ما بين المغرب وإيطاليا وواشنطن... صفقات تجارية وعسكرية ومهاجرون

19 اغسطس 2021
المصالح الاقتصادية بين الدول تتقدّم ما عداها (Getty)
+ الخط -

يبدو أن المصالح الاقتصادية بين الدول تتقدّم ما عداها من شعارات إنسانية واجتماعية وغيرها، وهذا بالضبط ما ينطبق على المغرب الذي تقع المبادلات التجارية والصفقات العسكرية في صلب علاقته مع إيطاليا والولايات المتحدة رغم الصراع الحاصل مع البوليساريو والادعاءات بانتهاك حقوق الإنسان.

فقد ثار في الآونة الأخيرة جدل كبير في إيطاليا على الصعيدين السياسي والحقوقي في أعقاب توقيف السلطات الأمنية المغربية فتاة إيطالية - مغربية تُدعى إكرام نزيه يوم 20 يونيو/حزيران الماضي في مطار الرباط، ومن ثم إحالتها للمحكمة التي حكمت عليها بالسجن لمدة 3 سنوات موجهة إليها تهمة ازدراء القرآن الكريم.

حول هذا الموضوع، ذكرت صحيفة "دوماني" الإيطالية في تقرير نشرته في 15 أغسطس/آب الحالي وحمل عنوان "أسلحة ومهاجرون: صفقات إيطاليا مع المغرب وراء الصمت حيال قضية إكرام"، أن التقرير الصادر عن المرصد الاقتصادي التابع لوزارة الخارجية والتعاون الدولي أشار إلى أن المغرب بالنسبة لإيطاليا بلد استراتيجي في منطقة البحر المتوسط، ليس فقط على المستوى الوطني، وإنما أيضاً الأوروبي، مشدداً على العلاقات الممتازة بين روما والرباط.

وهذا ما أكدته وزيرة الداخلية لوتشانا لامورجيزي خلال زيارتها الرسمية الشهر المنصرم إلى المغرب، عندما وصفت ما يجمع البلدين بـ"الصداقة الوطيدة".

قضية إكرام نزيه

وتابعت الصحيفة أن هذه العلاقات الراسخة تكتسب اليوم مدلولاً جديداً بعد قضية الشابة الإيطالية ــ المغربية إكرام نزيه التي حُكم عليها في المغرب بالسجن 3 سنوات بتهمة ازدراء الأديان والمساس بالمقدسات الإسلامية بعد نشرها تدوينة ترجع إلى عام 2019 على حسابها على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك حولت فيه، عبر اللعب بالألفاظ، سورة "الكوثر" إلى سورة "الويسكي".

وأوضحت أن السلطات الإيطالية تتعامل مع هذه القضية بقدر كبير من الحذر مع تحجيم المعلومات المرتبطة بها إلى الحد الأدنى. هذا ما تؤكده أيضاً واقعة السفير الإيطالي في الرباط، أرماندو باروكّو، الذي استدعته لجنة حقوق الإنسان بمجلس الشيوخ لجلسة استماع يوم 5 أغسطس/آب، لكنها أُرجئت إلى سبتمبر/أيلول المقبل، عقب عودة أعضاء المجلس من إجازتهم الصيفية.

علاقات راسخة وتبادل تجاري قوي

وقالت الصحيفة إن إحصائيات التبادل التجاري بين إيطاليا والمغرب شهدت في الأعوام الأخيرة نمواً متواصلاً، لم يقطعه سوى تفشي جائحة كورونا؛ إذ احتلت إيطاليا في عام 2020 المركز السابع بين الدول المصدرة للمغرب، والمركز الخامس بين الدول المستوردة منه، بينما بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في الثلث الأول من العام الجاري 1.185 مليار يورو.

وأشارت إلى أنه من بين الشركات الإيطالية العاملة في المغرب، ثمة ستيلانتيس (فيات سابقاً) وإيني التي كانت قد وقعت في عام 2017 عقداً جديداً مع المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن للحصول على حصة نسبتها 75%، حصلت قطر للبترول على 30% منها بموجب اتفاق مع الشركة الإيطالية، تضمن امتيازًا للاستكشاف البحري الذي يضم 12 منطقة بطول 23.900 قبالة ساحل المغرب على المحيط الأطلسي.

