أصبح السّوق الموازي للعملة في ليبيا، خلال الفترة الأخيرة، المحرّك الرّئيسيّ لمعظم التّعاملات الماليّة في البلاد من تحويلات داخليّة وخارجيّة، بالإضافة إلى البيع والشّراء في أسواق العملة.
وحسب بيانات رسمية، عاد السّوق الموازي، غير المعترف بها قانوناً، بقوّة خلال السنوات من 2013 إلى 2020، ليشكّل نحو 60% من النّاتج المحلّي الإجمالي، بينما تؤكد دراسات غير رسمية أنّ معدّل النمو وصل إلى 88% مطلع عام 2021.
وكانت نسبة نموّ القطاع غير الرّسمي خلال عقد الثّمانينيات تقدر بـ20%، ثم تراجع قليلا في التّسعينيّات إلى 17.3%، ثمّ انخفض إلى 3.1% في عام 2006، وذلك بسبب السّياسات الّتي اتخذها مصرف ليبيا المركزيّ آنذاك.
عاد السّوق الموازي، غير المعترف بها قانوناً، بقوّة خلال السنوات من 2013 إلى 2020، ليشكّل نحو 60% من النّاتج المحلّي الإجمالي
وفي هذا السياق، يرى الخبير المصرفي محمد أبو سنينة، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن السوق الموازي "هش"، ما يمثل خطرا على القطاع المالي في البلاد.
وكان المبعوث الخاصّ للأمم المتّحدة إلى ليبيا يان كوبيش حذر، مؤخراً، من أنّ النّظام المصرفيّ اللّيبيّ "سينهار على الأرجح" إذا لم يتوحّد فرعا البنك المركزيّ في البلاد.
وفي مصرف التجارة والتنمية "فرع بو مشماشة" بالعاصمة طرابلس، لم يتمكن المواطن موسى سليمان من تحويل مبلغ مالي لابنه المريض في تركيا عبر المصارف، وقال لـ"العربي الجديد": "للأسف موظف المصرف نصحني بالتعامل مع السوق السوداء، وقمت بالتحويل المالي لأن الإجراءات تأخذ وقتا طويلا في المصارف التجارية".
وفي سوق العملة "المشير" بوسط العاصمة اللّيبيّة، حيث تجرى معظم المعاملات الماليّة والتحويلات.
يقول صاحب شركة سياحيّة، معتز العماري، لـ"العربي الجديد"، إنه فقد الثّقة في الجهاز المصرفيّ منذ عشر سنوات، وإنه موجود بالسّوق لغرض سداد فواتير خارجية للفنادق، وإجراء حوالات ماليّة لدفع الرواتب للعاملين في فروع الشّركة بالمنطقتين الشّرقيّة والجنوبيّة.
وحوّل سؤال ما سبب التّعامل مع السّوق الموازي وسعر الصّرف بالمصرف أقلّ من السّوق، أكّد أنّ القطاع المصرفيّ يعاني من سوء الإدارة، والتّحويل يحتاج إلى أكثر من أسبوع، وأحيانا أخرى 15 يوما، بينما في السّوق الموازي يتم ذلك في أقلّ من ساعة.
محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصّديق الكبير: أداء القطاع المصرفيّ الآن دون المستوى في ظلّ البيروقراطيّة وتأخّر الإجراءات
وخلال حلقة نقاش حول دور المصارف وقطاع الاستثمار في تحريك عجلة الاقتصاد عقدت مؤخرا، قال محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصّديق الكبير، إنّ أداء القطاع المصرفيّ الآن دون المستوى في ظلّ البيروقراطيّة وتأخّر الإجراءات، وإن معظم العمليّات الماليّة تجرى عبر السّوق الموازي، مطالبا بضرورة تطوير أداء القطاع المصرفي.
وفي السياق ذاته، أوضح المحلّل الماليّ على بن سالم، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أنّ غياب الدّولة خلال السنوات العشر الماضية ساهم في نموّ الاقتصاد غير الرّسميّ وتسبب في ندرة السّيولة النّقديّة في المصارف.
وأشار إلى أنّ البيروقراطيّة في إجراءات التّسجيل التّجاريّة (رخصة مزاولة العمل)، على سبيل المثال، تجعل من الأسهل إخفاء النّشاط عن الدّولة، لا سيّما مع ضعف سلطة تنفيذ القانون والأجهزة الضّبطيّة والرّقابيّة.
ويرجع الباحث الاقتصادي بشير مصلح سبب لجوء المواطن إلى السوق الموازي إلى انقسام القطاع المصرفيّ منذ عام 2014 مع إيقاف المقاصّة الإلكترونيّة بين مصارف الشّرق والغرب، بالإضافة إلى تعديل سعر الصّرف مطلع العام الحاليّ وعدم السّماح لصغار التّجّار بفتح الاعتمادات المستنديّة.
ولا توجد تقديرات رسمية لحجم التحويلات المالية، في حين تقدّر العملة المتداولة خارج القطاع المصرفي بـ55 مليار دينار، أي ما يعادل 10 أضعاف معدلها الطبيعي.