يُحدث لقاح شركتي فايزر الأميركية وبيونتيك الألمانية المضاد لجائحة كورونا تغييرات رئيسية في الأسواق العالمية تفوق كثيراً تداعيات الانتخابات الأميركية. ومنذ الإعلان عن اللقاح الذي أثبتت التجارب فعاليته بنسبة كبيرة، تعيش أسواق المال والسلع انتعاشة غير مسبوقة في أسعارها، إذ ارتفعت الأسواق العالمية بقوة وسط تفاؤل المستثمرين بفك قيود التنقل وعودة حركة السفر. يُذكر أن تقديرات حجم الخسائر التي سببتها جائحة كورونا للاقتصاد العالمي راوحت بين 16 و12 تريليون دولار حتى الآن.
ومن المتوقع أن يدفع اللقاح الجديد المؤمل أن تظهر تأثيراته الإيجابية بقوة في العام المقبل، الطلب النفطي على الخامات النفطية والمشتقات في الأسواق المستهلكة الكبرى خلال العام المقبل. ويعد الطلب العالمي على مشتقات البترول من أهم العوامل التي تحرك المضاربات على العقود المستقبلية في بورصات البترول العالمية. وكانت أسعار النفط كسبت يوم الإثنين الماضي الذي أعلن فيه عن نجاح العقار، نحو 9.0%.
وكسب خام القياس البريطاني برنت نحو 8.09 % ليرتفع إلى 42.64 دولارا، بينما ارتفع خام غرب تكساس الأميركي بنسبة 9.18 إلى 40.55 دولارا. كما ارتفعت كذلك أسعار المشتقات النفطية من الغازولين وزيت التدفئة والبنزين بنحو 6.6%. واقترب خام برنت أمس الأربعاء من حاجز الـ 45 دولاراً، إذ كسب كل من خام برنت وخام غرب غرب تكساس أكثر من دولار في التعاملات التي جرت منتصف الظهيرة في لندن، حسب بيانات الأسعار لنشرة "أويل برايس".
وتوقعت شركات كبرى في تجارة النفط من بينها فيتول السويسرية وبنوك استثمارية، من بينها مصرف "سيتي غروب"، أن يرتفع سعر خام برنت في العام المقبل إلى 54 دولاراً للبرميل في المتوسط. ويأمل راسل هاردي الرئيس التنفيذي لشركة فيتول أن تتمكن السوق من امتصاص الفائض النفطي خلال النصف الأول من العام المقبل.
ويلاحظ أن هذا الارتفاع لا يمت بصلة لفوز بايدن بالانتخابات الأميركية، ويحدث في اتجاه مخالف تماماً لسياسة الطاقة المتجددة التي أعلن عنها، وهو ما يعني أن معنويات المستثمرين في أسواق الطاقة باتت مرتفعة بدرجة كبيرة وسط رهان كبير على مستقبل الطلب على النفط والغاز الطبيعي.
في هذا الشأن يقول خبير الطاقة بشركة رايستاد النرويجية، بيجورنارتونهوغن إن "تجار النفط ينظرون لتداعيات اللقاح على حركة السفر والطيران والتنقل، ويرون أنه سيطلق هذه الحركة التي تخضع حالياً لعمليات التقييد والإغلاق، وبالتالي سيرتفع الطلب العالمي على النفط".
من جانبه قال مدير أبحاث السلع الأولية بشركة كليبر داتا الأميركية، مات سميث إن "أسعار النفط ترتفع بمستويات جنونية بعد الإعلان عن اللقاح".
ويعتمد الطلب النفطي على انتعاش الاقتصادات الكبرى في أميركا وأوروبا وآسيا. ومن بين العوامل الداعمة لارتفاع أسعار النفط، تراجع المخزونات الأميركية، إذ كشفت بيانات معهد البترول الأميركي يوم الثلاثاء أن مخزونات الخام الأميركي انخفضت بـ5.1 ملايين برميل في الأسبوع الماضي إلى نحو 482 مليون برميل. وعلى الرغم من العوامل التي ترفع من المعروض في الأسواق العالمية وتضرب الطلب على النفط ومشتقاته، فإن السوق تعيش وضعاً من التفاؤل بعد الكشف عن اللقاح.
ومن المتوقع أن تساهم "أوبك +" في دفع الأسعار للارتفاع عبر تمديد العمل بخفض الإنتاج خلال اجتماعها المقبل. وخفضت دول منظمة أوبك والمنتجون المتحالفون معها غير الأعضاء، الإنتاج بنحو 7.7 ملايين برميل يومياً قبل ثلاثة شهور.
وفي هذا الشأن قال وزير الطاقة الجزائري عبد المجيد عطار أمس الأربعاء، إن "أوبك+" قد تمدد التخفيضات أو حتى يمكن أن تعمقها إذا اقتضت الضرورة، وهو ما يتوافق مع تعليقات لوزير الطاقة السعودي، عبد العزيز بن سلمان قال فيها إن منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاءها، فيما يعرف بمجموعة أوبك+، قد يعدلون اتفاقهم لخفض الإمدادات إذا تراجع الطلب قبل إتاحة اللقاح.
وحتى الأسبوع الماضي، كانت شركات كبرى متخصصة في الأبحاث النفطية تتوقع أسعاراً متدنية جداً للنفط في العام المقبل. وتراوح توقعات شركتي بلاتس وآرغوس لأسعار النفط بين 30 و40 دولاراً لبرميل خام برنت في المقبل، ولكن من المتوقع أن تراجع توقعاتها مثلما فعل مصرف "سيتي غروب" الذي رفع توقعاته لأسعار النفط بنحو 5 دولارات في العام المقبل.
ولكن هنالك عوامل قد تقيد حركة ارتفاع الأسعار، من الزيادة المتوقعة في المعروض النفطي، وعلى رأسها ارتفاع إنتاج النفط الليبي إلى نحو مليون برميل يومياً والأنباء الواردة عن زيادة صادرات النفط الإيراني إلى نحو 700 ألف برميل يومياً.
كما أن السوق النفطية تعاني من الفوائض العائمة في البحار التي ربما تضخ في السوق مع كل ارتفاع تحققه الأسعار. وهذه الفوائض العائمة في مياه هونغ كونغ وكاليفورونيا وشواطئ الكاريبي تعد واحدة من العوائق الكبرى خلال الشهور المقبلة التي تهدد الأسعار. يُذكر أن الفوائض النفطية العائمة بلغت نحو 160 مليون برميل خلال شهور انهيار أسعار النفط، حسب توقعات مركز دراسات الطاقة بجامعة كولومبيا الأميركية.