ربما تصبح الليرة التركية وارتفاع معدل التضخم وهروب المستثمرون، متاعب جديدة للاقتصاد التركي المقدّر حجمه بنحو 761.8 مليار دولار، وتمكّن حتى الآن من مقاومة تداعيات جائحة كورونا التي ضربت السياحة، أهم مورد للعملات الصعبة في البلاد.
وفي أعقاب إعفاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم السبت، محافظ البنك المركزي ناجي آغبال من منصبه، وتعيين صهاب كافجي أوغلو بدلاً منه، تراجعت الليرة التركية بنسبة 14% في التعاملات الصباحية، أمس الاثنين، في لندن، إلى 8.4 ليرات مقابل الدولار، قبل أن تتحسن في تعاملات لاحقة إلى 8 ليرات مقابل العملة الأميركية، وذلك وفقاً لبيانات "فاينانشيال تايمز".
كما واجهت البورصة التركية كذلك ضغوطاً تنازلية، إذ خسر المؤشر الرئيسي لبورصة إسطنبول 9% من قيمته السوقية في التعاملات المبكرة. وتراجعت السندات التركية بمعدلات حادة لترفع كلف الاقتراض الخارجي في تركيا.
المحافظ الجديد ينتقد سياسة سعر الفائدة المرتفعة على الليرة، ويرى أن ارتفاع الفائدة سيقود بطريقة غير مباشرة إلى زيادة التضخم
وكانت الأسواق قد رحبت بسياسات محافظ البنك المركزي السابق الذي انتشل الليرة التركية من هاوية التذبذب الحاد خلال عام 2019، وهو ترحيب مبني على العوائد التي تجنيها من الفائدة المرتفعة في تركيا.
وحتى الآن، يترقب المستثمرون في الأصول التركية المزيد من الإيضاحات بشأن السياسة النقدية الجديدة للبنك المركزي، ولكن ردة فعل الأسواق عموماً كانت سلبية إلى درجة بعيدة تجاه إقالة المحافظ السابق.
في هذا الشأن، قال محلل العملات وأسعار الفائدة في شركة "كولومبيا ثريد نيدل" في لندن، إدوارد الحسيني، أمس الاثنين، إن "التخلي عن السياسات النقدية السابقة سيكون مؤلماً للاقتصاد التركي".
وأضاف، في تعليقات نقلتها صحيفة "فاينانشيال تايمز" أمس، أن "التخلي عن السياسات النقدية السابقة سيدمر جاذبية الأصول التركية للمستثمر الأجنبي".
وينتقد المحافظ الجديد كافجي أوغلو سياسة سعر الفائدة المرتفعة على الليرة، ويرى أن ارتفاع الفائدة سيقود بطريقة غير مباشرة إلى زيادة التضخم.
يذكر أن محافظ البنك المركزي السابق ناجي آغبال، كان قد رفع سعر الفائدة التركية إلى معدل 19% قبل عزله مباشرة، وهو معدل مرتفع جداً ويفوق الارتفاع الذي كانت تتوقعه أسواق المال وخبراء أسواق الصرف الغربيون. وربما يكون هذا القرار واحدا من الأسباب التي أدت إلى إعفائه من المنصب.
من جانبه، يرى الاقتصادي في معهد التمويل الدولي في واشنطن، روبن بروك، "أن التخلي عن السياسة النقدية المتشددة سيقود إلى مواجهة تركيا مخاطر هروب المستثمرين الأجانب، وأن ذلك سيقود تلقائياً إلى وضع الليرة تحت ضغوط جديدة".
وفي ذات الصدد، يرى مصرف "غولدمان ساكس" الاستثماري الأميركي، في تحليل عن الاقتصاد التركي، يوم الأحد، أن "تركيا تواجه على المدى القصير مخاطر ضعف الليرة".
وعلى الرغم من أن كلاً من المحافظ الجديد ووزير المالية التركي أعلنا استهداف خفض التضخم واستقرار أسعار المستهلكين، إلا أن تحقيق هذا الهدف ربما لن يكون سهلاً، إذ أنه يحتاج إلى ليرة قوية ومستقرة.
ويلاحظ أن إقالة المحافظ آغبال جاءت في وقت صعب، حيث يعود فيه الدولار إلى الارتفاع أمام العملات الرئيسية في أسواق الصرف، وتواجه فيه الأسواق الناشئة، ومن بينها تركيا، شبه أزمة في نقص الدولارات المتاحة للاقتراض بسبب الانتعاش القوي المتوقع في الاقتصاد الأميركي، وعودة المصارف الغربية للاستثمار في أدوات المال وبورصة "وول ستريت" المرشحة لتحقيق ارتفاعات جديدة خلال العام الجاري شبيهة بالارتفاعات التي عاشتها في العام الماضي.
يذكر أن بورصة وول ستريت أضافت للمستثمرين أكثر من 13 تريليون دولار في العام الماضي، وفقاً لبيانات سوق "وول ستريت".
وعلى الرغم من النجاحات التي حققها الاقتصاد التركي في الربع الثالث من العام الماضي وتمكّنه من النمو بمعدل 6.7% مقارنة بالاقتصادات الكبرى، وفقاً لبيانات مؤسسة ضمان الصادرات الفرنسية "كوفاس"، إلا أنه ربما سيواجه مخاطر هروب الاستثمارات خلال الشهور المقبلة.
واستفاد الاقتصاد التركي، خلال العام الماضي، الذي شهد عمليات إغلاق واسعة، من الدعم السخي الذي وفرته الحكومة التركية للشركات، كما منحت الحكومة التركية كذلك قروضاً رخيصة للشركات والأعمال التجارية لمواجهة خسائر كورونا.
ويثير خبراء غربيون مخاوف من عواقب تغيير محافظ المركزي التركي على مستقبل الاقتصاد التركي الذي يجاهد للتعافي من تداعيات جائحة كورونا، التي أثرت سلبا على السياحة التي تعد من أهم مصادر الدخل في البلاد.
لكن على الرغم من انتقادات المصارف الغربية لقرار عزل المحافظ آغبال الذي ينتهج سياسة الفائدة المرتفعة لمعالجة أزمة الليرة، إلا أن خبراء يرون أن الفائدة المرتفعة تهدد مستقبل تركيا الاقتصادي، وربما تغرق البلاد في هاوية الديون، إذ أن حجم الدين الخارجي في تركيا يقدر بنحو 435 مليار دولار، حسب بيانات معهد التمويل الدولي. وكان حجم الدين الخارجي الذي حل أجله في عام 2020 يقدر بنحو 189 مليار دولار، وهو ما يمثل نسبة 43.4% من إجمالي الدين.
ويشير خبراء إلى أن تركيا تحتاج إلى نحو 200 مليار دولار خلال العام الجاري 2020 لتسديد خدمة الدين الخارجي وعجز الحساب الجاري المقدر أن يرتفع إلى 15 مليار دولار في نهاية العام الجاري.
وبالتالي، فإن الفائدة المرتفعة جداً مقارنة بالفوائد الصفرية وشبه الصفرية في الاقتصادات المتقدمة ربما تشكل تحديا لخطة الرئيس رجب طيب أردوغان الرامية إلى توسيع الاقتصاد التركي ونقله إلى مصاف الاقتصادات المتقدمة خلال العقد الجاري.