مخاطر مائية تهدّد زراعة العراق وسط أزمات غذائية خانقة: استنزاف المخزون

20 يوليو 2022
زيادة التصحر أبرز الانعكاسات السلبية لأزمة المياه (زيد العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -

تتصاعد حدة أزمة المياه في العراق إلى مستويات غير مسبوقة، إذ سجلت مدن جنوبيّ وشرقيّ البلاد، حالات نزوح جماعي لسكان القرى ومربي الجاموس وهجر الأراضي الزراعية، بفعل تراجع مناسيب المياه وتلاشي مسطحات الأهوار المائية في مناطق كثيرة، وسط مساعٍ حكومية لتكثيف الجهود نحو إيران وتركيا لزيادة كمية الإطلاقات المائية من نهري دجلة والفرات لتجاوز أحد أسوأ فصول الصيف حرارة وجفاف على بلاد الرافدين.

استنزاف الموارد المائية
تأتي التطورات الأخيرة، في ظل مخاوف كبيرة من استنزاف الخزين الاستراتيجي من المياه الجوفية التي يمتلكها العراق، إذ أعلنت وزارة الموارد المائية أنّ الخزين المائي في البلاد انخفض بنسبة 60 بالمائة؜ مقارنة بالعام الماضي، وأنّ الإيرادات المائية التي تصل إلى العراق لا تغطي سوى 35 بالمائة فقط من المعدل العام، وهي الأدنى مقارنة بنسبة السنة الماضية.
والأسبوع الماضي حمّل السفير التركي في بغداد، علي رضا غوناي، العراق مسؤولية الجفاف الذي تعاني منه البلاد بسبب هدر المياه وعدم استخدامها بالشكل الأمثل، نافياً قطع بلاده المياه وتغيير مجرى الأنهر.

وقال غوناي في تغريدات على حسابه في موقع تويتر، إنّ المياه تُهدر كثيراً في العراق، ويجب اتخاذ تدابير فورية للحد من هذا الهدر، وحلّ مشكلة الجفاف ليس بطلب المزيد من المياه، بل باستخدامها بكفاءة، ونحن جاهزون للمساعدة".
وأضاف أن العراق عليه القيام باستثمارات في البنية التحتية، والشركات التركية مستعدة لذلك، وتركيا بطبيعتها تستخدم المياه بما يتطلب لتلبية متطلباتها في الزراعة والطاقة، والجفاف ليس مشكلة العراق فقط، بل مشكلة تركيا والمنطقة بأكملها، نتيجة للاحتباس الحراري، وسيكون هناك المزيد من موجات الجفاف في السنوات المقبلة.
ورأى غوناي أنّ الطريقة الأكثر فاعلية لمكافحة هذه المشكلة ليست طلب المزيد من المياه من تركيا، لكنّ استخدام المياه المتاحة بأكثر الطرق كفاءة بهدف ترشيد استهلاك المياه، وأهمية تحديث أنظمة الري والتخلي عن الري البدائي المسبب لإهدارها.
من جهتها، ردت وزارة الموارد المائية العراقية على تصريحات السفير التركي، واتهامه للجانب العراقي بإهدار المياه، بأنّ "تركيا دائماً تتحدث عن إهدار العراق للمياه، وهذه التصريحات الغاية منها خلط الأوراق والتذرع لتقليل الحصة المائية للعراق". وأضافت في بيان أنّ "تركيا تمتلك مناسيب جيدة من الخزين المائي، فضلاً عن مشاريع خزن مياه عملاقة سببت قلة وانحسار مناسيب المياه المتدفقة إلى العراق، وليست التغييرات المناخية هي العامل الرئيس لأزمة المياه التي يعاني منها العراق، إنما هي عامل سلبي إضافي".
وأوضحت أنّ السبب الرئيس للأزمة، إنشاء السدود والمشاريع الإروائية العملاقة من قبل الجانب التركي، خلافاً للقوانين والأعراف والمواثيق الدولية التي تقر باحترام الحقوق المائية للبلدان المتشاطئة.

