هل يدرك عسكر السودان أن بلدهم يمكن أن يكون سلة غذاء العالم لو استقر سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وأن إنتاج السودان من الأغذية يمكن أن يكفي احتياجات كل الدول العربية مجتمعة من القمح والأغذية والذرة والزيوت والسمسم واللحوم والألبان، وبالتالي لا تلجأ هذه الدول لشراء السلع الغذائية من دول العالم المهيمنة على إنتاج الغذاء، مثل الولايات المتحدة وروسيا وأستراليا وفرنسا، ولا يتسول السودان نفسه القمح من دولة الاحتلال كما حدث قبل شهور عقب قرار التطبيع.
هل يدرك العسكر أن 100 مليار دولار قيمة واردات العرب من الأغذية سنويا يمكن أن تتجه لخزينة السودان الخاوية، وتضاف لاحتياطي بنك السودان المركزي من النقد الأجنبي، وبالتالي تجد الحكومة السودانية الموارد الكافية لتمويل واردات البلاد من الأدوية وحليب الأطفال والوقود ومواد الإنتاج والسلع الوسيطة، إضافة إلى سداد أعباء الدين الخارجي.
هل يدرك العسكر أن 100 مليار دولار قيمة واردات العرب من الأغذية سنويا يمكن أن تتجه لخزينة السودان الخاوية في حال حدوث استقرار
هل يدرك العسكر أن السودان يمكن أن يعوم على بحار من الأموال والاستثمارات والنقد الأجنبي إذا توقف هؤلاء الطامعون في السلطة واغتصابها عن ارتكاب جريمة الانقلابات العسكرية على الحكومات المدنية من وقت لآخر وآخرها ما حدث قبل أيام.
هل يدرك العسكر أن أموال العرب الهاربة في البنوك الغربية والهائمة في أسواق ودول العالم والتي تبحث عن فرصة استثمار مناسبة العائد ومضمونة أو حتى قليلة المخاطر يمكن أن تستقر في السودان إذا ما تمت تهيئة مناخ الاستثمار وإتاحة فرصة استغلال الأراضي الصالحة للزراعة والتي تقدر مساحتها بنحو 41.8 مليون فدان، منها نحو 1.9 مليون هكتار (4.7 ملايين فدان) من الأراضي المروية، خاصة على ضفاف نهر النيل والأنهار الأخرى في شمال البلاد.
هل يدرك العسكر أنهم السبب في تعاسة السودانيين وتجويعهم وإفقارهم وإذلالهم وتخلفهم عن سداد ديونهم، بل وهجرتهم إلى الخارج وكرههم للحياة، وأنهم وراء تحول السودان لدولة فاشلة اقتصاديا وسياسيا ومأزومة ماليا وهشة ومفلسة الموارد والإمكانيات.
فآخر ما يشغل هؤلاء العسكر هي قضايا التنمية ومكافحة التضخم والفقر والبطالة والفساد وخلق فرص عمل وتوفير السلع وتحسين الخدمات من كهرباء وطرق وجسور، ولا تعنيهم إقامة مصانع ومدارس ومستشفيات وشبكات مياه وصرف صحي، كل ما يعنيهم هو حصد المزيد من الأموال لصالح المؤسسة العسكرية التي ينتمون إليها، أو لصالحهم شخصياً.
هل يدرك العسكر أنهم السبب في تعاسة السودانيين وتجويعهم وإفقارهم وهجرتهم، وتحول السودان لدولة فاشلة اقتصاديا ومأزومة ماليا
لو عرف العسكر أهمية السودان العريق وقيمته التاريخية ما تركوه نهبا للفقر وساحة للفساد والحروب الأهلية والإبادات الجماعية العرقية.
ولو عرفوا قيمة بلدهم لحافظوا على حدوده ووحدة ترابه وتنوعه العرقي، وما انفصلت عنه دولة جنوب السودان بخيراتها النفطية الضخمة، وما طمعت فيه إثيوبيا وغيرها من الدول المجاورة، ولحافظوا على ثروات البلاد من النهب والسرقة، خاصة المياه العذبة والثروة الحيوانية والغابات والقمح والذهب والنفط والمعادن والصمغ العربي وغيره، ولانشغلوا بحراسة الحدود بدلا من الحكم بالحديد والنار وممارسة القمع والاستبداد والقهر.
لو أحب العسكر السودان حقا لا شعارات لدعموا استقراره واقتصاده بدلا من إثارة الفوضى من سنة لأخرى عبر الانقلابات، وأدركوا أن استقرار السودان مهم ليس فقط للدول المجاورة، مثل مصر وليبيا وتشاد، لكن للمنطقة كلها، وترك هؤلاء شؤون الحكم والسياسة للحكومات المدنية والأحزاب تحكم بالدستور والقانون.
لكنهم يريدون أن تتحول البلاد إلى معسكر كبير يعيش فيه السودانيون عبيدا للسادة الضباط والطبقة المرضي عنها.
عسكر السودان لا يريدون استقرارا ولا تنمية ولا نشاطا للاقتصاد المنهار، ولا رفاهية للشعب المطحون، ولا حتى منح المواطن الحد الأدنى للحياة، بل يهمهم شيء واحد هو الحكم والسيطرة على السلطة بكل ما تعنيه الكلمة من مزايا مالية ومعنوية وتحكم واستبداد وقهر.