يعود أحد أبرز مهندسي السياسة النقدية والمالية وصانعي النهضة الاقتصادية في تركيا، محمد شيمشك، إلى قيادة وزارة المالية والخزانة من جديد، وسط تحديات عديدة تواجه البلاد وحالة تفاءل بين المستثمرين وبنوك الاستثمار العالمية.
وشغل شيمشك وزارة المال مرتين قبل ذلك بين 2009 و2018، لكن هذه المرة تؤكد المؤشرات تبدلا مرتقبا بالسياسة الاقتصادية في ظل التطورات الأخيرة.
وجاء وزير المالية الذي يتولى المنصب للمرة الثالثة بعد خبرات عديدة اكتسبها من خلال عمله في مؤسسات مالية ونقدية دولية، إذ يعتبره المستثمرون وأصحاب الأموال عتبة أمانهم وضامن استثماراتهم وإيداعاتهم.
ولطالما اشترط الوزير قبل أن يوافق على تعيينه، استقلالية القرار الاقتصادي وحصر التصريحات الاقتصادية والنقدية، بالحكومة، لا برئيس الدولة المنتصر في الانتخابات الأخيرة، رجب طيب أردوغان.
يعود شيمشك المولود عام 1967 في قرية غيرجوش التابعة لولاية باتمان، إلى أصول كردية، وبعد إتمام الدراسة الثانوية بالولاية، درس في أنقرة كلية العلوم السياسية قسم الاقتصاد، وتابع في جامعة إكستر ببريطانيا، ليحصل عبر منحة حكومية على الماجستير في المالية والاقتصاد.
تقول مصادر لـ"العربي الجديد" إن المصادفة قادته للعمل كخبير اقتصادي بالسفارة الأميركية بأنقرة، بعد أن عمل فور عودته من لندن بمصرف "إتي بنك" التركي وكتب بصحف عدة، ليغادر بعدها إلى الولايات المتحدة للعمل في قسم تحليل الأسهم في بنك UBS.
لكنه عاد إلى تركيا للعمل بشركتي الاستثمار والاستشارات المالية "Merrill Lynch" و"CSFB" إذ تولى مسؤولية منطقة البحر المتوسط بشركة"Merrill Lynch" وتميز ضمن وحدة تحليل الاقتصاد الكلي لدول تلك المنطقة ومنها تركيا، ليخرج للعالمية بعد أن أدرجت مجلة "فورين بوليسي" شيمشك، عام 2013 ضمن 500 شخص مؤثرة والأكثر نفوذاً في مجاله، وليحصل بالعام نفسه على لقب "وزير المالية للعام للاقتصادات الناشئة بأوروبا" من قبل مجلة الأسواق الناشئة.
وراكم الاقتصادي التركي شيمشك خبراته، عبر الإقامة والعمل لسبع سنوات في لندن بقسم أوروبا الناشئة والشرق الأوسط وأفريقيا، ضمن شركة "ميريل لينش"، ومن ثم عبر العمل، عام 1997 بالولايات المتحدة في "بنك UBS" مضافاً لها أربع سنوات كخبير اقتصادي بالسفارة الأميركية بأنقرة. وأدت الحاجة لخبراته إلى تعيينه وزير دولة ومال في الحكومات التي أسست تحت رئاسة أردوغان وأحمد داود أوغلو وبن علي يلدريم.
بعد تحول النظام في تركيا من برلماني إلى رئاسي، قال شيمشك خلال كلمة الوداع التي يتذكرها الكثير من الأتراك جيداً: "الناس مؤقتون، والأهم هو خدمة أمتنا الحبيبة. لقد انتهى واجبي كوزير، الذي قمت به بشرف وفخر كبيرين لمدة 11 عاماً. أود أن أعبر عن امتناني لرئيسنا لإعطائي الفرصة لخدمة بلدي وتحقيق إرادة والدي".
وها هو اليوم يعود بعد خمس سنوات إلى وزارة المال والخزانة من جديد، إنما تحت شروط من الرئيس أردوغان، أهمها عدم الاقتراض من المؤسسات الدولية والتريث في رفع سعر الفائدة المصرفية، إلى جانب تعليق الآمال على الفريق الحكومي الجديد، بتخفيض التضخم إلى خانة الآحاد وجذب الاستثمارات والإسراع ببناء مناطق الزلزال.
في المقابل قدم شيمشك مطالبه، وهي أن ينال حرية القرار المالي والنقدي خاصة "تحريك أسعار الفائدة إن اقتضت الضرورة"، وألا يتدخل أحد في القرارات التي سيتخذها خلال عامين كي يضمن إيصال اقتصاد البلاد إلى بر الأمان.
ووفق مراقبين، تتزايد أهمية وجود الخبير الدولي شيمشك لتركيا في التشكيل الحكومي خلال هذه المرحلة، وخاصة في ظل علاقاته الواسعة مع المؤسسات المالية العالمية والبنوك الدولية، مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، ما قد يساهم في قدوم استثمارات أجنبية أكبر لتركيا، وتحسين نظرة التصنيفات الائتمانية للاقتصاد المحلي.
وحسب مراقبين، توجد خلافات في المدارس والسياسات الاقتصادية، بين شيمشك ونائب الرئيس، جودت يلماظ، قد تزيد من صعوبة بعض القرارات المفصلية لدى الفريق الحكومي، أو قد تأتي على أحد الأقطاب إن لم يتم الانسجام.