محدودية الخيارات أمام الحكومة المصرية

19 أكتوبر 2021
محافظ البنك المركزي المصري طارق عامر في مؤتمر صحفي بالقاهرة (Getty)
+ الخط -

أظهرت بيانات البنك المركزي المصري ارتفاع الدين الخارجي لمصر بأكثر من ثلاثة مليارات دولار خلال الربع الأخير من السنة المالية 2020 – 2021، لتسجل بنهاية شهر يونيو / حزيران الماضي 137.85 مليار دولار، كانت أغلبها في القروض طويلة الأجل، التي وصل إجماليها إلى 124.143 مليار دولار، بينما لم تسجل الديون الخارجية قصيرة الأجل سوى 13.716 مليار دولار، الأمر الذي عكس ميل البنك لتركيز قروضه في الأجل الطويل، التي تمثل حالياً 90% من إجمالي الدين الخارجي.

لا أعرف على وجه الدقة الحد الفاصل في آجال الاستحقاق الذي يفرق بين ما هو قصير الأجل وما هو طويل الأجل لدى البنك المركزي المصري، لكن الشيء المؤكد، الذي نقلته وسائل إعلام مصرية عن قاعدة بيانات البنك الدولي، يشير إلى أن مصر مطالبة بسداد أكثر من 40 مليار دولار، خلال السنة المالية الحالية، التي بدأت مطلع شهر يوليو/ تموز الماضي وتنتهي بنهاية يونيو 2022، وإن كان الجزء الأكبر من هذا المبلغ يخص ودائع تم اقتراضها من السعودية والإمارات، سيتم تجديدها على الأرجح.

وبعد وصول الدين الخارجي لأكثر من 35% من الناتج المحلي الإجمالي المصري، بدأت الحكومة في البحث في صور جديدة للاقتراض، إذ تم إقرار القانون الخاص بالصكوك السيادية، وتم الإعلان عن طرح سندات خضراء جديدة بعد عام واحد فقط من بيع 750 مليون دولار منها، بينما تستمر الجهود للتوصل إلى أدوات جديدة يمكن اقتراض مزيد من الدولارات من خلالها.

وبالإضافة إلى اضطرارها للاقتراض من العالم الخارجي لسد عجز الحساب الجاري الآخذ في الارتفاع، بدأت الحكومة المصرية خلال السنوات الأخيرة في اللجوء للاقتراض الخارجي لسد عجز الموازنة المقدر بأكثر من تريليون جنيه، تعادل وفقاً لأسعار الصرف الحالية أكثر من 64 مليار دولار.

وبررت الحكومة هذه الخطوة بأن معدلات الفائدة المطبّقة على القروض الدولارية أقل من نظيرتها المطبقة على قروض الجنيه المصري، دون الأخذ في الاعتبار احتمالات ارتفاع قيمة الدولار مقابل الجنيه، أو الصعوبات التي يمكن أن نواجهها في تجديد القروض من الأسواق الخارجية شديدة التقلب في الوقت الحالي.

ولا تستطيع الحكومة المصرية حالياً، وفقاً لتصريحات وزير المالية محمد معيط، التوقف عن الاقتراض بعد تطورات الأعوام الأخيرة، فبخلاف عجز الموازنة وعجز الحساب الجاري، هناك التزامات كبيرة تم الاتفاق عليها، ولا يمكن الوفاء بتكلفتها إلا من خلال الاقتراض، مثل تكلفة إنشاء القطار فائق السرعة، والمونوريل، ومحطة الضبعة النووية، بالإضافة إلى تكلفة إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، رغم الادعاءات بعدم تحمل الحكومة المصرية جنيهاً واحداً منها، دون الإعلان عن الجهة التي ستتحملها. وكل ذلك بالطبع لا يشمل صفقات السلاح التي لا يتم الإعلان عن أغلبها من الجانب المصري.
ولا تبدو مصر عازمة على الحد من- أو حتى تقليص- عجز الميزان التجاري، خاصة مع الإبقاء على سعر الدولار المنخفض مقابل الجنيه خلال العامين الأخيرين، والذي لا يعكس بأي حال الفجوة بين المعروض والمطلوب من العملة الأجنبية كنتيجة لعجز سنوي يقدر بما لا يقل عن خمسة عشر مليار دولار في الحساب الجاري.