إجراءات حكومية
وعن إجراءات وزارة الزراعة العراقية في مواجهة أزمة المياه، أعلن وزير الزراعة العراقي، محمد الخفاجي، أن وزارته ستستخدَم الآبار الجوفية لزراعة مليوني دونم بمحصول الحنطة، وأنّ العمل أُطلق بمشروع البطاقة الإلكترونية الزراعية، وأن هذا المشروع يُعَدّ من الخطط الاستراتيجية لوزارتي الزراعة والتخطيط من خلال البيانات الدقيقة التي تتحدث عن المزارع وما يملكه وكيفية وضع خطط استراتيجية وتوفير الأموال.

وأضاف الخفاجي، في تصريح صحافي، أن محافظات كربلاء والأنبار وصلاح الدين ونينوى والمثنى تتجه للعمل بالآبار الجوفية واستخدام التقنيات الحديثة لمعالجة شحّ المياه لزراعة محصول الحنطة، لغرض تعويض عدم وجود مياه كافية في تنفيذ الخطة الزراعية.

ومن جانبه، أكد المركز الوطني للمسطحات المائية التابع لوزارة الموارد المائية أن الحكومة أوعزت باستخدام المياه الجوفية بصورة أوسع، في ظل أزمة المياه الحالية لسد العجز الحاصل ودعم القطاع الزراعي.

وقال مدير المركز الوطني للمسطحات المائية، حاتم حميد حسين، إنّ الوزارة أوعزت باستخدام المياه الجوفية لأغراض السقي واستخدامات الزراعة، وتعويض الضرر الناتج من قلة توافر المياه.

وأوضح حسين في حديثه لـ"العربي الجديد" أنّ استخدامات المياه الجوفية في الوقت الراهن أصبحت أوسع بشكل كبير بسبب أزمة المياه وانحسارها. وبيّن أن وزارته عملت على حفر 6 آلاف بئر لمواجهة الجفاف بعد تفاقم أزمة المياه، بسبب إصرار إيران على قطع روافد نهر دجلة وتقليل تركيا حصّة العراق المائية، إلّا أنّ هناك مخاوف من تأثير الآبار في المياه الجوفية والخزين الاستراتيجي الوطني من المياه.

انعكاسات سلبية على الغذاء
وحول تأثيرات شح المياه أوضحت الخبيرة في الشأن الاقتصادي العراقي، سلامة سميسم، أن العراق على شفا حفرة من أزمة كبيرة تواجه قطاع الزراعة الذي ينعكس سلباً على مستويات الاقتصاد الوطني، بسبب غياب التخطيط وانعدام الأمطار وإيقاف الإطلاقات المائية من قبل الجانب الايراني وقلتها من قبل الجانب التركي.

أكد المركز الوطني للمسطحات المائية التابع لوزارة الموارد المائية أن الحكومة أوعزت باستخدام المياه الجوفية بصورة أوسع، في ظل أزمة المياه الحالية

وقالت سميسم، في حديثها لـ"العربي الجديد" إن نسبة التصحر في العراق زادت إلى حد كبير، وأدت إلى اضطرابات هيكلية وأزمات كبيرة يجب دراستها ومعالجتها.

وأشارت إلى أنّ انخفاض المساحات الزراعية وقلة الدعم المقدم لهذا القطاع، أدى إلى قلة المنتج الزراعي المحلي، ما يعني ضعفاً كبيراً في سدّ حاجة السوق المحلية من الغذاء، والاعتماد على المنتجات الزراعية المستوردة من دول الجوار، الأمر الذي يساهم في ارتفاع معدلات الأسعار وزيادة التضخم وانخفاض القدرات الشرائية للمواطنين.

وبينت أنّ سلوك دول الجوار بسياستها المائية تجاه بغداد أسهم إلى حد كبير في تهديد الأمن الغذائي والمائي، فضلاً عن زيادة التصحر وتعميق الفجوة الزراعية في العراق.

المساهمون