وتركيا وإيران والسعودية والكويت وهونغ كونغ، تعليق جميع الرحلات القادمة من المملكة المتحدة لعدة أيام، بعد ظهور السلالة الجديدة.
وسارعت الإدارات وشركات النقل والمسافرون إلى الاستعداد، مساء الأحد، في شمال فرنسا بعد إعلان الحكومة تعليق السفر من بريطانيا المتحدة لمدة 48 ساعة. وقالت إدارة منطقة أو-دو-فرانس: "نقوم بعمل إعلامي لتحذير سائقي الشاحنات، تؤديه الشرطة وأفراد من قوات مكافحة الشغب في جميع أنحاء المنطقة، خصوصاً عند حواجز دفع الرسوم ومناطق الاستراحة".
كذلك تُبث رسائل توضح الوضع على لوحات معلومات الطرق السريعة. وأضافت: "في الوقت الحالي، لم نلحظ أي مشكلة مرتبطة باختناقات مرورية. إذا لزم الأمر، ستُفعَّل خطة إدارة حركة المرور".
وقال الأمين العام لاتحاد النقل البري في با دو كاليه (شمال فرنسا) سيباستيان ريفيرا، لوكالة فرانس برس: "ما يهم هو التدفق من بريطانيا إلى فرنسا، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو ماذا سيحدث بعد 48 ساعة؟".
وأضاف أن "بعض السائقين الفرنسيين الموجودين في بريطانيا سيحاولون العودة إلى بلدهم، لكن البعض بعيد جداً عن الحدود، ولا يمكنهم العبور قبل منتصف الليل".
من جهته، قال رئيس شركة النقل "كاربانتييه"، ديفيد سانيار: "طلبنا من سائقينا البقاء في المنزل ريثما نحصل على المعلومات"، معرباً عن قلقه من أنه "إذا أغلقت الحدود في الاتجاهين، فهناك خطر بأن تشل شبكة النقل بشكل كامل مع توقف الشاحنات الآتية من كل أنحاء أوروبا في الموانئ".
وطالبت نقابة عمال النقل بتقديم مساعدة طارئة للعمال والشركات المتضررة من الإغلاق في موانئ المملكة المتحدة، بعد حظر السفر بين المملكة المتحدة وفرنسا. وقال الاتحاد الوطني لعمال السكك الحديدية والنقل البحري (RMT) إنه يسعى إلى إجراء محادثات عاجلة مع الحكومة بشأن الأزمة.
وقال السكرتير العام لـ RMT، ميك كاش، وفق الغارديان: "وقع آلاف العمال في مرمى نيران أزمة الحدود التي تطورت بين عشية وضحاها وتصاعدت هذا الصباح".
ولا ينبغي للمستهلكين في المملكة المتحدة تخزين المواد الغذائية، ولا يوجد نقص حالياً، وفقاً لرئيس مجموعة الضغط لشركات نقل الأغذية الطازجة. ومع ذلك، قال شين برينان، الرئيس التنفيذي لاتحاد سلسلة التبريد، إن هناك حاجة ماسة إلى اتفاق للسماح بنقل البضائع بين المملكة المتحدة وفرنسا.
يأتي ذلك بعد تحذيرات من عدد من المجمعات التجارية، وأبرزها ساينسبوريس، صباح الاثنين، من احتمال وجود شح في بعض واردات الأغذية الطازجة، مثل الخس والبروكلي والحمضيات إذا لم تُحَلّ أزمة الموانئ قريباً.
وأكدت وزارة النقل البريطانية أن مطار مانستون في كينت يجري إعداده لاستيعاب ما يصل إلى 4000 شاحنة، في إجراء آخر لتخفيف الازدحام. ومع ذلك، نظراً للمستوى المتوقع من التعطيل، نصحت الوزارة أيضاً شركات النقل بتجنب السفر إلى موانئ كينت حتى إشعار آخر.
وشرحت الوزارة، وفق موقع الغارديان البريطاني، أنه "بعد إعلان الحكومة الفرنسية أنها لن تقبل أي ركاب يصلون من المملكة المتحدة خلال الـ 48 ساعة القادمة، نطلب من الجمهور، وخاصة الناقلين، عدم السفر إلى موانئ كينت أو الطرق الأخرى إلى فرنسا".
وأضاف المتحدث باسم الوزارة: "نعمل بشكل عاجل مع الجهات المعنية بشأن تدابير الطوارئ لتقليل اضطراب حركة المرور في المنطقة". وقالت الشرطة إنه "يجب تجنب جميع الموانئ، واستخدام طرق محلية بديلة لتجنب التكدس".
وقالت مديرة المجموعة الدولية في جمعية النقل البري، هيذر والاس، إن أي محاولة لإخراج الشاحنات وإعادتها إلى فرنسا قبل عيد الميلاد ستكون صعبة للغاية مع توقع تأخيرات كبيرة بمجرد رفع الحظر.
وسيكون لحظر الشحن تداعيات خطيرة على التجارة في المملكة المتحدة، التي شهدت في الأيام الأخيرة مرور حوالى 10 آلاف شاحنة عبر ميناء دوفر كل 24 ساعة. ويتكون جزء كبير من التجارة التي تمر عبر موانئ القناة من سلع قابلة للتلف تحتاج إلى الوصول إلى وجهتها بسرعة.
وقال أندرو أوبي من اتحاد التجزئة البريطاني: "إغلاق فرنسا حركة المرور مع المملكة المتحدة، بما في ذلك الشحن، يطرح صعوبات أمام قدرة المملكة المتحدة على استيراد البضائع الرئيسية وتصديرها خلال فترة أعياد الميلاد المزدحمة".
وأكدت شركة تصدير المأكولات البحرية الاسكتلندية Lochfyne أن إغلاق الحدود الفرنسية قبل أسبوع من عيد الميلاد "كارثة".
وقال متحدث باسم الشركة على تويتر: "ستكون هناك شاحنات من جميع أنحاء اسكتلندا بملايين الجنيهات من المأكولات البحرية. حتى لو رُفع الحظر بعد 48 ساعة، سنفوّت الموعد النهائي لعيد الميلاد، هذا أمر لا يصدق".