ويمثل سعر الدولار المنخفض دعماً كبيراً للمستوردين، وتخفيضاً واضحاً في تكلفة الاستيراد، يستفيد بهما المستورد فقط، بينما يتعرض المُصَنِّع المصري لمنافسة غير شريفة، تفرضها عليه اعتبارات قصيرة الأجل محدودة الرؤية.

وبخلاف الميزان التجاري المؤجل النظر في مشكلته في الوقت الحالي، لا يبدو أن قناة السويس، بتفريعتها الجديدة، أو الاستثمار الأجنبي المباشر المتعثر منذ سنوات، قادرة على إحداث التغيير المطلوب في الحساب الجاري المصري.

ورغم ارتفاع تحويلات المصريين العاملين بالخارج لأكثر من 30 مليار دولار في العام الأخير، ظهر مؤخراً اتجاه معاكس لهذا المصدر من العملة الأجنبية، حيث قدر الرئيس المصري عدد المهاجرين الموجودين في مصر حالياً بنحو 6 ملايين مهاجر، لو افترضنا أن كل أسرة مكونة من أربعة أفراد منهم تُحَول لأهلها ألف دولار كل شهر، لاقتطعت الحصيلة الإجمالية ما يقرب من 18 مليار دولار من تحويلات المصرين لبلدهم، الأمر الذي يزيد من معاناة الحساب الجاري المصري، رغم تقديرنا لمساهمة أشقائنا المهاجرين في زيادة الناتج القومي في البلاد، بل وإحداث طفرات في جودة المنتجات والخدمات التي تخصصوا في تقديمها.

ولم يتبق إذاً سوى السياحة! وهي ليست فكرة عبقرية لا ترد على بال أحد، حيث يفترض أن تكون بما لدينا من موارد طبيعية على رأس أولويات العاملين على تصحيح الخلل في الحساب الجاري وحماية احتياطيات النقد الأجنبي، والحفاظ على قيمة الجنيه. فهل يعقل أن يكون عدد السائحين، في بلد يطل جانبه الشرقي على البحر الأحمر والشمالي على البحر المتوسط، بإجمالي يقترب من 3500 كيلومتر من الشواطئ الرائعة، وأكثر من عشر بحيرات طبيعية، وأكثر من ألف كيلومتر يجري فيها النيل العظيم في مشاهد رائعة الجمال في صعيدها، بما فيه من آثار تتجاوز ثلث آثار العالم في واحدة من أقدم ثلاث حضارات عرفها البشر، ومسار هروب العائلة المقدسة، ومسار خروج اليهود، ومئات المتاحف، أقل من خُمس عدد السائحين في تايلاند، أو نصف عدد الزائرين لدول الإمارات العربية المتحدة؟

الأمر لا يتعلق بالتأكيد بالحملات السياحية الموجهة وحدها، وإنما يتطلب إعداد بنية تحتية بدقة وعناية، من أول ما يراه السائح في المطار، من مكاتب جوازات السفر الخالية من ضباطها وطوابير الانتظار الطويلة، إلى كل ما يقابله في رحلته من خدمات ومواطنين في الشوارع والفنادق والمقاصد السياحية، ومروراً بالبيئة القانونية والتشريعية التي تحمي حياة وحقوق الزائرين، كما أصحاب البلد. فهل يعيد القائمون على الأمر في البلاد النظر في كيفية تحسين الأحوال، كلّ الأحوال، حتى نتمكن من تنمية مواردنا من السياحة، لحماية اقتصاد البلاد من الانهيار؟

المساهمون