تشير البيانات الصادرة عن الجهات الإحصائية في ألمانيا إلى بوادر أزمة عميقة تنتظر أكبر اقتصاد أوروبي خلال الأشهر المقبلة. التضخم يسجل أرقاماً قياسية، أزمة الطاقة تزحف إلى القطاعات، السلطة المنهكة من تحفيزات كورونا تضخ المزيد من الدعم للأسر، والتوقعات المستقبلية تدل إلى اقتراب الاقتصاد من الركود.
فقد أظهرت بيانات نُشرت اليوم الخميس أن التضخم في ألمانيا ارتفع في سبتمبر/ أيلول لأعلى مستوى في أكثر من ربع قرن، بضغط من ارتفاع أسعار الطاقة التي لم تعد تدابير التهدئة تجدي معها نفعا.
وأوضح مكتب الإحصاء الاتحادي أن أسعار المستهلك، المنسقة لجعلها قابلة للمقارنة مع بيانات التضخم من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، ارتفعت بنسبة 10.9 بالمئة على أساس سنوي. وكان محللون استطلعت رويترز آراءهم توقعوا ارتفاعا بعشرة بالمئة. وهذه الزيادة هي الأعلى منذ عام 1996.
وترجع الزيادة في التضخم إلى صعود تكاليف الطاقة بنسبة 43.9 بالمئة مقارنة بشهر سبتمبر/أيلول من العام الماضي، بعد انتهاء عرض لخفض تذاكر النقل وضريبة الوقود بنهاية أغسطس/ آب.
وقال المستشار أولاف شولتز في تصريحات صحافية، الخميس، إن الحكومة ستعيد تنشيط صندوق الاستقرار الاقتصادي المستخدم سابقا خلال الأزمة المالية العالمية ووباء فيروس كورونا.
الاعتماد على روسيا
وتواجه ألمانيا زيادة حادة وصلت إلى ثلاثة أضعاف في فواتير الطاقة على المستهلكين من الأسر والشركات، وسط خطة أوروبية لإدارة أزمة الطاقة خلال الشتاء المقبل.
وأضاف شولتز أن قرار موسكو قطع الغاز الطبيعي عن أوروبا، والتسرّبات الأخيرة على خطي أنابيب "نورد ستريم"، أظهرا أنه لا يمكن توقع المزيد من إمدادات الطاقة الروسية في المستقبل القريب.
وأجرى المستشار الألماني نهاية الأسبوع الماضي، جولة شملت السعودية والإمارات وقطر، بهدف توقيع عقود لتوريد الطاقة إلى بلاده، إلا أنه لم يعلن إلا عن بعض العقود مع الإمارات.
كانت ألمانيا تستورد 50 بالمئة من حاجتها للغاز الطبيعي من روسيا، قبل أن تتراجع حاليا لأقل من 20 بالمئة، فيما تؤكد الحكومة أن وارداتها ستكون صفرا خلال سنوات قليلة.
وتخطط ألمانيا لإنفاق ما يصل إلى 200 مليار يورو (195 مليار دولار) لمساعدة الأفراد والأعمال على مواكبة ارتفاع أسعار الطاقة.
وقال وزيران في الحكومة الألمانية اليوم الخميس إنه يتعين على الشركات والأسر الألمانية ترشيد استهلاك الغاز بشكل أكبر في الوقت الذي تخوض فيه البلاد حربا اقتصادية مع روسيا.
وصرح وزير الاقتصاد روبرت هابيك للصحافيين بأن أزمة الطاقة التي "نمر بها في أوروبا قد تتحول إلى أزمة اقتصادية واجتماعية أيضا".
من جهته، ذكر وزير المالية كريستيان ليندنر "وجدنا أنفسنا في خضم حرب طاقة"، مضيفاً أن ألمانيا سترد بكل قوتها الاقتصادية.
نحو الركود
وتأتي هذه الإجراءات في أعقاب توقع مجموعة رائدة من مراكز الأبحاث في وقت سابق اليوم الخميس صورة قاتمة للآفاق الاقتصادية المستقبلية لألمانيا.
ووفقًا لتوقعات مراكز الأبحاث، فإن الأزمة في أسواق الغاز وارتفاع أسعار الطاقة والانخفاض الهائل في القوة الشرائية ستدفع الاقتصاد الألماني إلى الركود.
وقال تورستن شميدت، رئيس الأبحاث الاقتصادية في معهد أبحاث RWI لموقع "يورو نيوز"، إن التكلفة المرتفعة للطاقة كانت العامل الرئيسي "الذي دفع ألمانيا نحو الركود". وأضاف شميت أن أكبر اقتصاد في أوروبا سينكمش خلال النصف الثاني من عام 2022. وكان التعافي غير الكامل من الوباء العالمي من بين العوامل التي ساهمت في أزمة الاقتصاد الألماني.
وأكد معهد IFO في ميونخ في بيان في وقت سابق يوم الخميس أن التضخم من المرجح أن يبلغ متوسطه 8.8% في العام المقبل. ومن المتوقع أن يستقر في عام 2024 "ليكون أعلى بقليل من المعدل المستهدف للبنك المركزي الأوروبي البالغ 2%".
من المتوقع أيضًا أن يتقلص الناتج المحلي الإجمالي الألماني بنسبة 0.4% في عام 2023، انخفاضًا من تقديرات أبريل لنمو 3.1%، قبل أن ينتعش مرة أخرى إلى حالة النمو في عام 2024.
جاءت التوقعات يوم الخميس في إطار ما يسمى بالتوقعات الاقتصادية المشتركة، والتي يتم إعدادها مرتين سنويًا من قبل معهد ifo في ميونخ، ومعهد كيل للاقتصاد العالمي، ومعهد هاله للأبحاث الاقتصادية (IWH)، ومعهد لايبنيز للبحوث الاقتصادية.