ما مصير إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا في 2025؟

18 ديسمبر 2024
محطة غاز في شمال روسيا، 4 مايو 2020 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تشهد أسعار الغاز في أوروبا انخفاضاً إلى ما دون 450 دولاراً لكل ألف متر مكعب، رغم انتهاء عقد ترانزيت الغاز الروسي عبر أوكرانيا والعقوبات الأميركية على "غازبروم بنك"، مع استمرار روسيا في إمداد أوروبا بالغاز.

- قررت شركة "أو أم في" النمساوية فسخ عقدها مع "غازبروم"، مما يعزز أهمية تنويع مصادر الغاز في أوروبا، حيث تتجه الدول لزيادة واردات الغاز الطبيعي المسال لتعويض النقص المحتمل.

- خففت روسيا شروط الدفع بالروبل لتسهيل بيع الغاز، مع زيادة في عوائد النفط والغاز، مما يعكس نجاح الاقتصاد الروسي في التكيف مع التحديات.

مع بقاء أيام معدودة على انتهاء عام 2024، تسجل أسعار الغاز في أوروبا انخفاضاً تدريجياً إلى ما دون 450 دولاراً لكل ألف متر مكعب، بعد أن فاقت الـ500 دولار قبل أسابيع عدة. واللافت أن الأسواق تبدو مطمئنة رغم اقتراب موعد انتهاء عقد ترانزيت الغاز الروسي عبر الأراضي الأوكرانية بحلول نهاية العام ودخول العقوبات الأميركية بحق مصرف "غازبروم بنك" الروسي المعني بتسلّم تحويلات قيمة "الوقود الأزرق" حيز التنفيذ في 20 ديسمبر/كانون الجاري.

وبينما تتأهب فيه أوروبا لسيناريو انقطاع ترانزيت الغاز الروسي عبر أوكرانيا اعتباراً من الأول من يناير/كانون الثاني المقبل، تفوق إمدادات عملاق الغاز الروسي غازبروم إلى أوروبا حالياً 42 مليون متر مكعب يومياً في إطار الترانزيت الأوكراني إلى وسط أوروبا غير شاملة الإمدادات عبر خط السيل التركي إلى جنوب شرق القارة العجوز والغاز الطبيعي المسال روسي المنشأ. وبموازاة ذلك، نفى نائب رئيس الوزراء الروسي المعني بملفات الطاقة، ألكسندر نوفاك، في وقت سابق من الشهر الجاري، إجراء أي مفاوضات بين روسيا وأوكرانيا بشأن تمديد عقد الترانزيت.

ومع ذلك، لا يعني توقف إمدادات الغاز الروسي أن أوروبا "ستتجمد" نظراً إلى امتلاء مستودعات الغاز تحت سطح الأرض، وهو وضع حفز على ما يبدو، شركة "أو أم في" النمساوية للطاقة التي ظلت حتى الآونة الأخيرة أكبر مشترٍ للغاز الروسي في أوروبا، إلى فسخ عقدها مع عملاق الغاز الروسي غازبروم الذي كان مبرماً حتى عام 2040. وأقدمت "أو أم في" على هذه الخطوة بعد أقل من شهر على كف الشركة عن شراء الغاز الروسي منذ منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على خلفية الخلاف بسبب شرط جزائي عن تعطل الإمدادات في عام 2022. وبذلك أصبحت المجر وسلوفاكيا هما المشتريان الرئيسيان للغاز الروسي المورد إلى أوروبا عبر الأنابيب.

وجدد رئيس الوزراء الأوكراني، دينيس شميغال، في اتصال هاتفي مع نظيره السلوفاكي، روبرت فيتسو، الاثنين الماضي، تأكيده أن بلاده لا تعتزم تمديد عقد ترانزيت الغاز مع "غازبروم"، مؤكداً في الوقت نفسه الاستعداد لنقل أي غاز آخر باستثناء الغاز الروسي في حال تلقي طلب رسمي من الاتحاد الأوروبي بذلك، في إشارة إلى الإمدادات المحتملة للغاز من أذربيجان أو كازاخستان إلى أوروبا عبر الأنبوب الأوكراني.

خسائر للجميع حال توقف الترانزيت

ويعتبر رئيس معهد الطاقة والمال في موسكو، مارسيل صالحوف، أن عزوف النمسا عن شراء الغاز الروسي من "غازبروم" بشكل مباشر على الأقل، يفقد ترانزيت الغاز الروسي عبر أوكرانيا جدواه الاقتصادية، متوقعاً في الوقت نفسه أن روسيا وأوكرانيا وبلدان الاتحاد الأوروبي ستتكبد جميعاً خسائر مالية جراء توقف الإمدادات.

ويقول صالحوف في حديث لـ"العربي الجديد": "تخلي شركة أو أم في النمساوية عن مشتريات الغاز الروسي ينسف الجدوى الاقتصادية من استمرار عبوره عبر أوكرانيا.. لا مؤشرات جلية لعقد مفاوضات ما في ظل تراجع اهتمام كل الأطراف باستثناء مولدوفا وسلوفاكيا بقضية الترانزيت الأوكراني".

