من المقرر أن تنطلق اليوم الإثنين، جولة جديدة من مفاوضات المسار الاقتصادي بين الأطراف الليبية بغية التوصل إلى اتفاق بشأن إصلاحات بالغة الأهمية في السياسة الاقتصادية العامة، تحت رعاية البعثة الأممية لدى ليبيا.
وفي المقابل، دعا محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصديق الكبير، مجلس إدارة المصرف إلى اجتماع يوم الخميس المقبل، بغرض دراسة تعديل سعر الصرف، إلى جانب إجراءات اقتصادية أخرى والاختلالات المالية، وذلك بعد انقسام المؤسسة المالية لما يقرب من ست سنوات.
وكشفت مصادر مسؤولة في مصرف ليبيا المركزي، رفضت ذكر اسمها، لـ"العربي الجديد" أن هناك خيارين لتعديل سعر الصرف أولهما تخفيض قيمة الدينار الليبي أمام وحدة السحب الخاص التي لم تحدد حتى الآن ولكنها ستدور غالبا ما بين 3.72 و4.45 دنانير.
أما الخيار الثاني، وحسب المصادر، فيتمثل في العمل بسعر خاص معلن وفق روشتة الإصلاح الاقتصادي وعبر سعر تجاري للعملة المحلية يخفض تدريجيا وصولا لسعر توازني يتم من خلاله تعديل سعر الصرف.
وحسب مراقبين، فإن تخفيض قيمة العملة ستترتب عليه سلبيات مثل ارتفاع فاتورة الاستيراد وزيادة معدل التضخم وبالتالي زيادة أعباء المعيشة على المواطنين.
ويبلغ سعر صرف الدولار رسميا، حسب المصرف المركزي، نحو 1.4 دينار، في حين يبلغ سعره في السوق الموازية غير القانونية أكثر من 5 دنانير، والتي نمت وتغذت على الصراع السياسي وتراجع إيرادات البلاد من النقد الأجنبي.
وفي هذا السياق، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة عمر المختار، صقر الجيباني، لـ"العربي الجديد" إن أزمة العملة المحلية أصلها سياسي ويلفّها الفساد من جميع الجوانب؛ موضحاً أنه يرحب بتعديل سعر الصرف (تخفيض قيمة الدينار الليبي) إذا كان الهدف منه اقتصاديا بحت للقضاء على السوق السوداء وتخفيض وكبح جماح التضخم وصولًا في النهاية إلى تحقيق هدف رفع المعاناة المعيشية لذوي الدخول الثابتة.
وأضاف الجيباني: "أما إذا كان وراء تخفيض قيمة العملة ضغوط سياسية وأجندة أخرى فستؤدي إلى تأجيج المضاربة في العملة المحلية للنيل من الاحتياطيات من النقد الأجنبي في مثل هذه الظروف الاستثنائية التي تشهدها البلاد، بالإضافة إلى تدني أسعار النفط العالمية، كما ستؤدي إلى غلاء أسعار السلع الضرورية وتفاقم الأعباء المعيشية على المواطنين.
ومن جانبه، رأى أستاذ الاقتصاد بجامعة طبرق، علي عطية، أن سعر الصرف العادل الذي يتماشى مع الأوضاع الاقتصادية يقدّر بنحو 3.46 دنانير مقابل الدولار، وذلك اعتمادًا على الميزان الخارجي ونسبة الإنفاق.
وقال عطية لـ"العربي الجديد" إن المطلوب أولا هو معالجة هيكلة السياسات المالية العامة وتحديد الوعاء الضريبي الأمثل في الاقتصاد.
وأعتبر مدير مركز أويا للدراسات الاقتصادية (مستقل)، أحمد أبولسين، أن تعديل سعر الصرف يجب أن يراعي ثلاثة أسواق وهي العمل والسلع والنقد، مؤكداً أن المقترح الجديد سيسهم في تخفيض قيمة العملة دون النظر في العواقب التي لها تأثير كبير على القوة الشرائية للدينار.
ودعا أبولسين إلى ضرورة العمل بسعر الصرف الفعال المقيد بوحدة وقيمة الواردات، محذرا من انخفاض القوة الشرائية للدينار، لأن ليبيا اقتصادها ريعي يعتمد بشكل أساسي على إيرادات النفط وليس لديها قطاعات إنتاجية فيتم تخفيض العملة مثلاً لتشجيع الصادرات.
وتعيش ليبيا على وقع أزمات مالية خانقة وشح في السيولة النقدية وتدهور بمختلف القطاعات الاقتصادية بسبب تواصل الصراع الذي أدى إلى خسائر فادحة في المصدر الرئيسي للدخل في البلاد وهو النفط، إذ بلغت الخسائر المالية نتيجة الاقفالات غير القانونية للحقول والموانئ النفطية خلال تسع سنوات 155 مليار دولار، وفق تقارير رسمية.
وأعلنت المؤسسة الوطنية للنفط، وصول مجموع خسائر وقف إنتاج النفط إلى نحو 10 مليارات دولار، منذ يناير/ كانون الثاني الماضي وحتى 12 سبتمبر/أيلول الماضي فقط.
وقدرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "إسكوا"، الكلفة الإجمالية للصراع في ليبيا منذ اندلاعه في عام 2011 حتى اليوم، بنحو 576 مليار دولار. وحذرت من ارتفاع الكلفة بشكلٍ حاد إذا لم يُوقع اتفاق سلام قريبا، موضحة أنه إذا استمرّ الصراع حتى العام 2025 فقد يضيف ما يساوي 462 مليار دولار إلى الكلفة الاقتصادية.
وذكرت وزارة المالية بحكومة الوفاق في تقرير حديث لها اطلعت عليه "العربي الجديد"، أن احتياطات النقد الأجنبي تناقصت إلى 63 مليار دولار حالياً، مقابل 77 مليار دولار الذي هو مستواها في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2019.
وخلال النصف الأول من العام الحالي خسر الدينار الليبي 54% من قيمته بالسوق الموازي، ودعا البنك الدولي في أخر تقرير له إلى الالتزام بإدارة سياسية وطنية لتوحيد مؤسسات البلاد مع تنفيذ الإصلاحات.
وخفضت ليبيا عملتها رسمياً بنسبة 62% في عام 2002 بهدف تعزيز قدرتها التنافسية، وربطت الدينار الليبي بحقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي لتعزيز استقراره، حسب الأهداف المعلنة من المسؤولين آنذاك.