مخاوف الأمن الغذائي العالمي تشتعل مع انتهاء اتفاق الحبوب والاستهداف العسكري لمرافق حيوية
مع انتهاء أجل اتفاق الحبوب عمليا، ليل الاثنين الثلاثاء، تصاعدت بحدة المخاوف المرتبطة بالأمن الغذائي العالمي وسط تحذيرات أممية من نتائج عدم تجديده، لا سيما مع التصعيد العسكري المتبادل الروسي الأوكراني مستهدفا مرافق حيوية.
وزادت حدة التصعيد مع إعلان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن بلاده مستعدة لمواصلة صادراتها من الحبوب عبر البحر الأسود رغم إعلان روسيا انتهاء اتفاق التصدير الآمن للحبوب "بحكم الأمر الواقع".
وقال زيلينسكي في خطابه اليومي، أمس الاثنين: "حتى بدون روسيا، يجب القيام بكل شيء حتى نتمكن من استخدام هذا الممر (للتصدير) في البحر الأسود.. لسنا خائفين".
وأضاف أنه بعث رسالتين رسميتين إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأنطونيو غوتيريس الأمين العام للأمم المتحدة يقترح عليهما "مواصلة الصادرات"، مشيرا إلى أن "أوكرانيا والأمم المتحدة وتركيا يمكن أن تضمن بشكل مشترك تشغيل ممر الغذاء وتفتيش السفن"، وفقا لوكالة "قنا".
واتسعت دائرة التوتر لتشمل العمليات على الأرض، فجر اليوم الثلاثاء، مع إعلان المتحدث باسم إدارة أوديسا العسكرية سيرهي براتشوك على تطبيق "تليغرام" أن الدفاع الجوي الأوكراني تدخل في وقت مبكر لصد هجوم جوي روسي على ميناء أوديسا في جنوب أوكرانيا، فيما لم يتسن لوكالة "رويترز" التحقق بصفة مستقلة من هذا النبأ.
واليوم، أعلنت أوكرانيا صراحة تعرض "منشآت مرفئية" لأضرار جراء هجوم صاروخي شنّته روسيا ليل الإثنين الثلاثاء، استهدف منطقة أوديسا الساحلية، بعد ساعات من انتهاء العمل باتفاقية لتصدير الحبوب.
وقالت القيادة العملية الأوكرانية في جنوب البلاد في بيان إن "6 صواريخ كاليبر أطلقت من البحر الأسود في اتجاه أوديسا"، مشيرة الى أن الدفاعات الجوية أسقطتها لكن حطامها "أدى الى تضرر منشآت مرفئية وعدد من المنازل الخاصة".
وأضاف المصدر نفسه أن 21 مسيّرة متفجرة من طراز شاهد-136 دمرت أيضا في منطقة أوديسا وأربعا أخرى في منطقة ميكولايف شمالا حيث أصيبت منشأة صناعية.
وكانت روسيا قد أعلنت اليوم رفضها تمديد صفقة الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود، وأبلغت بذلك تركيا وأوكرانيا والأمم المتحدة.
وشهدت مدينة إسطنبول التركية في 22 يوليو/تموز 2022 توقيع اتفاقية مبادرة الشحن الآمن للحبوب والمواد الغذائية من الموانئ الأوكرانية بين كل من روسيا وأوكرانيا بوساطة تركيا والأمم المتحدة.
ونصت الاتفاقية على تأمين صادرات الحبوب العالقة في الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود (شرق أوروبا)، ما يسمح بتصدير ما يقرب من 25 مليون طن من الذرة والقمح وحبوب أخرى، لمعالجة أزمة نقص الغذاء العالمي التي لاحت في الأفق بعد اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا.
وانتهت عند منتصف الليل بتوقيت إسطنبول (21 بتوقيت غرينتش)، مدة صلاحية الاتفاق الذي يسمح لأوكرانيا بتصدير الحبوب إلى الأسواق الدولية عبر البحر الأسود بعد رفض روسيا تمديدها. وما أن سرت المخاوف من عدم تجديده حتى ارتفعت أسعار القمح أمس بنحو 4% بعد سلسلة من التراجعات دامت 30 شهرا.
وتحدد موعد انتهاء العمل بالاتفاق الذي توسطت الأمم المتحدة وتركيا للتوصل إليه في تموز 2022، بعدما جرى تمديده آخر مرة لمدة شهرين في مايو/أيار الماضي.
ورفض الكرملين، الإثنين، تمديد العمل باتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية، الحيوي للأمن الغذائي العالمي، في قرار أتى بعد ساعات من هجوم أوكراني دمّر جزئياً، للمرة الثانية منذ بدء الحرب، جسر القرم الذي يربط روسيا بشبه الجزيرة التي ضمّتها موسكو إليها عام 2014.
تحذير أممي ودولي من نتائج الانتهاء اتفاق الحبوب
وسارع الأمين العام للأمم المتّحدة أنطونيو غوتيريس إلى التحذير من أنّ مئات الملايين في العالم "سيدفعون الثمن" من جراء قرار روسيا.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إنه "نتيجة ما قامت به روسيا اليوم من استخدام الغذاء كسلاح.. فإن وصول الغذاء إلى الأمكنة التي هي في حاجة ماسة إليه سيصبح أكثر صعوبة، إضافة الى زيادة الأسعار"، مضيفا "خلاصة القول إن (ما حصل) غير مقبول".
ودانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين "بشدة" إعلان موسكو، واصفة إياه بـ"الوقح". كما دانت باريس القرار الروسي، مطالبة موسكو بـ"وقف ابتزازها للأمن الغذائي العالمي".