ويجزم بأن روسيا والاتحاد الأوروبي وأوكرانيا ستتكبد جميعاً خسائر جراء توقف الترانزيت، مضيفاً: "سيتكبد الاتحاد الأوروبي أكبر خسائر بالقيمة الاسمية قد تراوح بين 10 و15 مليار دولار كون دوله ستتحمل فاتورة ارتفاع أسعار الواردات. ستُضطر الدول التي كانت تعتمد على الترانزيت الأوكراني إلى تنشيط جهود تنويع مصادر الغاز، بما في ذلك زيادة واردات الغاز الطبيعي المسال".

ويلخص تقديراته لخسائر روسيا وأوكرانيا، قائلاً: "قد تبلغ خسائر روسيا ما بين 4 و5 مليارات دولار سنوياً نظراً إلى تعذر إعادة توجيه بعض الكميات إلى الأسواق البديلة. أما أوكرانيا فستخسر ما بين 800 مليون ومليار دولار كانت تجنيها على سبيل رسوم ترانزيت الغاز، ناهيك عن تحملها نفقات إضافية لتخديم منظومتها لنقل الغاز والحفاظ عليها في غياب الترانزيت الروسي".

خيارات روسية للالتفاف على العقوبات

مع بقاء أيام معدودة على دخول العقوبات الأميركية بحق "غازبروم بنك" حيز التنفيذ، خفف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الشروط المتعلقة بإلزام الدول "غير الصديقة" التي فرضت عقوبات على روسيا على خلفية حربها في أوكرانيا، بدفع قيمة الغاز الروسي بالروبل الروسي. ويعفي تعديل المرسوم المؤرخ بنهاية مارس/آذار 2022، الشركات الأجنبية من تحويل الأموال إلى حسابات طرف "غازبروم بنك" حصراً، ويتيح لها الدفع عبر وسطاء أو تحويل العملة الأجنبية إلى الروبل بواسطة مصارف أخرى.

ويجزم الخبير في المعهد المالي التابع للحكومة الروسية، إيغور يوشكوف، بأن بعض الدول الأوروبية قد تواصل، إن رغبت، شراء الغاز الروسي حتى بعد فرض عقوبات على مصرف غازبروم، ولا سيما بعد تخفيف موسكو للشروط المتعلقة بكيفية سداد قيمته.

ويقول يوشكوف في حديث لـ"العربي الجديد": "حتى الآن، لا تزال الدول المصنفةُ غيرَ صديقةٍ تلجأ إلى خدمات غازبروم بنك لتحويل قيمة الغاز الروسي المورد عبر الأنابيب في إطار المرسوم الرئاسي القاضي بتحويل الدفعات بالعملات الأجنبية إلى هذا المصرف الذي يقوم بدوره ببيعها في بورصة موسكو وفاء لمطلب سداد قيمة الغاز الروسي بالروبل".

وحول رؤيته للخيارات المتاحة أمام المشترين الأوروبيين للالتفاف على العقوبات الأميركية، يضيف: "تقتضي العقوبات الأميركية إنهاء كل المعاملات مع غازبروم بنك قبل موعد غايته 20 ديسمبر/كانون الأول، ولكنه يمكن للمشترين الأوروبيين التقدم بطلبات إلى الجهات الأميركية المعنية لاستثناء دفعات الغاز منها مثلما تم السماح بإجراء التحويلات للبعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية. وللاحتياط، تم التوصل إلى اتفاق مع روسيا لإجراء تحويلات عبر مؤسسات أخرى غير خاضعة للعقوبات، وفق ما كشفه إقدام بوتين على تعديل مرسومه".

ويحذر من مغبة انهيار إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا، قائلاً: "حالياً، تبلغ إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا نحو 30 مليار متر مكعب سنوياً، ولكن ما يصل إلى 25 ملياراً ستستبعد منها في حال لم يتسن التوصل إلى اتفاق على آلية مواصلتها، وربما ستقتصر الصادرات على الإمدادات إلى صربيا والوسطاء الأتراك الذين يعيدون بيع الغاز لبلغاريا".

ويتوقع أن توقف الإمدادات سيلحق خسائر بالجانبين الروسي والأوروبي، قائلاً: "في حال توقفت الإمدادات في ذروة موسم التدفئة، قد ترتفع أسعار الغاز في أوروبا إلى أكثر من ألف دولار لكل ألف متر مكعب، مما سيشكل ضربة للسوق والاقتصاد الأوروبيين.. أما غازبروم، فسيُضطر إلى خفض إنتاجه، مما سيترجم إلى تراجع قيمة ضريبة استخراج الثروات الطبيعية ورسوم التصدير التي يدفعها لخزانة الدولة، مما سيكبدها خسائر مباشرة في ظروف عجز الموازنة".

ومع ذلك، يبدو أن عام 2024 كان ناجحاً على الاقتصاد الروسي من جهة استفادته من جني عوائد صادرات موارد الطاقة، إذ تشير بيانات وزارة المالية الروسية عن الأشهر الـ11 الأولى من العام إلى أن قيمة عوائد النفط والغاز بالميزانية الفيدرالية الروسية سجلت زيادة نسبتها 25.7%، لتبلغ نحو 10.35 تريليون روبل (حوالي 100 مليار دولار وفقاً لسعر الصرف الحالي). وبذلك تسجل حصة العوائد النفطية تراجعاً تدريجياً ضمن الموازنة الروسية من نحو 50% في عام 2013 إلى حوالي 30% في العام الماضي، قابلة لمزيد من الانخفاض، وهي ديناميكية تدل على تراجع حصة العوائد المتقلبة وتعزيز استدامة الموازنة على المدى الطويل، وفق الوزارة.

المساهمون