ما إن قرر مجلس الاحتياط الفدرالي (البنك المركزي) الأميركي السير بزيادات أسعار فائدة مضطردة في أعقاب اندلاع الحرب الأوكرانية، وكانت أحدثها الزيادة التي أقرّها الأربعاء، حتى لحقت به مصارف مركزية عديدة حول العالم باتخاذ قرارات مماثلة برفع الفائدة على عملاتها الرسمية مع استمرار تشديد السياسة النقدية.
وأصبحت أسعار الفائدة تلقى اهتماماً ليس فقط من الخبراء وصناع السياسة المالية، لكن كذلك من المواطنين الذين وجدوا أنّ تغيرات الأسعار ستكون لها تبعات على أسعار العملات وسوق الدين ومؤشرات الاقتصاد الكلي.
دوافع تحريك أسعار الفائدة
تحرك البنوك المركزية حول العالم أسعار الفائدة، صعوداً أو هبوطاً، لتصحيح اختلالات تشهدها الأسواق، يتصدرها التضخم، إذ إنّ مهمة البنوك المركزية الرئيسية الحفاظ على الاستقرار النقدي والحفاظ على قيمة العملة والأسعار.
البنوك المركزية حول العالم تعتبر التضخم الواقع تحت سيطرتها أحد أبرز أدوات حماية السوق والعملة، بل ويؤثر إيجاباً على أسواق العمل والنمو الاقتصادي.
مهمة المصارف المركزية الرئيسية الحفاظ على الاستقرار النقدي والحفاظ على قيمة العملة والأسعار
التحكم بالتضخم يكون من خلال أداة بارزة تقع تحت مسؤولية البنوك المركزية وهي أسعار الفائدة، إذ تُحرّك أسعار الفائدة صعوداً عندما تكون نسبة التضخم مرتفعة ووجوب خفضها أولوية.
رفع أسعار الفائدة كذلك ينقل جزءاً من السيولة النقدية من الأسواق إلى البنوك على شكل ودائع، وهناك يحصل أصحاب هذه الودائع على فوائد مرتفعة، كأحد أشكال الاستثمار الآمن.
هذه السيولة التي تسحب من الأسواق قد تكون سبباً في نقص الوظائف، وهو ما يتوقعه الفدرالي الأميركي في 2023، وقد تقلل الاستثمار، وبالتالي تقلل الإنتاج والاستهلاك، ثم تبدأ أسعار المستهلك بالانخفاض.
رفع أسعار الفائدة كذلك ينقل جزءاً من السيولة النقدية من الأسواق إلى المصارف على شكل ودائع
وتساعد المعدلات المنخفضة لأسعار الفائدة على تعزيز الاقتصاد، من خلال جعل الاستثمار في مشاريع جديدة أو تعيين موظفين أو الحصول على قرض لشراء سلع باهظة الثمن، مثل المنازل أو السيارات، أرخص بالنسبة للشركات والأسر.
أسعار الفائدة المرتفعة والاستمرار في زيادتها تقود الاقتصاد في مرحلة ما إلى اضطراب في هيكل الاقتصاد، ويمهد لحدوث ركود، وهو ما قالت العديد من المؤسسات الاقتصادية الأميركية إنّ الركود وقع فعلاً داخل الاقتصاد الأميركي.
صدمة أسعار الفائدة المتطرفة تصيب الأسواق بحالة هلع وتخارج من سوق الأسهم بصفتها استثمارات عالية المخاطر، والتوجه نحو الاستثمار بالدولار، وتسريحات موظفين وزيادة بطالة، وهي تبعات مؤلمة كما صرح رئيس الفدرالي جيروم باول، الأربعاء.
يريد الفدرالي أن يصل المستهلكون إلى مرحلة يفكرون فيها أكثر قبل اتخاذ قرار الاستهلاك، وهي حالة تحدث عندما لا تتوفر السيولة النقدية بين أيدي المستهلكين.
التضخم مرتفع للغاية في الولايات المتحدة خلال أغسطس/آب الماضي عند 8.3% عن العام السابق، بينما هدف الفدرالي هو تضخم في حدود 2%.
صدمة أسعار الفائدة المتطرفة تصيب الأسواق بهلع وتخارج من سوق الأسهم عالية المخاطر والتوجه نحو الاستثمار بالدولار
خلال الأشهر القليلة الماضية، أدت زيادة أسعار الفائدة من جانب بنك الاحتياطي الفدرالي إلى ارتفاع كبير في معدلات الرهن العقاري.
ولأول مرة منذ عام 2008، بلغت القروض العقارية ذات السعر الثابت لمدة 30 عاما 6%، مع توقع أن ترتفع المعدلات في وقت لاحق من هذا العام مقارنة مع أقل من 3% قبل عام.
لماذا يحصل التضخم؟
يحدث التضخم عندما يكون هناك عدم تطابق بين العرض والطلب في الاقتصاد المحلي لدولة ما، وأن مسألة خفضه واجب على راسمي السياسة النقدية (البنك المركزي)، وبدعم من راسمي السياسة المالية (الحكومة) التدخل.
في الأشهر الأولى لجائحة كورونا، تحولت الكمامات وسوائل التعقيم إلى سلعة قومية لدى عديد الدول، بسبب الطلب الحاد عليها، في وقت عجزت المصانع عن تلبية الاستهلاك المتزايد.
في ذلك الوقت، ارتفعت أسعار الكمامات إلى مستويات غير منطقية، فالعرض والطلب هما ما يحدد الأسعار التي تكون سبباً في حدوث التضخم، وهكذا يحصل التضخم في بقية السلع.
(الأناضول)