مخاطر 2024 ومستقبل العالم... ماذا عن العرب؟

11 يونيو 2024
فلسطينيتان تبكيان ضحايا العدوان الإسرائيلي على دير البلح وسط غزة، 8 يونيو 2024 (الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- العالم يواجه تحديات اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة، بما في ذلك أزمة ركود تضخمي وديون متصاعدة تهدد النظام المالي العالمي، إلى جانب تعقيدات سياسية وعسكرية مثل تصاعد حركات اليمين المتطرف واندلاع صراعات دموية.
- تقرير المخاطر العالمية لعام 2024 يصنف المخاطر إلى خمس فئات: اقتصادية، جيوبوليتيكية، بيئية، مجتمعية، وتكنولوجية، مشيرًا إلى ارتفاع المخاطر العنيفة والعاصفة على المدى الطويل وتفاقم المخاطر البيئية والتكنولوجية.
- الشرق الأوسط يواجه تحديات خاصة مثل الصراع العربي الإسرائيلي والدور المتصاعد للصين، مع التأكيد على الحاجة لإجراءات استباقية وتعاون دولي لمواجهة التحديات الاقتصادية والجيوبوليتيكية المتزايدة.

يبدو العالم اليوم أكثر اضطراباً من أيّ وقت مضى منذ أوائل الألفية على الأقل، فما بين أزمة ركود تضخّمي تنازعها البنوك المركزية الكبرى بقيادة الفيدرالي الأميركي، وأرصدة ديون مُتصاعدة تهدد كامل بنية النظام المالي والنقدي العالمي والاقتصاد الدولي بمجموعه، تبدو الآفاق الاقتصادية والاجتماعية مُظلمة، أو غير مُبشّرة في أحسن الأحوال. أما على الصعيدين السياسي والعسكري، فتتزايد حركات اليمين المتطرّف عالميًا، كما تتفجّر الصراعات، ما بين صراعات دموية مُتفاقمة على خطوط تماس قوى الشرق والغرب وفي آخر معاقل وبقايا استعمار القرن العشرين، كما في أوكرانيا وغزّة من ناحية، وصراعات مكتومة لا تخلو من المناورات، لكن تهدّد حال اشتعالها بحرب عالمية لا تُبقي ولا تذر، كما في تايوان من ناحية أخرى.

وفي هذا السياق أتي تقرير المخاطر العالمية لعام 2024، الذي يصدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، مُتخماً بخليط من المخاوف التقليدية والتوقعات السلبية عن مستقبل العالم خلال الأجلين القصير والطويل، مُحدداً إياهما بعامين وعشرة أعوام، ومُصنّفاً المخاطر إلى خمس درجات من الهادئة والمستقرة وغير المستقرة إلى العنيفة والعاصفة، كذا إلى خمسة أنواع رئيسية، هي الاقتصادية والجيوبوليتيكية والبيئية والمجتمعية والتكنولوجية، تنضوي تحتها المخاطر المختلفة التي غطّاها التقرير ضمن الأجلين الزمنيين المذكورين.

وسجّلت توقعات الخبراء الذين استبينهم التقرير، والمُقدّرين بـ1490 من الأكاديميين ورجال الأعمال والمسؤولين الحكوميين ونشطاء المجتمع المدني وغيرهم، ارتفاعاً صافياً كبيراً في المخاطر العنيفة والعاصفة، مقابل تراجع المستقرة وغير المستقرة، ما بين الأجلين القصير والمتوسط.

فبينما بلغت توقعات المخاطر المستقرة وغير المستقرة 15% و54% على التوالي في الأجل القصير (خلال عامين)، فإنها تنخفض سويًا إلى نسب 8% و29% في الأجل الطويل (خلال عشرة أعوام)، في المقابل، ترتفع نسب توقعات المخاطر العنيفة والعاصفة من 27% و3% على التوالي في الأجل القصير، إلى 46% و17% في الأجل الطويل؛ ما يعني ميلاً عاماً لتوقع تفاقم حدّة المخاطر طوال العقد المقبل.

ويشمل ذلك بالطبع اختلاف ترتيب التقرير لأولوية أبرز عشرة مخاطر ما بين الأجلين القصير والطويل. ففي الأجل القصير، غلبت المخاطر الاقتصادية والاجتماعية، فبعد التضليل المعلوماتي بأدوات الذكاء الاصطناعي والأحداث المناخية المتطرفة، يبرز الاستقطاب الاجتماعي وتهديدات الأمن السيبراني والصراعات المُسلحة بين الدول وضعف الفرص الاقتصادية والتضخّم والهجرة غير الطوعية والتراجع الاقتصادي، ويأتي أخيراً التلوّث.

