بات معدل التضخم أحد أبرز التهديدات التي تواجه الاقتصاد الأميركي، خاصة مع قفزاته الأخيرة وبلوغه رقما قياسيا يعد الأعلى في 4 عقود، وهو ما قد يدفع البنك الفيدرالي للتعجيل بقرار رفع سعر الفائدة على الدولار وبواقع 4 زيادات خلال العام الجاري.
وقفز التضخم في الولايات المتحدة بأسرع وتيرة في حوالي 40 عامًا، الشهر الماضي، إذ سجل 7%، وسط توقعات بأن يسرع الاحتياطي الفيدرالي وتيرة زيادة العائد على العملة الأميركية في ظل تلك الأوضاع.
وأظهرت بيانات رسمية، الأربعاء، أن مؤشر أسعار المستهلكين الأميركي ارتفع 0.5% في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، مقابل 0.8% في نوفمبر/ تشرين الثاني، لكن التضخم السنوي سجل 7%، وهو أعلى مستوى منذ عام 1982.
ورغم تأكيد الرئيس الأميركي جو بايدن أن تقرير تضخم المستهلكين الجديد بمثابة دليل على أن قفزات الأسعار بدأت في التباطؤ، لكن ارتفاع التضخم ما زال يطغى على المشهد في الولايات المتحدة، حيث أعلنت وزارة العمل، الأربعاء، عن ارتفاع أسعار المستهلكين خلال ديسمبر/ كانون الأول بنسبة 7% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، ليتأكد وقوع الاقتصاد الأميركي في ورطة مزدوجة، سببها تسجيل أعلى معدل للتضخم في أربعة عقود، بينما جهود إنعاش الاقتصاد بعد عامي الجائحة لم تؤت ثمارها كاملةً حتى الآن.
وبعد عقدٍ كامل من محاولات رؤساء مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) الحفاظ على معدل التضخم عند مستوى 2%، لم تنجح في أغلبها إلا في عدد من الأشهر لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، جاء فيروس كورونا ليتجاوز به مستواه المستهدف، ويستمر في الارتفاع التدريجي، وصولاً لأعلى مستوياته في آخر أشهر العام الماضي، بفعل تركيبة نادرة من تعطل سلاسل الإمداد التي يعتمد عليها الاقتصاد الأميركي، وتريليونات الدولارات التي ضختها الحكومة والبنك الفيدرالي على مدار الأشهر العشرين الأخيرة. وارتفع معدل التضخم السنوي من 6.8%، التي تم تسجيلها في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، ليكون الشهر الأخير هو الرابع على التوالي الذي يتجاوز فيه معدل 6%.
وفي ما اعتبر ضغطاً إضافياً على البنك الفيدرالي لسرعة التدخل للحد من الارتفاعات المتتالية في الأسعار، قالت الوزارة إن معدل التضخم الأساسي، الذي يستبعد أسعار الوقود والغذاء شديدة التقلب، وصل في شهر ديسمبر/ كانون الأول إلى أعلى مستوى له في ثلاثة عقود، مسجلاً 5.5% مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، ومرتفعاً من 4.9% التي سجلها في الشهر السابق.
وبينما يعمل صانعو السياسة النقدية في البنك الفيدرالي على تهيئة الأسواق والمستثمرين والمواطنين لرفع معدلات الفائدة وإنهاء سياسات التيسير الكمي التي استهدفت تحفيز الاقتصاد، تعهد جيرومي باول، رئيس البنك، بوضع حد للارتفاع المستمر في معدل التضخم الأميركي، مؤكداً أن ذلك لن يتسبب في إعاقة جهود إنعاش الاقتصاد وتخليصه من أي آثار سلبية ناتجة عن انتشار الفيروس في البلاد على مدار العامين الماضيين.
وفي جلسة استماع له أمام لجنة البنوك بمجلس الشيوخ قبل التصويت على تجديد تعيينه في منصبه قبل نهاية الشهر الجاري، وصف رئيس البنك المركزي الأكبر في العالم التضخمَ بـ"التهديد الخطير" للمحاولات الجارية لإنعاش الاقتصاد الأميركي، إلا أنه أكد في الوقت نفسه أن حالة الاقتصاد الحالية تسمح بـ"تطبيع السياسات النقدية" للبنك، من خلال الابتعاد بعض الشيء عن معدلات الفائدة الصفرية، وتقليص مشتريات البنك من السندات، والتخلص التدريجي من السندات الموجودة في ميزانيته التي تجاوز حجمها 8.5 تريليونات دولار، مشيراً إلى أن "الطريق إلى أوضاع ما قبل ظهور الوباء ما زال طويلاً".
ورغم القلق المتزايد من زيادة معدل التضخم الاميركي، إلا أن مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا قالت إن التضخم في الولايات المتحدة من المرجح أن يتباطأ في الربع الثاني من العام الجاري، بعدما قفز لأعلى مستوى في نحو 40 عامًا.