وقالت وزارة الخارجية الفرنسية في بيان إنّ "روسيا وحدها مسؤولة عن عرقلة الملاحة في هذا المجال البحري وتفرض حصارا غير قانوني على الموانئ الأوكرانية"، مطالبة روسيا بـ"التراجع عن قرارها".
وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن اتفاق البحر الأسود انتهى عملياً يوم الإثنين، مضيفا "ما أن يلبّى الجزء المتعلّق بروسيا (في الاتفاق) ستعود روسيا فوراً إلى اتفاق الحبوب".
ولاحقاً، قالت الخارجية الروسية في بيان إنّه "إذا كانت العواصم الغربية تقدّر حقّاً مبادرة البحر الأسود، فلتفكر جدّياً في الوفاء بالتزاماتها ولتسحب فعلياً الأسمدة والمواد الغذائية الروسية من العقوبات. فقط عندما يتم تحقيق نتائج ملموسة، وليس إطلاق وعود وإعطاء ضمانات، ستكون روسيا مستعدة للنظر في إعادة العمل بالاتفاقية".
وأتت هذه المواقف قبل ساعات من انتهاء صلاحية الاتفاقية التي أُبرمت، كما سبقت الإشارة، في يوليو 2022 على ضفاف البوسفور وتم تجديدها مرتين سابقا، وقد أتاحت، خلال العام الماضي، تصدير ما يقرب من 33 مليون طن من الحبوب من الموانئ الأوكرانية رغم الحرب.
وتهدف مبادرة حبوب البحر الأسود التي وقّعتها روسيا وأوكرانيا برعاية تركيا والأمم المتحدة للتخفيف من خطر المجاعة في العالم من خلال ضمان تصدير المنتجات الزراعية الأوكرانية رغم الحرب.
وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إنّ تركيا وأوكرانيا والأمم المتحدة أُخطرت بقرار الكرملين. وعلى الرغم من إعلان الكرملين، أبدى إردوغان ثقته برغبة نظيره الروسي فلاديمير بوتين في استمرار الاتفاق.
من جانبها، دعت برلين روسيا إلى تمديد العمل بالاتفاق، مؤكدة أهميته للأمن الغذائي العالمي. أما لندن التي أعربت عن خيبة أملها إزاء قرار موسكو فقالت إنّها "ستواصل المحادثات".
وأتاح الاتفاق لبرنامج الأغذية العالمي مساعدة دول تواجه نقصاً غذائياً حادّاً مثل أفغانستان والسودان واليمن.
وأعلنت الامم المتحدة، مساء الاثنين، انتهاء تفتيش آخر سفينة شحن محملة بالحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود والمحملة من ميناء أوديسا الذي أشارت أنباء إلى تعرضه لقصف روسي، وأوضحت أن عملية التفتيش هذه تحمل الرقم 1972 منذ الأول من أغسطس/ آب 2022.
هجوم على جسر القرم
وأتى قرار الكرملين بعد ساعات من تعرّض جسر القرم الذي يعدّ خط إمداد رئيسياً للقوات الروسية في أوكرانيا، لهجوم ليل الأحد باستخدام "مسيّرات بحرية".
وقال مصدر في أجهزة الأمن الأوكرانية "إس بي يو" إن الاستخبارات وسلاح البحرية يقفان وراء استهداف الجسر الذي يعبر مضيق كيرتش، وفقا لوكالة "فرانس برس".
وأوضح المصدر للوكالة أن "هجوم اليوم على جسر القرم هو عملية خاصة لجهاز إس بي يو والبحرية" تمّ تنفيذه "بواسطة مسيّرات بحرية".
من جهتها، قالت لجنة التحقيق الروسية في بيان: "قُتل مدنيان هما رجل وامرأة في سيارة سياحية على الجسر" جراء الهجوم، مشيرة أيضا إلى أنّ ابنتهما أصيبت بجروح.
وأفادت لجنة مكافحة الإرهاب الروسية بأنّ الهجوم وقع عند الساعة 03:05 (الساعة 00:05 بتوقيت غرينتش).
وبثت محطة "القرم-24" العامة مقطعا مصورا يظهر انهيار قسم من الجزء الطرقي من الجسر. ونشرت هيئة التحقيق الروسية أيضا مقطعا مصورا يظهر رجالا يرفعون أدلة عن الطريق.
ولاحقا، دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تعزيز الإجراءات الأمنية على جسر القرم الاستراتيجي، واصفا الهجوم بأنه "عمل إرهابي". وقال بوتين خلال اجتماع حكومي نقل التلفزيون وقائعه: "سيكون هناك بالتأكيد رد من جانب روسيا. وزارة الدفاع تعد اقتراحات ملائمة".
ويمتدّ الجسر على مسافة 18 كيلومترا ويتألف من قسمين، أحدهما طرقي والآخر للسكك الحديد، ودشّنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في العام 2018 لربط روسيا بشبه الجزيرة التي ضمّتها عام 2014.
وأدّى الهجوم الى تضرّر الجزء الطُرُقي وتعليق الحركة لساعات، بينما لم تطاول أضرار الجزء المخصص للسكك الحديد. واستؤنفت حركة السكك الحديد على الجسر قبل ظهر الاثنين، وفقاً لسلطات القرم. وهي المرة الثانية في غضون أشهر يتعرّض فيها الجسر لهجوم.
وفي أكتوبر/تشرين الأول، أدى انفجار ضخم ناتج عن شاحنة مفخخة، وفق موسكو، إلى تدمير جزء من الجسر ومقتل ثلاثة أشخاص.