موقف
التحديثات الحية

أما في الأجل الطويل، فسيطرت المخاطر البيئية والتكنولوجية، حيث جاءت الأحداث المناخية المتطرّفة والتغيّر الحاسم في أنظمة الأرض وتراجع التنوّع البيولوجي وانهيار الأنظمة الإيكولوجية ونفاد الموارد الطبيعية في المقدمة، تلاها التضليل المعلوماتي والمخرجات السلبية لتكنولوجيات الذكاء الاصطناعي، ثم الهجرة غير الطوعية وتهديدات الأمن السيبراني والاستقطاب الاجتماعي، وأخيرًا، مرةً أخرة، التلوّث.

ويعكس هذا التغيّر في الترتيب تفاوتاً في شدّة هذه المخاطر عبر الزمن، وقد صنّفها التقرير من هذه الزاوية إلى ثلاثة أنواع، أولها المستمرة معنا من الأجل القصير إلى الطويل، وأبرزها المناخ المتطرّف والاستقطاب الاجتماعي وتهديدات الأمن السيبراني والهجرة غير الطوعية، فيما الثانية هي المخاطر متزايدة الحدّة، وأهمها على الترتيب تركّز القوة التكنولوجية والتضليل المعلوماتي والصراعات المسلّحة وقصور البنية التحتية والخدمات العامة.

أما الثالثة، وهى المخاطر متراجعة الحدّة، وأوضحها على الترتيب المواجهات الجيوكونوميكية (المتعلّقة بالمصالح الاقتصادية الإستراتيجية حول الموارد والإمدادات والترتيبات الاقتصادية/السياسية الدولية وما شابه) والبطالة والمخاطر البيولوجية والكيميائية والنووية، وأخيرًا الديون.

المخاطر التي رصدها التقرير عموماً

على مستوى أكثر تفصيلاً، شملت المخاطر التي رصدها التقرير:

1- مخاطر اقتصادية، تهدد الطبقات (والدول) الوسطى والدنيا بالأساس، تتنوّع ما بين انفجار فقاعة الأصول وتعمّق الركود الاقتصادي ضمن الأزمة الاقتصادية العالمية الكامنة، وتفاقم أزمات ديون الشركات الخاصة والديون العامة والسيادية للحكومات، فضلاً عن قصور المعروض من العمالة الماهرة والمواهب التقنية وتفاقم لامساواة الدخل والثروة.

2- مخاطر جيوبوليتيكية، تقليدية ومُستحدثة، كالهجوم على البُنى التحتية الحسّاسة، والصراعات المسلحة بين الدول والهجمات الإرهابية، واتساع رقعة الدول الهشّة وفشل أجهزة الخدمات العامة، فضلاً عن تصاعد التقييد الحكومي والرقابة على الحقوق المدنية.

3- مخاطر تكنولوجية، أكّد التقرير أنها لم تُبحَث بعد بما يكفي، لكنها تضمّ مبدئياً الآثار العكسية لتكنولوجيات الذكاء الاصطناعي والهندسة البيولوجية، وتهديدات الأمن السييراني، واللامساواة الرقمية، فضلاً عن الشائعات والتضليل المعلوماتي.

4- مخاطر مجتمعية، يسمها الاستقطاب الاجتماعي المُتزايد، كتدهور الرفاهية والشمول الاجتماعي، وارتفاع معدلات البطالة وزيادة الهجرة غير الطوعية، وانتشار الأمراض الوبائية، الفيروسية منها خصوصاً، و(5) مخاطر بيئية، وصفها التقرير باحتمالية الوصول إلى نقطة اللاعودة، كتراجع التنوّع البيولوجي الأرضي والبحري على السواء، والحالات المناخية المتطرّفة من سيول وأعاصير، وعدم القدرة على التكيّف مع التغيّر المناخي، وقصور الموارد المائية، فضلاً عن التلوّث بكافة أنواعه.