وذكرت في مقابلة مع محطة "سي إن بي سي"، أن "هذا التوقع يتوقف على مدى التعامل مع اضطرابات سلسلة التوريد، وما نراه هو بعض المؤشرات الإيجابية التي تشير إلى إحراز بعض التقدم في هذا الصدد".
بدوره، وصف جيريمي سيجل، أستاذ التمويل بجامعة وارتون، بيانات وزارة العمل الصادرة الأربعاء، بأنها لم تكن سيئة كالتوقعات، إلا أنه أكد أيضاً أنها لم تكن جيدة. ولفت سيجل نظر محدثيه والمشاهدين، في لقاء له مع قناة "سي إن بي سي" الإخبارية، إلى أن أسعار النفط حالياً شديدة القرب من أعلى مستوياتها على الإطلاق، مضيفاً أن "أسعار الطاقة انخفضت أكثر من 4% خلال الشهر الماضي، الذي سجل فيه التضخم 7%، بينما تقول التوقعات إنها لن تنخفض خلال الشهر الجاري"، في إشارة إلى توقعه تجاوز معدل التضخم في الشهر الحالي المعدل المتحقق في ديسمبر/ كانون الأول. ودعا سيجل البنك الفيدرالي إلى "التعامل بشراسة أكثر مع الأسواق لكبح جماح التضخم".
وأكد أستاذ التمويل المخضرم أن السبب الأساسي لارتفاع معدل التضخم الأميركي بهذه الصورة هو زيادة عرض النقود بصورة غير مسبوقة في الاقتصاد على مدار قرن ونصف من الزمان، مؤكداً أن المعروض منها حالياً يزيد عن مستواه في نهاية الربع الأول من العام الماضي بنسبة 35%، بينما لم تكن هناك زيادة مماثلة في المعروض من السلع.
لكن ورغم تأكيدات على قدرة الفيدرالي على كبح موجة غلاء الأسعار الحالية وتباطؤ التضخم بالولايات المتحدة، إلا أن فرانشيسكو كورتو، رئيس الأبحاث لدى شركة إدارة الأصول دي دبليو إس DWS، يرى أنه بالرغم من أن التضخم قد يتباطأ، ولكنه من غير المتوقع عودته إلى مستهدف الاحتياطي الفيدرالي في المستقبل القريب.
وقال كورتو، في حديث مع شبكة "سي إن بي سي"، إنه "على الأرجح ستمنع متطلبات أسعار الطاقة المرتفعة لتلبية متطلبات الحكومة لخفض الانبعاثات تراجع التضخم نحو مستهدف البنك المركزي".
وأضاف: "انخفاض الأسعار سوف يكون ضروريًا حتى يعود المستهلكون إلى الإنفاق في ظل استمرار الوباء"، مشيرًا إلى أن التضخم قد يتسبب في تقويض القوة الشرائية للمستهلكين بعد الوباء.
وبحسب كورتو، فإن الطريقة الأنسب للتعامل مع سوق الأسهم في ظل الظروف الراهنة للتضخم هي البحث عن الشركات التي تتمتع بقوة تسعير قوية (مصطلح يصف تأثير التغيير في سعر منتج الشركة على الكمية المطلوبة من هذا المنتج).
ويوم الثلاثاء، وعلى نحو متصل، بدا جيرومي باول واثقاً من نتيجة التصويت على إعادة تعيينه رئيساً للبنك، حيث أكد أن كثيراً من الضغوط التضخمية ستختفي وحدها "مع حدوث انفراجة متوقعة قريباً في سلاسل الإمداد، ومع عودة العمال المصابين بالفيروس إلى وظائفهم".
وجاءت كلمات باول بعد ساعات قليلة من تسجيل الولايات المتحدة مستوى قياسيا من الإصابات في يومٍ واحد، متجاوزاً 1.4 مليون إصابة، ومرتفعاً بالمتوسط اليومي للأيام السبعة الأخيرة لأكثر من 777 ألف إصابة، وما زالت اضطرابات سلاسل الإمداد تتسبب في خلو أرفف المتاجر من بعض البضائع في عدة ولايات.
ورغم وجود اعتراضات من بعض المشرعين على التجديد لباول، الذي يعد أول رئيس للبنك من غير الاقتصاديين خلال ما يقرب من أربعة عقود، بسبب ما يعتبرونه ضعف الرقابة على البنوك الأميركية، وعدم وجود سياسة واضحة للبنك لدعم جهود محاربة تغير المناخ، بالإضافة إلى ما أثير أخيراً عن تعاملات بعض أعضاء مجلس إدارة البنك في أسواق الأسهم الأميركية، قال السيناتور شيرود براون، رئيس اللجنة التي استجوبت باول، إنه لا يتوقع حدوث تغيير كبير عن نتيجة التصويت الذي تم قبل أربع سنوات عند تعيينه لأول مرة، والذي حصل فيه الرئيس الحالي للبنك على تأييد 84 صوتاً من أصوات أعضاء مجلس الشيوخ المائة.