روسيا قبل يومي 23 و24 يونيو/حزيران 2023 ربما لن تكون هي ذاتها بعد هذا التاريخ، فقد شهدت الدولة، صاحبة ثاني أقوى جيش في العالم، تمرد فاغنر المسلح والخاطف الذي نجح خلال ساعات في السيطرة على مدن روسية كبرى، ومطار عسكري، والتوجه نحو العاصمة موسكو لمحاصرتها، وقبلها إسقاط طائرة روسية.
زاد من بريق التمرد أن قوات فاغنر المسلحة لم تواجه مقاومة حقيقية على الأرض، وأنها تقدمت نحو السيطرة على المدن الروسية دون اشتباكات تذكر مع أفراد الجيش الروسي.
صحيح أن زعيم مليشيا فاغنر تراجع بسرعة عن توسيع دائرة تمرده المسلح، ولم ينجح في تنصيب رئيس جديد لروسيا، أو محاصرة موسكو كما هدد، وأنه جرت تسوية سريعة للأزمة، ضمنت عدم محاكمة قائد التمرد.
من المتوقع أن يتعرض الروبل لمزيد من الضغوط، مع تطورات ملف تمرد فاغنر، لتظل أحد أسوأ العملات أداءً بين الأسواق الناشئة في العالم
لكن هذا لا يعني أن التمرد انتهى، وطويت صفحته للأبد، وأنه لن تكون له عواقب وخيمة على النظام الحاكم في روسيا والمؤسسة العسكرية، وربما النخب السياسية.
كما ستكون للتمرد تداعيات سلبية على الأسواق العالمية التي شهدت اليوم الاثنين زيادات ملحوظة في الأسعار، خاصة الأسواق المتعلقة بالحبوب من قمح وذرة وشعير وزيوت، حيث تعد روسيا واحدة من أكبر مصدري القمح في العالم.
وصحيح أيضاً أن البعض تعامل مع تمرد فاغنر على أنه مسرحية من صنع بوتين، أو مؤامرة من قبل الولايات المتحدة وقوى غربية.
لكن الواقع يقول إن العالم تعامل بجدية شديدة مع التمرد وارتداداته، وأن الأسواق باتت تتعامل مع الحدث على أنه خطر جديد يضاف للمخاطر الجيوسياسية الحالية.
وأن أسواق الطاقة والمعادن والحبوب وغيرها تترقب تداعيات التمرد الخطيرة، خاصة أن بوتين ربما لن يسكت على تلك الإهانة والصفعة القوية التي وجهها له يفغيني بريغوجين، وأنه قد يحدث تغييرات في القيادة العسكرية.
وقد يحاول بوتين ضم قوات فاغنر بالقوة لوزارة الدفاع، وقد يلاحق المنضمين للتنظيم المسلح من المرتزقة والجنود المأجورين، وقد يتخذ إجراءات أكثر حسماً بشأن هؤلاء المرتزقة حتى يعيد الهيبة للدولة ونظامه.
ارتدادات أزمة فاغنر ظهرت أيضاً في أسواق الحبوب والمعادن، فقد ارتفعت أسعار القمح أمس بنسبة 2.4%، كما ارتفعت أسعار الذهب
مؤشرات الترقب لما بعد التمرد ظهرت اليوم في الأسواق الروسية قبل غيرها، فقد انخفض الروبل مقابل الدولار ليسجل أدنى مستوياته منذ شهر مارس/آذار 2022.
ومن المتوقع أن تتعرض العملة الروسية لمزيد من الضغوط خلال الفترة المقبلة، مع تطورات ملف تمرد فاغنر، لتظل أحد أسوأ العملات أداءً بين الأسواق الناشئة في العالم، خاصة أنها فقدت 13% من قيمتها خلال العام الجاري.
ارتدادات أزمة فاغنر ظهرت أيضاً في أسواق الحبوب والمعادن، فقد ارتفعت أسعار القمح أمس بنسبة 2.4%، كما ارتفعت أسعار الذهب، مع تزايد الإقبال على المعدن النفيس كملاذ آمن، وسط تزايد المخاطر الجيوسياسية عقب تمرد المرتزقة الروس.
رغم احتواء التمرد المسلح لا تزال هناك حالة من عدم اليقين والغموض السياسي محيطة بروسيا، والعالم يترقب خطوات بوتين المقبلة بشأن التعامل مع واحد من أكبر التهديدات التي واجهته منذ وصوله للسلطة قبل أكثر من عقدين من الزمن.
كما يترقب تطورات المعارك على الأرض في أوكرانيا، خاصة أن قوات فاغنر حققت انتصارات كبيرة على أرض المعركة لصالح الجيش الروسي، ويترقب انتصارات أوكرانية متوقعة خاصة إذا ما جرى إخفاء فاغنر من مسرح العمليات.
ويترقب الجميع موقف الغرب تجاه روسيا التي شهدت تمرداً مسلحاً خطيراً، وهل سيوسّع دائرة الحرب والعقوبات، واستغلال ما يطلق عليه بحالة الضعف القائمة في النظام الروسي.