دعنا نذهب إلى أبعد نقطة، وهي أن الموازنة العامة للدولة لن تتحمل تكلفة إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة لمصر، كما قال السيسي في حواره مع جريدة الأهرام. ويبقى السؤال: من أين سيتم تمويل هذا المشروع الضخم البالغ تكلفته الإجمالية 90 مليار دولار، ما يعادل أكثر من 686 مليار جنيه، حسب تقديرات سابقة لرئيس شركة إعمار الإماراتية محمد العبار، والذي نفى، وبشكل قاطع، علاقة شركته بالمشروع لينسف مزاعم إعلامية وحكومية بتنفيذ الشركة المشروع.
هل التكلفة ستتحملها شركة "إيجل هيلز" الإماراتية التي أعلنت الحكومة المصرية أنها هي من وقعت، وليست شركة إعمار، كما تردد، على اتفاق لإنشاء العاصمة الجديدة.
بالطبع: من المستحيل أن تمول "إيجل هيلز" المشروع الضخم من مواردها الذاتية، لأن رأسمال الشركة ببساطة لن يزيد عن المليار دولار، وربما يبلغ أقل من ذلك، والعاصمة الجديدة لمصر ليست المشروع الوحيد للشركة الإماراتية، وبالتالي فهي توزع سيولتها المالية، على عدة مشاريع جاري تنفيذها سواء في الصرب أو نيجيريا أو غيرها، كما تحصل الشركة أيضاً على قروض من بنوك ومستثمرين وعملاء، وعبر سندات يتم طرحها في الأسواق المالية لاستكمال تمويل مشروعاتها؟
إذن من أين سيتم تمويل القاهرة الجديدة إذا استبعدنا فرضية تدبير التمويل عن طريق الشركة المنفذة؟
هناك مصادر معروفة للتمويل، أبرزها على الإطلاق القطاع المصرفي. والسؤال: هل البنوك المصرية لديها القدرة المالية على تمويل مشروع بهذه الضخامة، حتى ولو اجتمعت كل وحداته المصرفية البالغة 39 وحدة مصرفية معا؟
بالطبع: لا، لعدة أسباب، منها أن البنوك تطبق تعليمات البنك المركزي المصري المتعلقة بالتركز، والتي تحظر عليها تركيز استثماراتها في مشروع واحد، تفاديا للمخاطر، أو حتى تركيزها في قطاع اقتصادي واحد.
أما السبب الثاني، فإنه لا يتوافر لدى البنوك المصرية مثل هذه السيولة الضخمة لتمويل العاصمة، والتي تزيد عن إيرادات خزانة مصر في 16 شهراَ. وحتى لو توفرت هذه السيولة، فإن الحكومة المصرية في حاجة إليها لتمويل عجز الموازنة العامة البالغ 253 مليار جنيه في آخر عام مالي، وسداد رواتب الموظفين في الدولة التي تفوق 15 مليار جنيه شهرياً، وتمويل النفقات الجارية والاستثمارية للدولة، كما أن هذه السيولة لا تتجاوز 60 مليار جنيه أي نحو 8 مليارات دولار على أفضل تقدير.
إذن نعود للسؤال مرة أخري وهو: من أين التمويل؟
حسب تصريحات وزير الاستثمار المصري أشرف سالمان لتلفزيون بلومبرج، فإن تمويل العاصمة الجديدة سيتم بشكل رئيسي من قبل المطور المستثمر أي الشركة الإماراتية، وشركاء دوليين محتملين.
والسؤال: ومن هم هؤلاء الشركاء المحتملين؟ وهل لديهم قناعة بالمشروع من الأصل خاصة وأن مشروعا بهذه الضخامة لا توجد له دراسات جدوى؟ وكيف سيستردون أموالهم في حال ضخها بالنقد الأجنبي، خاصة أن العاصمة ستضم مباني للجهاز الإداري للدولة ولابد من أن يتم سداد تكلفة إقامة هذه المباني من الموازنة العامة للدولة، وهنا نعود مرة أخرى لموازنة الدولة لتدبير جزء من التكلفة الاستثمارية لمشروع العاصمة الجديدة.
والسؤال الأهم: هل من المعقول تنفيذ مشروع بهذه الضخامة دون أن تكون له دراسات جدوى اقتصادية تحدد التكلفة الاستثمارية ومصادر التمويل بدقة؟
اقرأ أيضاً:
200 مليار دولار .."مين يزود"؟
"إعمار" الإماراتية تنفي مشاركتها في بناء العاصمة الجديدة لمصر