وفي تصريحات خاصة للصحيفة، قال البروفيسور رافَائيلى كاتَيدرا، أستاذ جغرافيا العولمة بجامعة كالياري والخبير بالشأن المغربي، إن "إيطاليا لها تواجد تاريخي في المغرب، والعلاقات بين البلدين تمضي قدماً منذ أن كانت البلاد ترزح تحت الحماية الفرنسية، كما أن الحضور القوي للجالية المغربية يعتبر أيضاً عنصراً مهماً في تعزيز الروابط بين البلدين".

ويبلغ عدد أفراد هذه الأخيرة حوالى 429 ألف نسمة، وفقاً لبيانات وزارة العمل والسياسات الاجتماعية، ما يجعلها الأكبر في إيطاليا من خارج الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وكان وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو قد وقع في نوفمبر/تشرين الثاني مع المغرب اتفاق شراكة استراتيجية من أجل التصدي للهجرة غير النظامية وتسهيل الاستثمارات على خطى الاتفاقيات القائمة بين البلدين منذ منتصف الثمانينيات. وقد وصف دي مايو هذا الاتفاق الأخير بأنه "نموذج ومصدر إلهام على الصعيد الأوروبي".

مبيعات الأسلحة

وفي ما يتعلق بمبيعات الأسلحة، ذكرت الصحيفة أن إيطاليا صدرت إلى المغرب في الفترة من 2016 إلى 2020 معدات حربية وأسلحة بقرابة 91.6 مليون يورو. ووفقاً لجورجو بيريتَا، المحلل بالمرصد الدائم حول الأسلحة الخفيفة وسياسات الأمن والدفاع، فإن "هذه النسبة ليست هامشية، لأنه يتعين أن نأخذ في اعتبارنا انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب، ولا سيما حيال الشعب الصحراوي". 

وتعليقاً على الأخبار المتعلقة بتوقيع المغرب عقداً لشراء فرقاطتين متعددتي المهام طراز فريم من إنتاج مجموعة فينكانتييري الإيطالية، شدد بيريتَا على أنه "من الضروري أن تتم مناقشة التصريح ببيع الفرقاطتين إلى المغرب داخل البرلمان الإيطالي".

وفي سياق متصل، ذكر الكاتب والخبير الإيطالي جوزيبي غاليانو، رئيس مركز كارلو دي كريستوفوريس للدراسات الاستراتيجية، في تحليل نشرته مجلة "ستارت" الإلكترونية الإيطالية تحت عنوان "ليس فقط فريم، ما هي أسباب بيع الولايات المتحدة وإيطاليا أسلحة للمغرب؟" أنه من المنتظر أن يستلم المغرب قريباً الدفعة الأولى من الطائرات المروحية الأميركية من طراز AH-64 أباتشي بموجب الاتفاق المبرم مع شركة بوينغ في عام 2020.

دور الولايات المتحدة في المغرب

وأوضح غاليانو أن الهدف النهائي من هذه الصفقة، التي تعد تأكيداً على الدور الحاسم لواشنطن في إمداد المغرب بالأسلحة، هو تعزيز كفاءة سيطرة المغرب على الأمن البحري والجوي، وعلى وجه الخصوص التصدي لتواجد التطرف الإسلامي وجبهة البوليساريو. تجدر الإشارة في هذا الإطار إلى أن واشنطن وردت 90% من الأسلحة التي حصلت عليها المملكة المغربية، ما أدى إلى زيادة ملحوظة في الإنفاق العسكري بنسبة 29% تقريباً، بينما تدور القيمة الإجمالية للأسلحة التي اشترتها المغرب حول 4.8 مليارات دولار.

التسليح الروسي للجزائر

واعتبر الخبير الإيطالي أن تلك الزيادة الملحوظة في الإنفاق العسكري تجد تفسيراً لها على ضوء أن الجزائر، خصم المغرب على الصعيد الجيوسياسي والداعم الرئيس لجبهة البوليساريو، تعتبر من العملاء المهمين للأسلحة الروسية. وعلى سبيل المثال، بعد شراء المغرب لطائرات مقاتلة من طراز "إف 16" من الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي "ناتو"، جاء رد الجزائر عبر توقيع عقد مع روسيا لتوريد 42 مقاتلة من طراز سوخوي.

تناغم مغربي – صيني

واستدرك غاليانو بقوله إن المقاربة المغربية، على الرغم من ذلك تتسم على غرار المقاربة التركية، بالمرونة والتنوع، ما يظهر جلياً من خلال التناغم مع الصين وكذا الاستثمارات في قطاع الطاقة.

المساهمون