موقف
التحديثات الحية

وبالطبع كلها مخاطر مترابطة بصورة أو بأخرى، وإن كان التقرير لم يتوسّع في تحليل الخلفيات الكبرى لها؛ بحكم طبيعته التقنية التقريرية، ورغم هذا الترابط والتشابك بينها جميعاً، يمكن جمع المخاطر الاقتصادية والجيوبوليتيكية والتكنولوجية في مجموعة واحدة تتصل بأوضاع الاقتصاد والسياسة المباشرةً، بينما يمكن وضع المخاطر المجتمعية والبيئية تحت مجموعة أخرى تتصل بشروط الاجتماع الإنساني عموماً.

المخاطر التي تهدّد الاقتصاد العالمي خصوصاً

يأتي انفجار فقاعة الأصول أول المخاطر الاقتصادية في ظل الانتفاخ الهائل في أسواق المال العالمية، وعلى رأسها سوق الأسهم الأميركية الأضخم والأعلى تقييماً، بما يعنيه ذلك من احتمالات انهيارات ضخمة في الأسواق المالية والقطاعات المصرفية حول العالم بقيادة الفقاعة الأميركية الهائلة وأثرها الموجي الذي سيطاول كافة أسواق واقتصادات العالم بالضرورة، بما قد يكرّر مأساة الكساد العالمي الكبير منذ ما يقرب من قرن من الزمان.

يلي ذلك، ويرتبط به، التراجع الاقتصادي بعمومه من ركود وكساد، بتراجع معدلات النمو الاقتصادي العالمية وارتفاع مستويات عدم التأكد من آثارها السلبية على الائتمان والاستثمار، واضطراب كافة المؤشرات والمعاملات الاقتصادية الكلية من معدلات تضخّم وفائدة وأسعار صرف، فضلاً عما يثيره كل ذلك من صراعات تجارية ونقدية متزايدة بين الدول المختلفة في سياق محاولاتها تقليل الآثار السلبية عليها وتصدير الأزمات إلى بعضها البعض.

وما يعمّق الأزمتين السابقتين، بعلاقة جدلية معهما، بما هي سبب ونتيجة في ذات الوقت، هو تزايد لامساواة الدخل والثروة في كافة المجتمعات تقريباً، وهو الاتجاه الذي تفاقم خصوصاً مع سياسات إجماع واشنطن والنيوليبرالية الجديدة منذ سبعينيات القرن الماضي، بما يعنيه من تعمّق الانقسامات الاجتماعية والاضطرابات السياسية، وبما يهدّد الاستقرار الاقتصادي والرفاهية المجتمعية وحدّة الصراعات الدولية.

وبالطبع لا يمكن تجاهل أزمات الديون المتفاقمة محلياً ودولياً، سواء على مستوى الشركات الخاصة أو حتى الدول كبيرها قبل صغيرها، فتزايد الديون الخاصة جعل الشركات أكثر انكشافاً وهشاشة أمام التراجعات الاقتصادية والأزمات المالية، كما يسهم بذاته في اشتداد حدّة عدم الاستقرار في بيئة الأعمال والأسواق المالية، وهو ذات الأمر الذي ينطبق على الديون العامة والسيادية الخاصة بالدول والحكومات، بما تشمله من تعميق لعدم استقرار الماليات العامة الحكومية وتقييد لقدراتها على تمويل الخدمات الاجتماعية والاستثمار العام؛ فضلاً عن التأثيرات السلبية على الأداء الاقتصادي والاستقرار الاجتماعي بعمومها.

وأخيراً، تشمل المخاطر الاقتصادية قصور المعروض من قوة العمل الماهر والمواهب التقنية؛ بفعل الاتجاهات الديمغرافية في الدول المتقدمة، وبسبب عدم التوافق بين المهارات المتوافرة وحاجات سوق العمل؛ بما يؤدي لاختناقات في عمليات الإنتاج والتوريد؛ ويؤثر سلباً على الإنتاجية والنمو الاقتصادي.

ولمواجهة التحديات المعقدة التي تفرضها هذه المخاطر الاقتصادية، يُوصي التقرير بإجراءات استباقية وسياسات اقتصادية متماسكة وتعاون دولي يتجاوز الخلافات الوطنية، ما يبدو تصوّراً رومانسياً حالمًا بالنسبة لواقع ما ستفرضه هذه الاضطرابات الاقتصادية من تعميق للنزاعات والصراعات، مما نرى بوادره فعليًا على كافة الأصعدة الاقتصادية والسياسية، وحتى العسكرية، بين القوى العالمية الكبرى.

للشرق الأوسط نصيب!

