لا نتائج مشرّفة، من دون سعي دائم وعمل دؤوب، وخير مثال بسورية الأسد التي حققت، بزمن وريث الحكم بشار، أرقاماً قياسية وتبوأت مواقع، يحتاج سواها لينالها، عقوداً طويلة من التدمير والسرقات، وخططا وأبحاثا، تستثمر الفساد والتهجير والتهديم، بشكل أمثل ويحتذى.
وما تتويج سورية قبل يومين، بلقب الأكثر فساداً بحسب ملف المخاطر العالمية، سوى أحد الإنجازات وتراكم الألقاب لبلد، ربما يجمع العالم بأسره، على أنه الأسوأ معيشة وأمناً والأكثر خطراً والأقل أملاً، لأهليه والمستثمرين.
ولنبدأ من الأحدث فالأقدم، علنا ننصف القيادة الحكيمة بدمشق ونلفت بعض الانتباه الإقليمي والدولي، بعد أن أشاح الجميع الوجه عن معاناة السوريين، للحد الذي أوقف الأمم المتحدة عن إحصاء عدد القتلى والمهجرين، بعد انصراف الدول العربية، حتى عن إدانات القتل والتجويع، كما كانت تحفظ ماء الوجه بالسابق، من قبيل الحد الأدنى وأضعف الإيمان.
فسورية الأسد تصدرت أخيراً قائمة الدول الأكثر فساداً، وفق تصنيف شركة "غلوبال ريسك"، المتخصصة في خدمات إدارة المخاطر، بعد أن حققت، المرتبة الثانية بعد الصومال، على مؤشر الإفلات من العقاب، لعام 2022، ونالت خلال هذا العام أيضاً، المرتبة 162 عالمياً، كـ "نظام حكم استبدادي"، وفق ترتيب المؤشر العام للديمقراطية حول العالم، بعد أن تذيلت العديد من التصنيفات الدولية حول حقوق الإنسان وحرية التعبير.
ونتائج هذا العام، ما هي إلا استمرار لنجاحات وتراكم الأعوام السابقة، فمنذ عام 2012، بعد رفع القتل والاعتقال والتهجير، بوجه طلاب الحرية والعدالة باقتسام الثروة، وإعلان تفقير الشعب ومحاصرة الأعمال ورجاله، وسورية الأسد من لقب إلى آخر، حتى أوصلت عاصمة الأمويين دمشق، إلى مرتبة أسوأ مدينة في العالم من حيث الظروف المعيشية، وفق تصنيف مجلة "إيكونوميست" لأفضل وأسوأ المدن للمعيشة في الشرق الأوسط وأفريقيا.
وأما على الصعيد الداخلي المعيشي، ودرءاً لأي اعتبار تآمري خارجي، على اعتبار أن سورية الأسد مستهدفة، وفي مصلحة العالم تشويه سمعة الدولة المقاومة والحكومة الممانعة، فسعر الليرة السورية، بعد تبديد كامل الاحتياطي الأجنبي بالمصرف المركزي وقتل الصناعة وخنق المصدرين، هوى اليوم إلى نحو 5500 ليرة مقابل الدولار، لتسجل أدنى سعر على الإطلاق منذ بدء مسيرة السعي لتحطيم الأرقام القياسية في عام 2011 وقت لم يزد سعر صرف الدولار عن 50 ليرة سورية.
ونسبة الفقر، بحسب مدير مكتب الإحصاء السابق بدمشق، وليس نقلاً عن المغرضين، بلغت هذا العام 90%، أيضاً بعد إنجازات تراكمية، فنسبة الفقر العام الماضي كانت 86% وقبله 67%، فخطة تجويع السوريين مستمرة، بواقع تثبيت الأجور عند 100 ألف ليرة ومصاريف أسرة تزيد شهرياً، أيضاً وفق مراكز من دمشق، عن ثلاثة ملايين ليرة، على الطعام والشراب فقط.
وعن الخدمات وما يكابده السوريون، حديث آخر ومعاناة لا توصف، بعد وصول سعر ليتر مازوت التدفئة خلال هذا الشتاء إلى 7 آلاف ليرة، وانقطاع التيار الكهربائي لأكثر من عشرين ساعة يومياً بالعاصمة دمشق، وأكثر من 22 ساعة بالمدن الأخرى التي يسيطر عليها نظام بشار الأسد.
ليأتي خنق السوريين ومنعهم حتى من الكلام والشكوى، كثالثة الأثافي لقدر طبخهم على نار الاستبداد والنيل عبر تمويتهم، ما فات نظام الأسد من أرقام قياسية وجوائز عالمية، إذ بإصدار مرسوم ملاحقة مرتكبي "الجرائم المعلوماتية" على الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي، ضمنت العصابة بدمشق، صمت السوريين، وإلا سجن يمتد حتى 15 سنة وغرامة تصل إلى 15 مليون ليرة.
نهاية القول: ترى أينتهي دور مراكز الأبحاث والهيئات الدولية، عند نشر مراتب تصنيف سورية، ويعفي الأمم المتحدة اكتفاؤها القول إن عدد المحتاجين إلى المساعدة في سورية بلغ 14.6 مليوناً هذا العام، بزيادة 1.2 مليون عن العام الفائت، لتؤدي تلك المنظمات مهامها الإنسانية والاقتصادية والأخلاقية؟
أم ترى في صلب مهام تلك المنظمات، بعد الاتفاق على ديمومة الحرب وإبقاء النظام وإعادة إنتاجه، أن تكتفي بتوصيف حال سورية وما آل إليه وضع السوريين، علّ تلك الأرقام والنسب والأوجاع، تأديباً لكل من يتطلع للعيش الآدمي وعبرة لكل من يتجرأ على طلب الحرية أو التفكير بثورة على الاستبداد للعيش بدولة قانون.