وبالانتقال لمنطقتنا العربية الإسلامية، الشرق أوسطية خصوصاً، التي لم يتناولها التقرير بشكل مُستقل أو مباشر، نجده حدّد بعض المخاطر الرئيسية التي تهدّد المنطقة، يبدو واضحًا فيها المنظور الغربي لخبرائه وما تمثله المنظمة المُصدرة له من مصالح وأولويات؛ الأمر المنطقي مع غلبة المشاركين من أميركا الشمالية وأوروبا بنسبة 56% من خبراء التقرير، مقابل 9% من أميركا اللاتينية، و8% من أفريقيا جنوب الصحراء، و7% من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، و10% فقط من كامل شرق وجنوب شرق آسيا.

أول هذه المخاطر، الحالّ والبارز حالياً بشكل خاص، هو "الصراع" العربي الإسرائيلي بغزّة، حيث أكد التقرير الاحتمالية المرتفعة لتوسّع الحرب الإسرائيلية على العرب الفلسطينيين إلى حرب إقليمية شاملة تؤدي لتدخّل القوى الإقليمية والعالمية الكبرى كإيران ودول الغرب؛ ما سيؤثّر بقوة على أسعار الطاقة العالمية وحركة خطوط الملاحة وسلاسل الإمداد الدولية.

تبرز ثانياً ديناميات القوى الدولية اتصالاً بالأهمية الجيوبوليتيكية العالمية لمنطقة الشرق الأوسط، حيث تتضارب مصالح القوى الكبرى في المنطقة؛ بما يعني تفاقم الصراعات فيما بينها حول المنطقة وحتى على أرضها، مباشرةً أو بالوكالة؛ بما يؤدي لمزيد من عدم الاستقرار الإقليمي والدفع لصراع تسلّح نووي بين القوى الإقليمية بالمنطقة.

ويتصل بالسابق، ثالثاً، الاهتمام والدور المتصاعد للصين بالمنطقة، والتي يتخذ شكلاً ناعماً غير تدخّلي مقارنة بالقوى الدولية الأخرى كالولايات المتحدة وروسيا؛ ما اعتبره خبراء التقرير خطراً جيوبوليتيكياً آخر، بما يعكس الرؤية الغربية التي تتجاهل الهيمنة الأميركية، التدخّلية، القائمة والضارة فعلاً بالمنطقة.

موقف
التحديثات الحية

وتأتي رابعًا الانعكاسات الثانوية التي قد تنشأ عن الصراعات الدولية بمناطق أخرى كتايوان والأراضي المُتنازع عليها بشرق وجنوب شرق آسيا، بما تشمله من تأثيرات على إستراتيجيات القوى الكبرى في معالجة الصراعات والمخاطر بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وأخيراً، خامساً، تبرز حالة متزايدة من الاستقطاب وعدم التأكد على مستوى المنطقة وطنياً وإقليمياً؛ بفعل التدخل المتزايد من دول الخليج والقوى الغربية في دول المنطقة الأخرى، وما ينتجه من صراعات واستقطابات داخلها وداخل تلك الدول وفيما بين بعضها البعض؛ بما ينجم عن كل ذلك من عدم يقين أمام اللاعبين الإستراتيجيين في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وعلى مستوى أكبر دول المنطقة، رصد التقرير خمس مخاطر رئيسية تواجهها مصر، تتمثّل على الترتيب في التدهور الاقتصادي والتضخّم والبطالة والدين العام والنزاعات المسلحة مع دول أخرى، أما إيران، فتواجه على الترتيب التضخّم وقصور موارد المياه وتراجع التماسك الاجتماعي وتفاقم اللامساواة والتراجع الاقتصادي، فيما تواجه تركيا التراجع الاقتصادي والهجرة غير الطوعية وتفاقم اللامساواة وتراجع التماسك الاجتماعي وتزايد الرقابة الحكومية، بينما تواجه السعودية الأمراض الوبائية والتضخّم والانعكاسات السلبية لتكنولوجيات الذكاء الاصطناعي والتراجع الاقتصادي والتضليل المعلوماتي.

ورغم الانحياز الواضح في رؤية وأولويات التقرير، وانتقائيته في بعض الجوانب، يظل تقريراً جديراً بالاطلاع لفهم كيف تفكّر النخبة الغربية بشأن التطوّرات العالمية، وأبرز ما تراه من مخاطر تهدّد مصالح الغرب من جهة، وتهمّ العالم بعمومه من جهة أخرى.

المساهمون